تاثير السبب القهري على ميعاد تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
مع
أن القواعد العامة في احتساب ميعاد الطعن تسري على ميعاد تقديم دعوى البطلان الا
ان هناك فرق بين احتساب ميعاد تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم واحتساب ميعاد الطعون
في الأحكام ويتمثل هذا الفرق في تاثير السبب القهري على ميعاد تقديم دعوى البطلأن
بخلاف ميعاد الطعن ،ويرجع ذلك إلى اختلاف طبيعة دعوى البطلان في حكم التحكيم عن
الطعن في الحكم القضائي، وقد اشار الى ذلك الحكم الصادر عن الدائرة التجارية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/2/2018م في الطعن رقم (59659) وتتلخص
وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المدعين ببطلان حكم التحكيم تقدما
بدعواهما أمام محكمة الاستئناف المختصة التي قضت بعدم قبول دعوى البطلان
لتقديمها بعد فوات الميعاد، وقد ورد ضمن
أسباب الحكم الاستئنافي (انه من خلال اطلاع الشعبة على الدفع المقدم من المدعى
عليه بالبطلان تجد الشعبة ان دعوى البطلان قد تم تقديمها بعد مضي أكثر من تسعين
يوماً من تاريخ استلام المدعين لحكم التحكيم) فقاما المدعيان بالبطلان بالطعن
بالنقض في الحكم الاستئنافي ،حيث قبلت الدائرة الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد
ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فالدائرة تجد ان الحكم المطعون فيه قد جارى ما
ورد في الدفع حيث قضى الحكم ان تقديم دعوى البطلان كان بعد مضي أكثر من تسعين يوما
منً دون ان تقوم الشعبة بتمحيص ذلك واستنزال العطل والإجازات على افتراض ان تقديم
الدعوى قد كان بعد مضي أكثر من تسعين يوماً، فضلاً عن ان الحكم المطعون فيه لم
ينتبه لاختلاف أحكام احتساب مدد تقديم دعاوى البطلان في أحكام التحكيم التي تمد
الميعاد في حالة الظروف القاهرة بينما لا يعول القانون على ذلك في حالة استئناف
الأحكام القضائية كما هو معروف) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الوجوه الأتية :
الوجه الأول :احتساب ميعاد تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم :
احال
قانون التحكيم تحديد ميعاد تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم إلى قانون المرافعات حيث
نصت المادة (54) تحكيم على ان (ترفع دعوى البطلان إلى محكمة الاستئناف خلال مدة
الاستئناف القانونية) ومن المعلوم ان مدة تقديم عريضة استئناف الحكم هو (60) يوماً
حسبما هو مقرر في المادة (275) مرافعات يتم احتسابها من تاريخ استلام الحكم أو من
تاريخ الإعلان بالحكم حسبما نصت عليه المادة (276) مرافعات، ووفقاً للمادة (111)
مرافعات فان العطلات والإجازات توقف المواعيد فلا يتم احتسابها ضمن الميعاد، اما التعديل الجديد لهذه المادة
فقد صرح بان أيام العطلات لايتم احتسابها اذا تخللت الاجازة الميعاد على أن يتم
احتسابها اذا صادفت في نهاية الميعاد فيمتد إلى أول يوم عمل، وطالما ان قانون
التحكيم لم ينظم هذه المسائل، واحال ميعاد تقديم دعوى البطلان إلى قانون المرافعات
فان القواعد العامة المقررة في قانون المرافعات لاحتساب ميعاد الاستئناف تكون
سارية بالنسبة لاحتساب ميعاد تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم.
الوجه الثاني : جواز قبول دعوى التحكيم بعد انقضاء ميعاد قبولها لأسباب قهرية:
اجازت
المادة (54) تحكيم قبول دعوى التحكيم بعد انقضاء الميعاد المقرر لقبولها(60)
يوما متى كانت هناك أسباب قهرية حالت دون قيام المحكوم عليه بتحكم التحكيم من رفع
دعوى البطلان في الميعاد المقرر السابق ذكره
حيث نصت المادة (54) تحكيم على أنه (ويجوز للمحكمة ان تقبل رفع الدعوى بعد
انقضاء الميعاد المحدد اذا كان التأخير ناتجاً عن أسباب قهرية شريطة ان يقوم
الطالب برفع الدعوى في أقرب وقت بعد زوال هذه الأسباب) والأسباب أو الاعذار
القهرية أو الطارئة هي الوقائع التي تحول دون قيام المدعي بالبطلان من تقديم دعواه
في الميعاد المقرر قانوناً ويستوى ان تكون هذه الأسباب خاصة بالمدعي بالبطلان
كالمرض الشديد أو السجن أو الاعتقال أو تكون عامة كجائحة كورونا أو الزلازل أو
الفيضانات وغيرها، وحتى لا تكون هذه الأسباب وليجة للمدعي بالبطلان لإطالة إجراءات
دعوى بطلان حكم التحكيم فينبغي على المدعي بوجود هذه الأسباب القهرية أن يثبت
وقوعها وانها حالت دون قيامه بتقديم دعوى البطلان في الميعاد المقرر لها، وبناءً
على ذلك فان المحكمة لا تقبل دعوى البطلان في هذه الحالة إلا اذا اثبت المدعي وجود
أو وقوع الأسباب القهرية التي منعته من تقديم الدعوى في ميعادها، ومن المعلوم ان
الأسباب القهرية لا يترتب عليها وقف ميعاد الاستئناف، وعلى هذا الأساس فان دعوى
بطلان حكم التحكيم تختلف عن الطعن بالاستئناف، فالأسباب القهرية لها تأثير على
ميعاد تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم بخلاف الطعن بالاستئناف الذي لا تؤثر على
ميعاده الأسباب القهرية أو الظروف الطارئة، ولا ريب ان جعل الأسباب القهرية عذراً
لتقديم دعوى البطلان بعد انقضاء ميعاد تقديمها يرجع الطبيعة الخاصة للتحكيم الذي
يقوم على قاعدة الرضائية بخلاف القضاء الذي يقوم على الجبر والإلزام، وهناك من
يذهب الى ان جواز تقديم دعوى البطلان بعد الميعاد المقرر بسبب العذر القهري يسهم
في اطالة اجراءات دعوى بطلان حكم التحكيم وان ذلك يتنافى مع الغاية التي ابتغاها
المشرع من التحكيم وهي سرعة الفصل في الخصومات، والله اعلم.