صفة صاحب العمل
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الصفة مدخل التقاضي واساسه فالتحقق من صفات المتقاضين وسيلة من وسائل
تحقيق مبدأ الاقتصاد في اجراءات التقاضي وعدم الهدر الاجرائي ؛لأنه اذا ثبت عدم
صفة احد المتقاضين فيترتب على ذلك بطلان الاجراءات ؛ولذلك نجد غالبية القضاة يدققون في صفة الخصوم
قبل انعقاد الخصومة حتى يتم التأكد بما لا
يدع مجالاً للشك من صفات الخصوم ، وصفات الخصوم في القضايا العمالية لا تثير
اشكاليات بالنسبة للشركات والمشاريع الكبيرة والنظامية التي يكون الممثل القانوني
لها معروف ومشهور ومسجل لدى الجهة المعنية، ولكن صفة صاحب العمل يثير اشكاليات
كثيرة بالنسبة للمشاريع والاعمال التجارية الصغيرة كالورش والبقالات والمطاعم
وغيرها من الاعمال ؛فالمنشأت الصغيرة فغالبية هذه المنشأت والاعمال غير نظامية
فليس لها عقود تاسيس أو نظم اساسية تحدد الممثل القانوني لها صاحب الصفة في
تمثيلها امام القضاء؛ ولذلك فان هذا الموضوع يحتاج الى التوعية بشأنه ولفت الانظار
اليه، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/10/2009م في الطعن المدني رقم (36620) لسنة 1429هـ
وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان عاملاً اشتغل في ورشة خراطة لمدة
أربع عشرة سنة مهندس خراطة ثم اختلف المهندس مع صاحب الورشة فقام المهندس برفع
دعوى أمام اللجنة التحكيمية العمالية ادعى فيها ان صاحب الورشة اجبره بتصرفاته على
ترك العمل في الورشة وطلب المهندس المدعي في دعواه الزام صاحب الورشة بدفع مكافأة
نهاية الخدمة ومقابل الاجازات واجر شهر الانذار وشهادة خبرة واخلاء طرف ومخاسير
واتعاب التقاضي وقد رد صاحب الورشة على الدعوى بأن المدعي مدين للورشة بمبالغ طائلة
وانه قد تعمد تعطيل احدى الآلات الجديدة وانه قام بافشاء اسرار العمل، وبعد ان
سارت اللجنة التحكيمية في اجراءات نظر القضية توصلت الى الحكم بالزام (ج.س.ج) بدفع
مكافأة خدمة للعامل المدعي بمعدل 14 راتبا وكذا 14 راتباً مقابل الاجازات السنوية
بالإضافة الى مصاريف التقاضي، فلم يقبل صاحب الورشة بالحكم الابتدائي فقام
باستئنافه وذكر في استئنافه ان الحكم الابتدائي قد تضمن الحكم على (ج.س.ج) في حين
لا صفة له في النزاع فالورشة لها اسم ولها مالك وصاحبً الا ان الشعبة الاستئنافية
رفضت استئنافه وقضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع (ج.س.ج) بالحكم الاستئنافي
فقام بالطعن فيه بالنقض الا ان الدائرة المدنية بالمحكمة العليا رفضت طعنه وأقرت
الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا انه (تبين ان الطاعن ينعي
على الحكم المطعون فيه مخالفته لأحكام الشرع والقانون لان الحكم الاستئنافي
المطعون فيه قضى بتأييد الحكم الابتدائي الذي لم يفصل في الدفع المقدم منه المتضمن
انه ليس له صفة أو مصلحة في هذه الدعوى المرفوعة من المهندس المدعي؛ لان الطاعن ليس صاحب العمل فما
هو الا مشرف على الورشة ولكن اللجنة التحكيمية لم تفصل في ذلك الدفع وصدر الحكم
خالياً من أي اشارة الى الدفع، ولدى تأمل الدائرة فيما اثاره الطاعن ومن خلال
رجوعها الى أوراق القضية تبين لها ان الحكم المطعون فيه قد ناقش ما اثاره الطاعن
فقد ورد في اسباب ذلك الحكم : ان الدعوى تم تقديمها على المدعى عليه (ج.س.ج) ورشة
....... لان (ج.س.ج) هو المتولي لإدارة الورشة بعد انتقالها اليه من اخيه وان
(ج.س.ج) هو المسؤول عن تصريف اعمال الورشة ولانه احد الورثة لأبيه المتوفي وان
حقوق المدعي ديون على الورشة والقائم عليها ولان العمل في الورشة مستمر بإدارة
(ج.س.ج) )وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الاسم التجاري للمشاريع والمنشأت الصغيرة وعلاقته بالصفة وتوصيتنا لوزارة الصناعة :
الاسم التجاري هو الذي يميز المنشأت والمشاريع التجارية عن بعضها حيث
تباشر اعمالها وانشطتها وتصرفاتها وعقودها بالاسم التجاري الذي تتخذه ، ووفقا
لقانون السجل التجاريً يجب على المشاريع والمنشأت ان تتخذ اسماء تجارية لها ليس
هذا فحسب بل يجب ان يتم تسجيل هذه الاسماء واشهارها لدى الادارة المختصة بوزارة
الصناعة والتجارة وعندما يتم تسجيل الاسماء يتم تسجيلها وتحديد المالك او صاحب
العمل للمؤسسة أو المنشأة أو الورشة أو المحل وغيره، ولذلك نجد في بعض لوحات
المنشأت والمحال (ورشة كذا كذا لصاحبها فلان بن فلان) وهذا نوع من الاشهار حتى
يكون معلوماً من هو صاحب المنشأة وصاحب العمل صاحب الصفة عند مخاصمة العامل أو
غيره للمنشأة أو صاحبها، اما اذا كانت المنشأة قد اتخذت أحد الاشكال القانونية
للشركة (محدودة/تضامنية/مساهمة) فان الممثل القانوني لها يكون معلوماً وفقاً لعقد
تأسيسها ونظامها الاساسي، ولكن غالبية المشاريع والمنشأت لا تتخذ هذه الاشكال
القانونية للشركة وهي محل حديثنا لبيان اشكالياتها، ومن اشكاليات المنشأت والمشاريع
الصغيرة انه تكون لها اسماء تجارية ولكن دون ان يتم اعلان أو اشهار مالكها مثلما
حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فقد كان للورشة اسم قديم من ايام
المورث لكن اسم المالك لها او ممثلها القانوني لم يتم إشهاره في لوحة الورشة او
لدى الجهة المعنية وهي وزارة الصناعة، كما ان جهالة اسم المنشأة أو المحل ومالكها
له اثار خطيرة من كافة النواحي الاقتصادية والامنية ، فالموزعون والوكلاء يتعاملون
مع اسماء محلات أو منشأت يجب ان تكون لها اسماء معلنة ومشهرة وان يكون ملاكها او
اصحابها معروفين حتى يتم الرجوع عليهم للوفاء بالالتزامات القائمة عليها، ولذلك
نوصي وزارة الصناعة بالزام كافة المنشأت والمحلات بدون استثناء باتخاذ اسماء
تجارية لها وتسجيل هذه الاسماء واشهارها بالوسائل المختلفة بما في ذلك وضع لوحات
في مقارها تبين اسمها واسم المالك لها والمسؤول عنها.
الوجه الثاني : إثبات صفة صاحب العمل عند عدم التسجيل والاشهار :
سبق القول بان قانون الشركات وقانون السجل التجاري يحددا الممثل
القانوني صاحب الصفة بالنسبة لصاحب العمل في المؤسسات والشركات والمحلات التي تتخذ
شكل الشركات القانونية النظامية أو تلك
التي يتم تسجيل واشهار اسمائها التجارية حيث يتم إثبات صفة صاحب العمل عن طريق
الرجوع الى الادارة المعنية بوزارة الصناعة لمعرفة صفة صاحب العمل حتى يتم
اختصامه، اما بالنسبة للمحلات والمنشات التي لا تتخذ الاشكال القانونية المحددة في
قانون الشركات ولا تقوم بتسجيل
اسمائهاالتجارية لدى وزارة الصناعة والتجارة فيتم إثبات صفة صاحب العمل عن طريق
وسائل الاثبات العادية كالشهود مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل
تعليقنا كما يتم إثبات ذلك عن طريق المحررات مثل اتفاق الشراكة العرفي أو فصول
القسمة اذا صار المحل الى ورثة أو يتم اثباتها عن طريق التعاقدات والتصرفات التي
يباشرها المحل مع الغير لاسيما مع الجهات الحكومية مثل المذكرات المتبادلة فيما
بين المحل ووزارة الصناعة أو الضرائب أو الزكاة أو الاشغال العامة أو غيرها، كما
يتم إثبات ذلك عن طريق إثبات قيام شخص بإدارة المحل وظهوره بمظهر الممثل القانوني
والمالك والمسؤول عن المحل مثلما شهد الشهود في القضية التي تناولها الحكم محل
تعليقنا.
الوجه الثالث : مصلحة المنشأت والمحلات الصغيرة في الالتزام بأحكام قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية :
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا وغيره من الاحكام المماثلة نجد ان
المحلات والمنشأت التي لا تلتزم بأحكام قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية
تتكبد لوحدها مبالغ طائلة اذا حدث نزاع فيما بينها وبين احد عمالها فمثلاً لو قامت
الورشة او المحل بالاشتراك لدى مؤسسة التأمينات لكانت مساهمة العامل 6% من التأمين
ولما اضطرت الورشة لدفع مكافأة نهاية الخدمة للعامل المدعي ولو التزمت الورشة بمنح
العامل اجازاته عيناًحسلما ينص قانون العمل لما تم الحكم عليها بدفع بدل الاجارة
نقداً هذا على سبيل المثال، وعلى هذا الاساس تظهر أهمية الالتزام بأحكام قانون
العمل وقانون التأمينات بالنسبة للمحلات والمنشأت، والله اعلم.