انتهاء الوكالة بموت الوكيل
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
للموت اثار شرعية وقانونية كما ان للوكالة خصوصيتها من بين سائر
العقود والتصرفات، لكن من المقرر ان الموت ينهي الوكالة وبانتهاء الوكالة بالموت
تترتب اثار تحتاج إلى التوعية بها ولفت الأنظار إليها؛ ومن هذا المنطلق اخترنا
التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 20/12/2011م في الطعن المدني رقم (43636) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم ان شخصاً قام بتوكيل قريبه وذلك ببيع ارض يملكها فقام
الوكيل ببيع تلك الأرض الى احد الأشخاص
الذي شرع بالحفر والبناء على الأرض فقام الوكيل بمنعه وإزالة ما أحدثه
المشتري في الأرض وانكر انه قام ببيع
الارض الى ذلك الشخص فحصل الخلاف بين
الطرفين فقاما بتحكيم هيئة محكمين للفصل في النزاع، وقد سارت هيئة التحكيم في
إجراءاتها حتى انتهت الى الحكم بصحة عقد البيع الصادر من الوكيل المدعى عليه
للمشتري المدعي لكامل مساحة الارض وانه
يجب على المدعى عليه الامتناع عن التعرض للمشتري المدعي لان وثيقة البيع فيما بين
المشتري والوكيل صحيحة تمت لدى الأمين الشرعي المختص وبحضور شهود وان البيع تم
بموجب الوكالة الصادرة للوكيل ببيع الارض، فلم يقبل الوكيل بحكم التحكيم فتقدم
بدعوى بطلان حكم التحكيم امام محكمة الاستئناف؛ وفي اثناء نظر محكمة الاستئناف
لدعوى البطلان مات الوكيل مدع البطلان وبعدها قام ورثته بالتنازل عن دعوى البطلان
فحكمت محكمة الاستئناف بصحة تنازل ورثة الوكيل واعتبار حكم التحكيم نهائياً وإنابة
المحكمة المختصة بتنفيذه، وعندئذ قام ورثة الوكيل بالطعن بالنقض في الحكم
الاستئنافي الا ان الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( ومن حيث الموضوع فان الدائرة بعد الرجوع الى
الأوراق تبين لها ان الطعن صدر من ورثة الوكيل الذي سبق لهم ان تقدموا الى محكمة
الاستئناف بطلب تضمن عدم صفتهم لان والدهم كان وكيلاً وقد انتهت وكالته بموته؛
وعليه: فطعنهم يعتبر من غير ذي صفة فلا مجال لقبوله الامر الذي يتعين معه رفض
الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية عقد الوكالة :
لأجل معرفة انتهاء عقد الوكالة بموت الوكيل فان الامر يقتضي الإشارة
بإيجاز بالغ الى ماهية عقد الوكالة وخصائصه، فنقول ان المقصود في هذا التعليق هو
عقد الوكالة المدني لان عقد الوكالة التي تناوله الحكم محل تعليقنا كان توكيلاً
مدنياً يبيع ارض فليست الوكالة وكالة تجارية، وبناءً على ذلك فان المرجع في تنظيم
عقد الوكالة في هذا الشأن هو القانون المدني، فعقد الوكالة هو عقد نيابة حيث يقيم
الشخص غيره مقام نفسه ؛وقد عرف القانون المدني الوكالة في المادة (905) التي نصت
على ان (الوكالة هي إقامة الغير مقام النفس حال الحياة في تصرف معلوم جائز شرعاً
فيما يصح للأصيل حق مباشرته بنفسه) والوكالة للشخص ببيع ارض تعد من قبيل الوكالة الخاصة
حسبما قرر القانون المدني في (913) التي نصت على ان ( الوكالة الخاصة لابد فيها من
النص على العمل كالبيع والرهن) ولذلك ينبغي ان تتضمن الوكالة لشخص بالبيع النص على
انه يحق للوكيل ان يقوم بالبيع وان تتضمن الوكالة الشيء الذي يحق للوكيل بيعه
فينبغي ان يتم وصف هذا الشيء وصفاً نافياً للجهالة، لان الوكالة المجهولة لا تصح
حسبما قررت المادة (911) مدني ، والوكالة بالبيع من الوكالات التي يكون فيها
الاعتبار الشخصي ظاهر حيث أن الأصيل لا يثق بوكيله لبيع عقاره الا اذا كانت للأصيل
مع الوكيل معرفة وعلاقة وتجارب سابقة قد تأكد له من خلال ذلك أمانة ونزاهة الوكيل وخبرته ومهارته وقدرته على
اتمام عملية البيع.
الوجه الثاني : الآثار المترتبة على قيام الوكيل ببيع الأرض :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان الوكيل وورثته من بعده
حاولوا التملص من اثار بيع الوكيل للعقار الذي قام المالك الأصيل بتوكيله ببيعه
توكيلاً صحيحاً وهذا يقتضي الاشارة بإيجاز إلى الاثار المترتبة على قيام الوكيل
ببيع الأرض نيابة عن مالكها بموجب الوكالة الخاصة، فمن خلال مطالعة الحكم نجد ان
التوكيل الذي تم البيع بموجبه كان توكيلا
خاصا صحيحاً ً بالبيع وتضمن اسم الأرض المطلوب بيعها ومساحتها وحدودها،
ولذلك فان البيع صحيح ملزم للمالك وللوكيل بموجب الوكالة الخاصة وتترتب عليه كافة
الاثار الشرعية والقانونية للبيع باعتبار ان الوكيل قد قام بالبيع فكان مقامه في
ذلك مقام المالك الأصيل كما لو ان المالك نفسه هو الذي قام بالبيع، لان الوكيل
حينما يقوم بالبيع فانه يقوم بذلك مضيفاً البيع الى المالك.
الوجه الثالث : انتهاء الوكالة بموت الوكيل :
ذكرنا فيما سبق ان الاعتبار الشخصي في الوكالة ببيع عقار او غيره يكون
هذا الاعتبار هو الغالب، كما ان عملية البيع هي عبارة عن اعمال وإجراءات يقوم بها
الوكيل بشخصه. فشخصية الوكيل محل اعتبار
في الوكالة ولذلك فان الوكالة تنتهي بموت الوكيل حيث نصت المادة (931) مدني على ان
( تنتهي الوكالة في الأحوال الأتية : -5- اذا مات الوكيل او زالت أهليته) وانتهاء
الوكالة بموت الوكيل لا يمس التصرفات السابقة التي قام بها الوكيل قبل موته حيث
تكون نافذة تترتب عليها كافة الاثار القانونية سواء بالنسبة للوكيل وخلفه اوالمالك
وخلفه اوالمشتري الوكيل، وبتطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم نجد
ان بيع الأرض الذي قام به الوكيل نيابة عن مالكها صحيح ناقل لملكية الارض الى
المشتري وملزم لخلفه وبناءً على ذلك لا يفيد الوكيل ولا خلفه التحلل من عملية
البيع أو نقضها ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بصحة ذلك البيع ولزومه.
الوجه الرابع : تنازل ورثة الوكيل عن دعوى البطلان :
من خلال المطالعة للحكم وجدنا ان ورثة الوكيل قد حضروا امام محكمة
الاستئناف بعد وفاة والدهم الوكيل حيث صرحوا بانهم قد تنازلوا عن دعوى البطلان
التي سبق لأبيهم تقديمها أمام محكمة الاستئناف، فتنازلهم هذا صحيح لانهم يرثوا
دعوى البطلان التي رفعها ابوهم طبقاً
لقانون المرافعات عملاً بمبدأ الخلافة في الإجراءات التي نظمها قانون المرافعات
حيث ان تنازلهم هذا ملزم لهم فلا يجوز لهم نقضه أو العدول عنه ولذلك فقد قضت
الشعبة الاستئنافية بصحة ذلك التنازل وبصيرورة
حكم التحكيم نهائياً، علماً بانه لا بحق للوكيل او ورثته المنازعة في البيع بعد ابرام
عقد البيع طالما ان عقد البيع الذي تم ابرمه قد تم صحيحاً بموجب الوكالة
الخاصة الصحيحة، فتنازل الورثة عن دعوى البطلان امام محكمة الاستئناف يعد قبولاً
منهم بحكم التحكيم ولذلك لا يحق لهم الطعن امام المحكمة العليا لان الحكم
الاستئنافي كان مجرد اخبار بان حكم التحكيم قد صار نهائياً لقبول الورثة بالحكم
وتنازلهم عن دعوى بطلانه، والله اعلم.