إثبات ملكية الأموال المكتسبة في الشركة العرفية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الشركات
العرفية أو شركات الواقع وكذا الشركات غير النظامية هي الأكثر في اليمن من الشركات
النظامية التي نظمها قانون الشركات، ولان الشركات العرفية وشركات الواقع غير
نظامية فان مشاكلها لا تنتهي، وللأسف فان إشكالاتها ليست حصرًا على الشركاء فيها
بل انها تلقي بظلالها الكثيفة على النشاط الاقتصادي في المجتمع بأسره، علاوة على
انها تعكر صفو العلاقات الاسرية والإجتماعية، ومن إشكاليات الشركات غير النظامية
والعرفية إشكالية إثبات الشريك فيها لملكيته لأمواله الخاصة به وانها ليست من
أموال الشركة العرفية، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6/9/2016م في الطعن رقم (58298) وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم ان أربعة اشقاء ورثوا عن أبيهم تركة شائعة لم
يقتسموها فنشأت بينهم شراكة عرفية حيث كان يقوم كل واحد منهم بالسعي في سبيل تنمية
أموال التركة (الكرمة) حتى ازدادت الأموال المكتسبة وزادت قيمتها وأهميتها، وبعد
ذلك دب الخلاف بين الاشقاء الأربعة بشأن الأموال المكتسبة زيادة على تركة والدهم
حتى وصل إلى القضاء،واثناء سير إجراءات المحاكمة ادعى احد الأخوة اختصاصه بمنزلين
في مدينة مهمة، وعندما وصل النزاع إلى المحكمة العليا رفضت الطعن وأقرت الحكم
الاستئنافي الذي قضى بإدراج المنزلين محل الخلاف ضمن مستطلع التركة وقسمتهما ضمن
التركة على جميع الورثة بحسب الانصبة الشرعية، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة
العليا (فقد تبين ان النزاع فيما بين الطاعن والمطعون ضدهم قد انحصر في البيتين
الكائنين بمدينة ....، فالبين ان محكمة الدرجة الثانية قد نظرت القضية المستأنفة
وفصلت فيها في الواقع والقانون بإجراءات لا تشوبها شائبة على أساس ما رفع عنه
الاستئناف من وجوه وأسباب ومااستجد امامها من أدلة ودفوع وما سبق طرحه أمام
محكمةالدرجة الأولى وقيام الطاعن بالاعتراض على الشهود والأدلة المقدمة من المطعون
ضدهم بشان المنزلين، اما ما اثاره الطاعن في بقية أسباب طعنه فوقائع موضوعية
ومناقشة في الأدلة فهي من اختصاص محكمة الموضوع، فلا تختص بتحقيقها المحكمة
العليا، ومن جانبها فقد قامت محكمة الاستئناف بمناقشة كل ما طرح أمامها من أدلة
صامتة وناطقة ودفوع مناقشة مستفيضة وردت عليها وأبدت وجه الرأي فيها معللة ما
توصلت اليه من نتيجة واقتنعت بثبوته بأسباب سائغة لها مايسندها في الأوراق
والقانون، ولذلك فان ما ذهبت اليه كان سديداً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب
ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الشركة العرفية وتفاوت جهود الشركاء :
عرفت المادة (661)
مدني الشركة العرفية بانها (الخلطة في الأموال والتكافؤ في الأعمال على ان يعمل
شخصان أو اكثر بحسب ما يحسنه فيكفي كل منهم الاخر ويكون المستفاد مشتركاً بينهم
جميعاً وما يلزم احدهم يكون عليهم جميعاً) ومن خلال إستقراء هذا النص ومن خلال
دراسة نزاعات كثيرة وقعت بالفعل بين الشركاء في الشراكات العرفية نجد ان النص قد
قرر ان المستفاد أي المكتسب من الشراكة يكون مشتركاً بين الشركاء جميعاً ولكن
النص لم يحدد نسبة استحقاق كل شريك من
المستفاد أو المستطلع أو المكتسب، ومن وجهة نظرنا انه يفهم من هذا النص ان نسبة
المشاركة التي يستحقها كل شريك من المستفاد تكون بحسب العائد الذي تحقق في المستفاد من عمله
وجهوده فلاتتم قسمة المستفاد كالتركة بحسب
الانصبة الشرعية وانما بحسب العائد الذي حققه كل شريك ، ولا ريب ان العائدات او
المستفاد المتحقق من جهود وسعي الشركاء يختلف من شريك إلى اخر ، ولذلك فان أحكام
الشرع والقانون تقتضي ان يكون المستحق لكل شريك من المستفاد بحسب العائد المتحقق من جهوده ونشاطه، ولا شك
ان الإمكانيات الذهنية والعقلية والمهارات تختلف من شريك إلى اخر، فهناك فروق
فردية بين الشركاء في الشركة العرفية تقتضي التقرير بان مساهمتهم في تحقيق
المستفاد متفاوتة بحسب تفاوتهم في قدراتهم ومهاراتهم وجهودهم، وللأسف فان اغلب
النزاعات والخلافات بين الشركاء في
الشركات العرفية يكون سببها عدم فهم هذه الحقيقة حيث يذهب الشركاء إلى ان
مستحقاتهم في المستفاد ينبغي ان تكون متساوية أو بحسب الانصبة الشرعية، وأنه ينبغي
تقسيم المستفاد مثل قسمة التركة بحسب الفرائض، وهذا الوضع يثير حفيظة بعض الشركاء
الذين يرون بان سعيهم وثمارهم وعائداته اكثر من غيرهم ،ولذلك تحدث الخلافات في هذا
الشأن وترجع أكثر من 85% من المنازعات بشأن الشراكات والشركات العرفية لهذا السبب،
وعلى هذا الأساس تظهر أهمية إثبات اختصاص بعض الورثة لبعض الأموال وفي الوقت ذاته
أهمية إثبات التفاوت في تحقيق المستفاد وهو ما سنشير اليه في الوجوه القادمة .
الوجه الثاني : المستفاد العام الشركة العرفية والأملاك الخاصة بالشركاء أو الورثة :
من خلال الدراسة
الدقيقة لنص المادة (661) مدني السابق ذكره نجد أن الشركة العرفية تعني ان الشركاء
ولو لم يتفقوا على تقسيم المهام والانشطة بينهم بطريقة الكتابة إلا أنه لابد من
وجود الاتفاق بينهم بطرق اخرى غير الكتابة على هذا التقسيم حيث يقوم كل شريك باداء
الدور المناط به ضمن مظلة الشركة العرفية ولحسابها وفائدتها وبالمقابل تتحمل
الشركة العرفية كافة المصاريف والنفقات التي يتكبدها الشريك، والغالب الاعم ان
تكون هناك اتفاقات مكتوبة وغير مكتوبة بين الشركاء بشأن الادوار والجهود التي يقوم
بها الشركاء في الشركة العرفية فقد يقوم كل شريك بأعمال منفردة لحساب الشركة
فيتصرف مع الغير منفرداً كأنه يعمل لحسابه الخاص، ولذلك يستطيع الشركاء الاخرين
اثبات تبعية الأموال التي حصلها الشريك
إلى الشركة العرفية مع محاولات بعض الشركاء الاختصاص بها طالما وان الشريك
قد حصلها بسبب الشراكة العرفية، اما الجهود الشخصية المنعزلة عن الجهود الجمعية
للشركاء في الشركة العرفية فانها لا تنخرط ضمن الشركة العرفية ولا تكون ثمارها
عائدات او مستفاد ضمن الشركة العرفية وانما تكون ثمارها وعائداتها ملك خاص وخالص
للشخص المنفرد بجهده وسعيه إلا أنه من
المقرر انه عند منازعة بقية الشركاء للشريك المنفصل في بعض اعماله ان يثبتوا ان
الاعمال التي قام بها هذا الشريك كانت بناءً على اتفاق بينهم أو تكليف منهم وان
رأس مال الشريك المنفصل كان من أموال
الشراكة، لان الأصل ان كل الأموال التي يحصل عليها الشركاء في الشركة العرفية هي من
عائدات الشركة العرفية فهي من حق الشركاء جميعهم،غير ان عائد الشركاء من المهن
والحرف والوظائف الشخصية للشركاء في الشراكات العرفية لاتدخل ضمن المستفاد مثل
اتعاب واجور الطبيب والمهندس والمستشار ...الخ.
الوجه الثالث: طرق إثبات المستفاد من الشركة العرفية والأملاك الخاصة المنفصلة للشركاء:
سبق القول بان الأصل
ان كل مايكتسبه الشركاء في الشركة العرفية هو مستفاد من الشركة العرفية يتم تقسيمه
بين الشركاء بحسب العائد المتحقق من سعي كل شريك، وبناءً على ذلك فانه من الواجب
على من يدعي خلاف هذا الأصل ان يثبت ذلك فعلى الشريك في الشركة العرفية ان يثبت ان
الأموال التي يدعي اختصاصه بها هي من غير مستفاد الشركة العرفية ،ويتم ذلك بكل طرق
الإثبات المقررة شرعاْ وقانوناً كالاقرار والشهادة والكتابة والقرائن، ولذلك فقد
لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد اعتمد على مصادقات الاشقاء الأربعة في وثيقة قاموا
بالتوقيع عليها على أن كل ما اكتسبه كل
واحد منهم هو ملك للجميع وتابع للتركة (الكرمة) وهذا الدليل الكتابي تم اعتماده مع
ان وثائق المنزلين كانت باسم الشريك الذي ادعى ملكيته الخاصة لهما والذي قدم فواتير الكهرباء والماء والهاتف لان الحكم محل تعليقنا
قد اعتبر شراء المنزلين ورجح ذلك شهادة الشهود الذين شهدوا بان الاشقاء الأربعة قد
ساهموا في دفع ثمن الأرضيتين وبناء المنزلين القائمين عليهما كما أن المصادقة
الكتابية كانت بعد بناء المنزلين، إضافة الى ان هناك دلائل يستدل بها على ان ما
كسبه احد الشركاء خاص به مثل نوع النشاط
فقد ينفرد احد الشركاء بنشاط خاص متميز منفصل عن نشاط الشركة العرفية مثل ان يكون
احد الشركاء طبيباً أو محامياً أو مهندساً أو صاحب مهنة فردية وغير ذلك يكتسب منها
فلا يجوز عندئذ التمسك في مواجهته بان الأصل ان كل ما اكتسبه الورثة أو الشركاء
مستفاد متحقق للورثة أو الشركاء
جميعهم، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717