إنفساخ التصرف في الأرض الموات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يقرر قانون أراضي
وعقارات الدولة ان الأرض الموات من ضمن
اراضي وعقارات الدولة لضمان الانتفاع
المشترك بها لعموم المواطنين كالرعي والاحتطاب فيها وتبعاً لذلك فان أي تصرف فيها
باطل لانه صادر من غير المالك، وهذا ما قضى به الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر
عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/8/2015م في
الطعن رقم (56801) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصاً قام ببيع
أرض موات (بيضاء) لشخص اخر فتقدمت هيئة الأراضي الى المحكمة الابتدائية طالبة
إبطال التصرف لان الأرض صحراوية بموجب القانون فهي من أراضي الدولة، وقد توصلت
المحكمة الابتدائية إلى الحكم بان الأرض محل النزاع من أراضي الدولة فقام الشخص
الذي كان قد قام بالتصرف بالأرض قام باستئناف الحكم الابتدائي حيث قبلت الشعبة
المدنية الاستئناف وقضت بصحة ملكية المستأنف للأرض فلم تقبل هيئة الأراضي بالحكم
الاستئنافي حيث قامت بالطعن بالنقض فيه فقبلت الدائرة الشخصية الطعن ونقضت الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم الاستئنافي
المطعون فيه لم يكن موافقاً من حيث
النتيجة للشرع والقانون وحيث ان الطاعنة الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط
العمراني تدعي امتلاكها للأرض بقوة القانون بإعتبار الأرض مواتاً صحراوية وان
النزاع ثار في ظل سريان القانون رقم (21) لسنة 1995 بشأن أراضي وعقارات الدولة وهي
الجهة صاحبة الولاية والاختصاص في التصرف في الأرض وحيث ان المطعون ضده المتصرف
بالأرض لم يثبت عليها ولم ينتفع بها منذ عام 1405هـ لذلك فان العقد الذي يتمسك به
منسوخ من تلقاء نفسه عملاً بنص المادة (43) من قانون أراضي الدولة بإعتباره
القانون الواجب التطبيق) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : ماهية الأرض الموات وتوصيتنا للجهة المختصة :
تعرف المادة (1242)
مدني الأرض الموات بانها (التي لم يملكها احد ولا تحجرها احد ولا تعلق بها حق عام
أو خاص طبقاً لما هو منصوص عليه في هذا القانون وقانون المراهق والمرافق العامة
والخاصة) فمن خلال استقراء هذا النص نجد أنه قد اوجب العمل فيما يتعلق بالحقوق
التي ترد على الأرض بقانون المراهق العامة وهو قانون أراضي وعقارات الدولة الذي نص
في المادة (6) على ان (يعد من أراضي وعقارات الدولة الخاضعة لأحكام هذا القانون ما
يلي : -د- الأراضي البور والاحراش والغابات مالم يتعلق بها ملك ثابت لاحد - هـ-
الأراضي الصحراوية مالم يتعلق بها ملك ثابت لأحد) فالأراضي البور المذكورة في
الفقرة (د) هي الأراضي غير الزراعية أي تلك التي لم تتم زراعتها بعد، والأرض
الصحراوية المشار اليها في الفقرة (هـ) هي أراضي غير زراعية، والمقصود بعبارة
(مالم يتعلق بها ملك ثابت لأحد) المقصود بها الأراضي التي كانت زراعية أصلاً الا
ان ملاكها تركوا زراعتها في العصر الحديث فتحولت من اراضي زراعية إلى أراضي بور أو صحراوية، والامانة العلمية
تقتضي القول بأنه يجب تحديد مدة زمنية محددة في القانون لوقت تحول الأرض من زراعية
إلى بور كأن تضاف إلى النص عبارة (عدا الأراضي التي ترك ملاكها زراعتها لأكثر من
مدة كذا) لان الواقع العملي يشهد بان هناك اشخاص عدة يدعون أمام المحاكم وغيرها
بان الأراضي البور والصحراوية قد صارت ارثاً لهم من اسلافهم في الزمن الغابر بدءاً
من اجدادهم في عصر دولة سبا وحمير وحتى قبل اربعمائة سنة، فنص قانون هيئة الأراضي
بصيغته الحالية يغري الطامعين بالاستيلاء على الأراضي البور والصحراوية بحجة أنها كانت اراضي زراعية يزرعها
اجدادهم في الزمن القديم حسبما سبق بيانه.
الوجه الثاني : انفساخ التصرف في الأراضي البور والصحراوية والمراهق العامة :
قضى الحكم محل
تعليقنا بفسخ أي تصرف في الأراضي الموات أو الأراضي الصحراوية، والسند الشرعي
والقانوني للحكم هو انه يشترط في المتصرف ان يكون مالكاً لما يتصرف به، وحيث ان
الشرع والقانون يقضي بان الأراضي البور أو الصحراوية من املاك الدولة فان التصرفات
الصادرة عن المواطنين في الأراضي البور أو الصحراوية منفسخة سواءً كان التصرف بالبيع أو التأجير أو
الاحياء، أو غيرها من التصرفات، غير انه من المتفق عليه جواز الانتفاع المشترك
لعموم المواطنين بالأراضي البور أو
الصحراوية كالانتفاع بها بالرعي والاحتطاب وجلب الحجارة منها شريطة ان لا يترتب
على الانتفاع تخريب تلك الأراضي او منع الغير من الانتفاع بها.
الوجه الثالث : التصرف في الأراضي البور والصحراوية بين الإبطال والفسخ والانفساخ :
من لطائف الحكم محل
تعليقنا انه قد قضى ان عقد بيع الأرض الصحراوية مفسوخ، فأستعمال الحكم لمصطلح
(الفسخ) دقيق، لان الفسخ يعني نقض العقد من أصله لاختلال العقد عند نشأته، وهناك
ثمرة لاستعمال مصطلح (الفسخ) الذي يعني ان
العقد المفسوخ أصلاً لا يتحصن بالاجازة او بمضي المدة، ومن وجهة نظرنا فان
مصطلح (الانفساخ) انسب لانه يعني ان التصرف ينفسخ بحكم القانون من غير حاجة إلى أي
اجراء، لان القانون يمنع ويجرم التصرف في اراضي الدولة ومنها الاراضي البور
والصحراوية، والله اعلم.