الإحياء والتحجر في المراهق العامة

 

الإحياء والتحجر في المراهق العامة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

وفقاً لقانون اراضي وعقارات الدولة فان المراهق العامة هي الجبال والاكام والمنحدرات التي تتلقى مياه الامطار وتصريفها والسوائل  العظمى التي تمر عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية التي لا يعرف مالكها أو وارث لها ، ومن خلال ذلك يظهر لنا ان اغلب اراضي اليمن تعد من اراضي الدولة، ونتيجة لعدم قيام هيئة الاراضي بإعداد الخرائط الفنية التي اشترط قانون الاراضي ولائحته على الهيئة اعدادها حيث تبين هذه الخرائط مساحات وابعاد وحدود اراضي الدولة وانواعها واماكنها ؛ولذلك فان هذه الاراضي تكون عرضة لأطماع المتهبشين والباسطين والغاصبين الذين يتذرعون بذرائع ومفاهيم مغلوطة عن حق الاحياء والتحجر  في الاراضي ويستغلون بعض الثغرات القانونية للاستيلاء على اراضي وعقارات الدولة، ومساهمة في التوعية بمخاطر هذه الظاهرة ولفت الانظار اليها تقذيم التوصيات المناسبة بشانها فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/5/2011م في الطعن المدني رقم (44348) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان اشقاء قاموا باستخراج اراضي في المنحدرات الجبلية المقابلة لأراضيهم فقام اشخاص اخرين بمعارضتهم ، حيث قام الاشقاء برفع دعوى امام المحكمة الابتدائية المختصة خلاصة دعواهم ان المدعى عليهم وهم جيرانهم في المزارع قاموا بمنعهم من استخراج الاراضي في شعب ــ وانهم اوقفوا الشيول عن العمل وذكروا انهم بدأوا العمل قبل سبع سنوات دون معارضة من احد، فرد المدعى عليهم بان الارض التي يقوم المدعون بإصلاحها واستخراجها واحيائها هي مراهق تابعة لأراضي المدعى عليهم حيث يسيل منها ماء عند المطر عند هطول الامطار الى اراضيهم ؛كما تدخل مكتب اراضي الدولة تدخل هجومياً مدعياً بان الارض محل النزاع مراهق عامة مملوكة للدولة وليست مملوكة للمدعين أو المدعى عليهم واستند تدخل مكتب الاراضي الى المادة (19) من الدستور والمادتين (2 ، 41) من قانون اراضي وعقارات الدولة وطلب مكتب هيئة الاراضي  في تدخله الحكم بملكية الدولة للأراضي محل النزاع، وقد سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر القضية حتى انتهت الى الحكم (بقبول تدخل مكتب اراضي وعقارات الدولة وان الاراضي محل النزاع من المراهق العامة المملوكة للدولة والزام المدعين والمدعى عليهم بوقف اية استحداث أو اصلاح الاراضي أو الاحياء أو التحجر في تلك الاراضي الا بأذن هيئة الاراضي وفقاً للإجراءات المحددة قانونا؛ً وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي (بانه قد ثبت من خلال المعاينة ان الاستحداث في جبل ومنحدر شديد الارتفاع وحيث ان الجبال والمنحدرات والاكام من المراهق العامة حسب تعريف المادة الثانية من قانون اراضي وعقارات الدولة وانها من الاملاك العامة وفقاً لنص المادة (41) من القانون ذاته لذلك فان الإحياء أو التحجر أو الاستحداث لغرض اعداد اراضي صالحة للزراعة في تلك المراهق العامة يلزم لصحته سلوك الاجراءات المقررة لذلك في قانون الاراضي ولائحته التنفيذية وكذا نصوص الفصل الثاني من القانون المدني والمذكور ةفي المادة (1242) وما بعدها، ولذلك فانه يتعين الحكم بصحة تدخل مكتب الاراضي) فلم يقبل المدعون والمدعى عليهم بالحكم الابتدائي فقاموا جميعاً باستئناف الحكم الا ان الشعبة المدنية الاستئنافية رفضت استئنافهم وقضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (فقد تبين للشعبة عدم صحة الاسباب المذكورة في الاستئناف وان محكمة أول درجة قد قامت بمناقشةتلك الاسباب والتحقق منها كما قامت بمعاينة الاراضي محل النزاع ومن خلال ذلك ثبت لديها ان الاراضي محل النزاع مراهق عامة مملوكة للدولة) فلم يقنع المدعون أو المدعى عليهم بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض الا ان الدائرة المدنية رفضت طعنهم وقضت بإقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم  المحكمة العليا (حيث تبين للدائرة بعد الاطلاع والنظر في الاوراق ان محكمة أول درجة قد حققت في وقائع القضية وفيما قدمه كل طرف بصورة مرضية كما قامت بمعاينة الارض  محل النزاع وثبت لديها بصورة واضحة وجلية ان الاستحداث في شعب ... وان ذلك الشعب من المراهق العامة المملوكة للدولة ولذلك فان الحكم الابتدائي صحيح كما ان محكمة الاستئناف قد نظرت في الواقع والقانون واعادة المعاينة وقامت بدراسة كل ما قدمه الخصوم وقد اصابت فيما خلصت اليه بتأييد الحكم الابتدائي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية المراهق العامة وملكيتها :

المراهق العامة هي الجبال والاكام والمنحدرات التي تتلقى مياه الأمطار وتصريفها وتعد في حكم المراهق العامة السوائل العظمى التي تمر عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية ، وقد ورد هذا التعريف للمراهق العامة في المادة (2) من قانون اراضي وعقارات الدولة، وقد قرر القانون ذاته في المادة (41) ان المراهق العامة مملوكة للدولة.

الوجه الثاني : اغراض المراهق العامة :

المراهق العامة هي الحمى العام في الفقه الإسلامي فمثلما للأملاك الخاصة مراهق خاصة أو حمى خاص ينتفع به المالك الخاص فان الامة عامة ينبغي ان تكون لها مراهق عامة أو حمى عام تنتفع به الامة كلها كالاحتطاب منها والرعي فيها وغير ذلك فلا تكون هذه المراهق ملكاً لفرد يختص بها دون غيره حتى لا تتعطل مصالح وحقوق الامة بمجموعها، فلو كانت المراهق العامة ملكاً لفرد لمنع الناس من الانتفاع بها ولذلك ذهب الفقهاء الى انه لايجوز للدولة في المراهق العامة حسبما ورد في كتاب الاحكام للامام الهادي رحمه الله وكتاب الام للامام الشافعي رحمه الله (النظرية العامة للملكية العامة في الشريعة والقانون، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ص137).

الوجه الثالث : ماهية الاحياء أو التحيز في المراهق العامة:

الحكم محل تعليقنا اشار الى ان الاحياء محل الخلاف كان في شعب وهذا الشعب من المنحدرات التي تعد بموجب القانون مراهق عامة، كما ان هذا الحكم اشار الى الاحياء والتحجر،  ولذلك سوف نشير بإيجاز بالغ الى المقصود بالأحياء والتحجر بالمفهوم القانوني ؛حيث عرفت المادة (1247) مدني الاحياء بانه (يكون الاحياء للأراضي بإعدادها للانتفاع بها بأحد الامور هي الحرث والبذر أو امتداد الكرم أو ازالة الشجر النابت فيها وتنقيتها من الحشائش أو اتخاذ حائط أو خندق عميق  من ثلاث جهات أو انشا بناء أيا كان أو بحفر ونحو ذلك) اما المادة (1251) فقد عرفت التحجر  بانه (يكون التحجر بضرب الاعلام في الجوانب اما بنصب احجار متفرقة أو باتخاذ خندق غير عميق أو ربط اغصان الشجر بعضها الى بعض) ومن المقرر قانوناً عدم جواز الاحياء أو التحيز في المراهق العامة لانها ملك للدولة فليست من الاراضي التي لامالكها لها التي كان الفقه الاسلامي يذهب الى جواز الاحياء والتحجر فيها باعتبارها من الاراضي الموات.وبناء على ذلك فلا يجوز الإحياء أو التحجر في المراهق العامة الا  بعقد ملكية او انتفاع صادر من الممثل القانوني للدولة في ادارة املاكها وهي هيئة الاراضي، وقد اشارت المادة (1242) مدني إلى انه لا يجوز الاحياء أو التحجر الا بموجب قانون المراهق والمرافق العامة وهو قانون اراضي وعقارات الدولة ومعلوم ان قانون الاراضي قد نظم كيفية انتفاع المواطنين بالمراهق العامة حيث حددت المادة (1242) مدني على انه (يجوز للمسلم احياء أو تحجر  الارض الموات المباحة للكافة وهي التي لايملكها احد ولا يتحجرها احد ولا يتعلق بها حق عام أو خاص طبقاً لما هو منصوص عليه في هذا القانون وقانون اراضي وعقارات الدولة) وفي السياق ذاته حددت المادة (1245) مدني الاراضي التي لا يجوز الاحياء او التحجر فيها حيث نصت على انه (لحمى البلد والبيوت والابار والاشجار حرمة فلا يجوز لاحد تحيزها أو احياءها الا باذن مالكها او ذو الحق فيها وحمى البلد هو مداخلها ومخارجها ومحتطبها ومرعاها وحمى الدار هو ما يرتفق به اهلها في اقامتهم بها وحمى البئر هو مرافقها المعتادة وما يسع واردها لشرب أو سقى ويضر احداث شيء فيه واردها أو ماءها...الخ) وخلاصة القول انه لا يجوز الاحياء أو التحجر  في المراهق العامة الا بناءً على عقد انتفاع أو بيع صادر من الجهة المختصة قانوناً وهي هيئة الاراضي.

الوجه الرابع : التناقض فيما بين القانون المدني وقانون اراضي وعقارات الدولة فيما يتعلق بالاحياء والتحجر :

اجازت المادتان (1242 ، 1243) مدني اجازتا الاحياء والتحجر في الاراضي الموات المباحة والاراضي المجهول مالكها في حين تنص المادة(6) من قانون اراضي وعقارات الدولة على انها تعد من اراضي الدولة ( الاراضي البور والاحراش والغابات والاراضي الصحراوية والمراهق العامة والشواطئ ومحارمها والجزر واشباه الجزر البحرية غير الأهلة بالسكان وسائر المناطق البحرية التي يجف ماؤها وتصبح يابسة والاراضي والعقارات التي لا يعرف مالكها أو لا وارث لها واية اراضي وعقارات تعد وفقاً لأحكام القوانين النافذة انها ملك للدولة) وهذا يعني ان كل الاراضي التي ليست مملوكة للافراد هي ملك عام للدولة وهذا المفهوم مطابق للشريعة وبناءً على هذا فلم يعد هناك وجود قانوني للأراضي الموات أو التي لا يعرف مالكها التي يجوز الاحياء أو التحجر فيها، ولرفع هذا التعارض حتى يتم تعديل القانون المدني فان القانون الواجب العمل بموجبه هو  قانون اراضي وعقارات الدولة باعتباره القانون الخاص ولا يعمل بما ورد في القانون المدني لان القاعدة ان العام مقدم على الخاص عند التطبيق.

الوجه الخامس: الاحياء والتحجر ذريعة المتهبشين والمعتدين على اراضي الدولة:

لا يحفظ المعتدون والبساطون على اراضي الدولة من احكام الشريعة والقانون الا (من احياء ارض ميتة فهي له) فالاحياء والتحجر هو شعار ودثار المعتدين على ارض الدولة فليس لهم وليجة ولا مدخل الى البسط على أراضي الدولة إلا باب الاحياء والتحجر، فهل هناك من يبادر إلى غلق هذا الباب؟.

الوجه السادس : توصية صادقة من محب لإعادة النظر في أحكام الاحياء والتحجر في القانون المدني :

من شروط صياغة القوانين والتشريعات التصدي للإشكاليات الواقعية التي يعاني منها المجتمع فالفروق الجوهرية بين القوانين في الدول المختلفة يكون بسبب اختلاف تلك الاشكاليات ما بين دولة واخرى وكذلك يكون اختلاف الاشكاليات سببا في اختلاف القوانين في الدولة الواحدة مابين وقت واخر (فلسفة القانون، د.روبرت اليكسي ص72) وحيث انه من الثابت عندي ان احكام الاحياء والتحجر قد تم نقلها من كتب الفقه الاسلامي الصادرة قبل اكثر من سبعمائة سنة التي كانت عبارة عن اجتهادات مناسبة في تلك العصور الزاهرة التي كان الدين والتقوى والورع والزهد يحكم تصرفات ومعاملات الافراد فكانوافي تلك العصور ازهد خلق الله في اكتساب الاموال وكانت غالبية الارضي خالية من السكان وغير مملوكة لاحد؛ اما العصر الحاضر الذي تكاثر فيه الأوغاد والبلاطجة وعصابات البسط على الأراضي وتكاثر السكان وانتشروا في الاراضي كلها وصارت الاراضي موارد نادرة لاتفي بحاجة السكان وتحتاج الى ادارة رشيدة وحكيمة لتنظيم الانتفاع بالاراضي وحماية الحمى العام من الارض لذلك فالواجب اعادة النظر في احكام الاحياء والتحجر المقررة في القانون اليمني، فسوف يأتي قريباً يوماً لن تجد فيه الدولة أرضاً لإقامة مشروع عام ولن يجد المواطن متنفساله، والله اعلم.