القضية المحالة الى الاستئناف لا تحال الى الابتدائية

 

القضية المحالة الى الاستئناف لا تحال الى الابتدائية

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء 

العدالة البطيئة ظلم, واطالة اجراءات التقاضي مشكلة لها اسبابها المختلفة ,ومن ذلك قلة القضاة وكثرة القضايا وكثرة الدفوع والدعاوي المقابلة والدعاوي الفرعية والطعون والاستشكالات ولاشك ان من بين اسباب اطالة اجراءات التقاضي الاحالة الى المحكمة الابتدائية للقضايا المحالة اصلا من المحكمة العليا الى محكمة الاستئناف حيث تعود القضية في هذه الحالة الى نقطة البداية بعد ان استغرقت في رحلتها الاولى سنوات عدة واموال وجهود كبيرة , ولان هذه التعليقات موجزة حتى يتمكن المعنيون والمهتمون من مطالعتها بيسر وسهولة فقد اخترنا الاشارة الى مسالة الاحالة الى المحكمة الابتدائية خلافا للقانون وذلك بمناسبة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8\12\2010م في الطعن المدني رقم (38856) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم في ان قضية وصلت الى الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي نقضت الحكم الاستئنافي واحالت القضية الى المحكمة الاستئنافية التي اصدرت الحكم المنقوض لتصحيح العيوب الاجرائية التي شابت الحكم المنقوض وهي تاييدها للحكم الابتدائي الذي اعتمد على شهادات شهود لم يمثلو امام المحكمة الابتدائية حيث كلف القاضي امين السر للانتقال الى الشهود في محافظة اخرى  للاستماع لشهاداتهم وكذا قيام المحكمة بتوجيه اليمين المتممة الى المدعي مع ان نصاب الشهود كان مكتملا , وبدلا من ان تقوم محكمة الاستئناف بذاتها بإعلان اطراف القضية للحضور امامها وتصحيح الاجراءات الباطلة بنظرها قامت بإحالة القضية الى المحكمة الابتدائية لتصحيح تلك الاجراءات ,حيث قامت بالفعل المحكمة الابتدائية بتصحيح تلك الاجراءات والفصل في القضية من جديد وكان منطوق الحكم الابتدائي الثاني مقاربا لمنطوق الحكم  السابق وهو الزام المدعى عليه بدفع بقية ثمن العقار؛ فقام المحكوم عليه باستئناف الحكم الابتدائي فأيدت محكمة   الاستئناف الحكم الابتدائي فلم يقنع المحكوم عليه فقام بالطعن للمرة الثانية امام المحكمة العليا التي اقرت الحكم لكنها اكدت في اسباب حكمها على عدم صحة قيام محكمة الاستئناف باحالة القضية الى المحكمة الابتدائية وانه كان ينبغي على محكمة  الاستئناف ذاتها الفصل في القضية وتصحيح الاجراءات المشار اليها ولكن طالما  والنتيجة توصل اليها الحكم الاستئنافي  موافقة للقانون فان المحكمة العليا تقر الحكم الاستئنافي بما للمحكمة العليا من صلاحية في اقرار الحكم في هذه الحالة؛ حيث ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما ما عابه الطاعن على شعبة الاستئناف  من انها لم تحكم في موضوع القضية بل اعادتها الى محكمة اول درجة بعد الا عادة من المحكمة العليا فان هذا النعي  وان كان صحيحا الا انه بعودة الدائرة الى حكم الشعبة محل الطعن تبين للدائرة ان الحكم من حيث النتيجة قد جاء موافقا لأحكام الشرع والقانون مما يتعين معه تطبيق حكم الفقرة الاولى من المادة (300)مرافعات والقضاء برفض الطعن موضوعا لان الفقرة المشار اليها قد وردت على اطلاقها في اعطاء المحكمة العليا حق رفض الطعن ان رات ان منطوق الحكم المطعون فيه من حيث النتيجة موافق للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : الاسانيد والاعتبارات التي تمنع احالة القضية من محكمة الاستئناف الى المحكمة الابتدائية :

اشار الحكم محل تعليقنا الى انه ما كان ينبغي لمحكمة الاستئناف ان تحيل القضية الى المحكمة الابتدائية, ويستند الحكم في ذلك الى اسانيد واعتبارات عدة من اهمها ما يأتي:

1- تنص المادة (300) مرافعات على ان المحكمة العليا هي التي تحدد محكمة الاحالة التي تحال اليها القضية وليس محكمة الاستئناف ؛كما قررت هذه المادة ان المحكمة العليا تحيل القضية الى المحكمة الابتدائية في حالة مخالفة الحكم المنقوض لقواعد اختصاص المحاكم وفي غير مخالفة قواعد الاختصاص تحيل المحكمة العليا القضية الى المحكمة التي اصدرت الحكم المنقوض؛ وفي القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لم يكن سبب نقض الحكم راجعا الى مخالفة قواعد الاختصاص.

2 - مخالفة محكمة الاستئناف باعتبارها محكمة احالة لتوجيه المحكمة العليا لها حيث قضى الحكم السابق للمحكمة العليا بإحالة القضية الى محكمة الاستئناف وتضمن ذلك الحكم توجيه المحكمة العليا لمحكمة   الاستئناف بان تتولى هي  بنفسها تصحيح الاجراءات الباطلة التي تضمنها الحكم الاول للمحكمة الابتدائية لان حكم محكمة الاستئناف الاول كان قد ايد الحكم الابتدائي المتضمن اجراءات غير صحيحة الا ان محكمة الاستئناف قامت بإحالة القضية الى المحكمة الابتدائية والقانون يوجب على محكمة الاحالة الالتزام بتوجيه المحكمة العليا.

3- تضمن توجيه المحكمة العليا الى محكمة الاستئناف باعتبارها محكمة احالة تصحيح الاجراءات التي كان ينبغي عليها القيام بتصحيحها واستدعاء محكمة الاستئناف للخصوم لمباشرة اجراءات التصحيح التي حددها حكم المحكمة العليا, ولذلك لم تكن هناك حاجة تستدعي قيام محكمة الاستئناف بإعادة القضية الى المحكمة الابتدائية لان الامر متعلق بتصحيح اجراءات.

4- يترتب على الاحالة في هذه الحالة الى المحكمة الابتدائية اطالة اجراءات التقاضي حيث سيترتب على ذلك صدور حكم ابتدائي جديد ثم الطعن فيه امام محكمة الاستئناف ثم المحكمة العليا مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.

5- يترتب على احالة القضية الى المحكمة الابتدائية في هذه الحالة هدر لإجراءات التقاضي بالإضافة الى هدر في الوقت والجهد والمال.

الوجه الثاني : اسباب احالة القضية الى المحكمة الابتدائية :

في الحالة التي تناولها الحكم محل تعليقنا وفي الحالات المماثلة لها نجد ان سبب احالة محكمة الاستئناف للقضية الى المحكمة الابتدائية يرجع الى فهم وتقدير محكمة الاستئناف بان المطاعن التي اشار اليها حكم المحكمة العليا هي متعلقة اصلا بالحكم الابتدائي وبناء على ذلك فان المحكمة الابتدائية هي الاجدر بتصحيح تلك الاجراءات, وتقدير محكمة الاستئناف وفهمها لهذه المسألة ليس دقيقا بل انه اجتهاد يخالف نص المادة(300)مرافعات اضافة الى ان ذلك مخالف لتوجيه المحكمة العليا لها هي بتصحيح الاجراءات المحددة في حكم المحكمة العليا .

الوجه الثالث : حالات الاحالة الى المحاكم الابتدائية وحالات الاحالة الى المحاكم الاستئنافية : 

اشار الحكم محل تعليقنا بان قيام محكمة الاستئناف بإحالة القضية الى المحكمة الابتدائية اجراء غير صحيح وهذا يقتضي الاشارة الى الحالات التي تجوز فيها الاحالة الى المحاكم الابتدائية والحالات التي تجوز فيها الاحالة الى المحاكم الاستئنافية, فعند التأمل للمادة (300) مرافعات نجد انها قد حددت هذه الحالات وحددت المحكمة المختصة بالإحالة وهي المحكمة العليا حيث قررت هذه المادة ما يأتي :  

1- المحكمة المختصة بالإحالة هي المحكمة العليا فهي التي تملك تحديد المحكمة التي تحال اليها القضية سواء اكانت المحكمة الاستئنافية ام المحكمة الابتدائية, ولذلك نجد ان الحكم محل تعليقنا قد ذكر بان قيام محكمة الاستئناف من تلقاء ذاتها بإحالة القضية الى المحكمة الابتدائية اجراء غير صحيح .

2- اذا كان سبب نقض الحكم من قبل المحكمة العليا يرجع الى مخالفة الحكم المنقوض لقواعد الاختصاص, فان المحكمة العليا هي التي تعين المحكمة التي تحال اليها القضية للتداعي امامها بإجراءات جديدة كما لو انها دعوى جديدة, أي ان المحكمة العليا في هذه الحالة قد تحدد المحكمة الاستئنافية الا ان الغالب في احكام المحكمة العليا او النقض ان تحدد المحكمة الابتدائية كمحكمة احالة لانها الاجدر بنظر القضية من جديد بكل تفاصليها وجزئياتها وحتى يتم التقاضي فيها على درجتين.

3- اذا كان سبب نقض الحكم المطعون فيه لا يرجع الى مخالفة قواعد اختصاص المحاكم فان المحكمة العليا تحيل القضية الى المحكمة التي اصدرت الحكم المنقوض وهي غالبا المحكمة الاستئنافية, فالمحكمة العليا في هذه الحالة ليس امامها في الاحالة الا خيار واحد وهو الاحالة الى المحكمة التي اصدرت الحكم المنقوض .

وفي هذا المعنى نصت المادة (300) مرافعات على انه (واذا كان الطعن لمخالفة قواعد الاختصاص ورأت المحكمة العليا نقض الحكم لهذا السبب قصرت حكمها عليه وعينت المحكمة المختصة واعادت القضية اليها للتداعي امامها بإجراءات جديدة واذا كان نقض الحكم لغير هذا السبب اعادت القضية الى المحكمة التي اصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيه من جديد بناء على طلب الخصوم متبعة توجيه المحكمة العليا)

الوجه الرابع : مدى التزام محكمة الاحالة بتوجيه المحكمة العليا :

من خلال مطالعة المادة (300) مرافعات السابق ذكره نجد انه قد قصر الالتزام بتوجيه المحكمة العليا على حالة الاحالة الى المحكمة التي اصدرت الحكم المنقوض دون حالة الاحالة لنقض الحكم بسبب مخالفة قواعد اختصاص المحاكم, لان المحكمة العليا في حالة اذا كان النقض بسبب مخالفة قواعد الاختصاص تسند الاختصاص الى المحكمة المختصة لمباشرة نظر القضية من جديد على وفق الاجراءات المحددة في القانون فليس هناك ثمة توجيه لمحكمة الاحالة فما ينبغي عليها القيام به.

الوجه الخامس : اقرار المحكمة العليا للحكم الصادر من غير محكمة الاحالة :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد اقر الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي في حين ان حكم المحكمة العليا الاول كان قد احال القضية الى محكمة الاستئناف وليس المحكمة الابتدائية, وقد ورد في الحكم محل تعليقنا ان المحكمة اقرت الحكم وتجاوزت عن تلك المخالفة لان المادة (300) مرافعات قد اجازت للمحكمة العليا مطلقا في اقرار الحكم المطعون فيه اذا كان هذا الحكم موافق من حيث نتيجته للشرع والقانون حيث نصت المادة (300) في بدايتها على انه (اذا رأت المحكمة العليا ان منطوق الحكم المطعون فيه من حيث النتيجة موافق للشرع  والقانون رفضت الطعن) فاستنادا الى هذا النص رفضت المحكمة العليا الطعن واقرت الحكم لأنه كان موافقا في نتيجته للشرع والقانون حتى لو صدر اصلا من غير المحكمة التي احالت اليها المحكمة العليا, وهذا السلوك والفهم صحيح لان المخالفة هنا ليست جوهرية وانما اجرائية فبدلا من ان تقوم محكمة الاستئناف بذاتها تصحيح الاجراءات قامت بدورها بإحالة القضية الى المحكمة الابتدائية التي اصدرت الحكم المتضمن الاجراءات غير الصحيحة .

الوجه السادس : الاجراءات غير الصحيحة التي شابت الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي :

كانت هذه الاجراءات هي سبب نقض الحكم الاستئنافي الاول الذي ايد الحكم الابتدائي الذي شابته اجراءات غير صحيحة وهي الاستماع الى الشهادة في غير مجلس القضاء والجمع بين الشهادات واليمين المتممة, وبيان ذلك كما يأتي :

1-  الاستماع الى الشهادات في غير مجلس القضاء : كان هذا الامر سببا في نقض الحكم الاستئنافي السابق حيث قامت المحكمة الابتدائية الواقعة بطرف اليمن بتكليف امين سرها بالانتقال الى محافظة اخرى تقع في الطرف الاخر من اليمن  كي يستمع امين السر الى شهادة الشهود المقيمين في تلك المحافظة فلم يتم الادلاء بالشهادة في مجلس قضاء وفي مواجهة الخصوم وبحضور القاضي حيث قام امين السر باستفسار الشهود ومعرفة تفاصيل شهاداتهم, ولذلك فان هذا الاجراء مخالف لمبدأ المواجهة المقرر في قانون المرافعات ولمبدأ الادلاء بالشهادة في مجلس القضاء المقرر في قانون الاثبات بإلاضافة الى ان الشهادات لم تستهل بكلمة (اشهد) حسبما ورد في المادة (41) اثبات, فكان الواجب على المحكمة استدعاء الشهود للإدلاء بالشهادة امامها او ان تقوم بإنابة المحكمة التي يقيم في نطاقها الشهود للاستماع الى شهاداتهم او ان تندب احد القضاة للاستماع الى الشهادات وليس امين السر كما كان ينبغي ان يتم الاستماع الى الشهادات في هذه الحالة بحضور الخصوم عملا بالمادتين (59و64) اثبات.

2-   الجمع بين اليمين المتممة وبين الشهادات : وقد كان هذا الاجراء من اسباب نقض الحكم  الاستئنافي السابق, لان قيام المحكمة الابتدائية بتكليف المدعي بأداء اليمين المتممة مع وجود نصاب الشهادات يخالف قانون الاثبات الذي نظم حالات اللجوء الى اليمين المتممة حسبما ورد في المادة (145) اثبات فلا يوجه القاضي اليمين المتممة الا اذا كانت بينة الخصم ناقصة، والله اعلم.