اجراءات تنفيذ نقل الولايةعلى الوقف

 

اجراءات تنفيذ نقل الولايةعلى الوقف

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

هناك حالات حدده القانون لانتهاء الولاية الخاصة على الوقف كما حدد القانون حالات لسقوط ولاية المتولي على الوقف الخاص ومن هذه الحالات خيانة المتولي للوقف كبيعه لبعض المال الموقوف او مخالفة غرض الواقف وقد يتمسك متول الوقف بولايته في هذه الحالة فيحدث الخلاف ويتم رفعه  الى القضاء الذي يحكم بسقوط ولاية المتولي ونقلها الى  ولي اخر بحسب شروط الواقف، فيقتضي الامر التنفيذ الجبري بنقل الولاية ،ولاريب ان هذه الاجراءات لها اهميتها وخصوصيتها  التي تحتاج إلى الإشارة اليها في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/1/2011م في الطعن المدني رقم (40352) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ابناء عمومة اختلفوا بشأن الوقف الذي اسند الواقف ولايته إلى الارشد من ذريته حيث استطاع فريق منهم اثبات خيانة المتولي للوقف وتفريطه ،فقضت المحكمة الابتدائية بعزله واستناد الولاية للأرشد من ابناء عمه ،وقد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي ،واقرت المحكمة العليا الحكم الاستئنافي ،فصار الحكم باتاً قابلا للتنفيذ ،وقد قضى هذا الحكم في منطوقه بإلغاء كافة العقود والتصرفات التي أبرمها ناظر الوقف المحكوم عليه وإبرام العقود باسم الناظر الجديد للوقف ــ وقد تقدم الناظر الجديد المحكوم له تقدم أمام المحكمة الابتدائية (محكمة التنفيذ) تقدم بطلب تنفيذ الحكم المشار اليه واستدعاء المستأجرين والمشترين لبعض مال الوقف  لإحضار العقود السابقة المبرمة مع الناظر المعزول وتحرير عقود بديلة لها مع الناظر الجديد، فتقدم اخوة الناظر المعزول بإستشكال اثاروا في الإستشكال المسائل ذاتها التي سبق للناظر المعزول  أن اثارها في اثناء المنازعة الموضوعية ، وقد قرر قاض التنفيذ (قبول الإستشكال المقدم من بقية ورثة الواقف لعدم تعلق الورثة بالعقود المراد ابطالها ولانهم ليسوا اطرافاً في التنفيذ والنزاع ابتداء وعدم قبول طلب التنفيذ لاشتماله على طلبات تكن محلاً للتنفيذ) حسبما ورد في منطوق القرار  التنفيذي، وقد استانف  الطرفان القرارالمشار اليه، فقبلت الشعبة الاستئنافية الاستئناف المقدم من طالب التنفيذ وقضت بإلغاء قرار المحكمة الابتدائية، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (انه لا يخفى أن طلب التنفيذ المقدم من المستأنف جاء مستنداً إلى سند تنفيذي واجب النفاذ يتعين الاخذ بما جاء فيه فلا مناص من تنفيذه بحسب ما نصت عليه المادة (340) مرافعات ،فيتعين على محكمة التنفيذ الزام الناظر السابق بتسليم البصائر التي بيده المحكوم عليه بتسليمها وحصر جميع ما تضمنته وجميع ما اشتملت عليه من مواضع والزام المنتفعين المستأجرين تنفيذ ما قضى به الحكم وعدم الالتفات إلى أي طلب من شأنه عرقلة سير التنفيذ واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ الحكم وضبط كل من يحاول عرقلة التنفيذ ،كما أن القرار التنفيذي الصادر من محكمة أول درجة في قبوله للإستشكال المقدم من الغير أو من المطلوب التنفيذ ضده قد مس السند التنفيذي، فمعلوم أن منازعات التنفيذ لا تمس ما قضى به السند التنفيذي حسبما هو منصوص عليه في المادة (498) مرافعات كما أنه بالرجوع إلى الحكم سند التنفيذ نجد أنه قد قضى في الجانب المدني بحجز المال محل النزاع ومنع الناظر السابق من التصرف مع الزامه بإعادة  وثائق مال الوقف وإبطال أي عقد بيع صدر منه لمال الوقف مع رفع يده، فكان ينبغي على محكمة اول درجة التنفيذ على عين ماحكم به الحكم سند التنفيذ وضبط المطلوب التنفيذ ضده واتخاذ الوسائل اللازمة للتنفيذ طبقاً لما نصت عليه المواد (357 و 358 و 359) مرافعات ، فلم يقبل اخوةالناظر السابق  لم يقبلوا بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (أنه من خلال الرجوع إلى أوراق القضية فقد وجدت الدائرة أن ما ذهبت اليه الشعبة المدنية موافق لاحكام القانون ،فالحكم التنفيذي الصادر من محكمة أول درجة لم يتقيد بالإجراءات القانونية المنصوص عليها في المادتين (314 و 323) من قانون المرافعات فلم تتقيد بالإجراءات القانونية وخالفتها حيث قبلت إستشكالات من غير ذي صفة بالمخالفة لأحكام القانون ،لذلك فقد كان الحكم الاستئنافي محقاً عندما قضى بإلغاء القرار التنفيذي الصادر من المحكمة الابتدائية والزامها بالسير في إجراءات التنفيذ طبقاً للحكم السند التنفيذي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : التنفيذ في مواجهة المنفذ ضده الناظر السابق للوقف :

من خلال المطالعة لوقائع الحكم محل تعليقنا نجد أنه قد اشار الى أن الحكم سند التنفيذ كان عبارة عن حكم تضمن جانب جزائي وجانب مدني حيث قام فريق  من ذرية الواقف بتقديم شكوى إلى النيابة العامة ذكروا فيها أن الناظر قام بالتصرف في اراضي الوقف الخاص بجدهم المشترك ،ولذلك فانه لم يعد مؤتمناً على الولاية على الوقف ثم تقدموا بدعوى مدنية تبعية طلبوا فيها نقل الولاية من ناظر الوقف ومنعه  من التصرف في أموال الوقف وإبطال تصرفاته السابقة، وبعد أن سارت المحكمة في إجراءات نظر القضية الموضوعية توصلت إلى ادانة الناظر ومنعه من التصرف ونقل الولاية منه الى ابن عمه المختار من قبل ذرية الواقف  وإبطال تصرفاته في أراضي الوقف وإلزام المتصرف اليهم بإعادة الاوراق والعقود وكذا الزام ناظر الوقف بتسليم مستندات الوقف التي لديه الى المتولي االجديد المختار ، وبناءً عليه فقد اخطأت محكمة أول درجة حينما لم تباشر إجراءات التنفيذ على الناظر السابق للوقف لإلزامه بتسليم وثائق الوقف التي بعهدته حسبما ورد في منطوق الحكم سند التنفيذ، لان الناظر السابق هو المنفذ ضده وأنه الطرف السلبي الذي ينبغي حمله على التنفيذ وإجباره لانه قد سبق له أن ماطل وامتنع عن التنفيذ، حيث ينبغي على محكمة التنفيذ ان تستعمل وسائل التنفيذ الجبري لحمل متولي الوقف اوالناظر السابق على تسليم المستندات المشار اليها

الوجه الثاني : التنفيذ في مواجهة المشترين للوقف والمستأجرين المنتفعين

قضى الحكم سند التنفيذ في منطوقه بابطال التصرفات الصادرة من ناظر الوقف السابق التي كانت سبباً في إدانته بخيانة الأمانة وعزله من النظارة، حيث قضى الحكم سند التنفيذ بإلزام المشترين والمستأجرين من الناظر السابق للوقف بإحضار العقود والبصائر التي بعهدتهم والتي قضى الحكم سند التنفيذ ببطلانها وإحضارها إلى محكمة التنفيذ لإبطالها باعتبارهم خلفاً خاصاً للناظر الذي تصرف في الأرض  اليهم وكذا باعتبارهم الحائزين للاراضي أو الحائزين للمال الذي تصرف فيه الناظر السابق عملاً بالمادة (345) مرافعات.

الوجه الثالث : الإستشكال المقدم من الغير الذي عطل إجراءات التنفيذ :

اخوة الناظر السابق كانوا من الغير حسب القانون بالنسبة للقضية الموضوعية التي صدر فيها الحكم سند التنفيذ وكذا بالنسبة للمنازعة التنفيذية حيث كان أخوهم الناظر هو الخصم فقط، ولكن عند شروع المحكمة الابتدائية محكمة التنفيذ بإجراءات التنفيذ في مواجهة المحكوم عليه أو الحائزين للعقارات تقدم إخوة الناظر بإستشكال على أساس أن الحكم سند التنفيذ قد شمل في منطوقه بعض أراضي الوقف التي بيدهم، ومع ذلك فقد قبل القرار التنفيذي الابتدائي ذلك الإستشكال وحكم لصالح اولئك المستشكلين مع أنهم من الغير حسبما قرر الحكم محل تعليقنا، فاذا كان الحكم سند التنفيذ قد مس حقوقهم مع أنهم ليسوا اطرافاً في الحكم فان القانون  قد حدد الطرق القانونية الواجب عليها اتباعها  كالتماس اعادة النظر ودعوى الاستحقاق.

الوجه الرابع : الإستشكالات الكيدية وما في حكمها ودورها في تعويق وتعطيل إجراءات تنفيذ الاحكام وتوصيتنا لوزارة العدل :

تنفيذ الأحكام هو ثمرة العمل القضائي وثمرة العدالة في آن واحد، إلا أن هذه الثمرة بعيدة المنال في اليمن بسبب الاستشكالات أو المنازعات التنفيذية الكبدية  التي يختلقها المطلوب التنفيذ ضدهم والتي جرت العادة السيئة في اليمن بأن تتدرج المنازعة التنفبذية في درجات التقاضي كلها حتى تصل إلى المحكمة العليا مثلما حصل في القضية التي تناولها هذا الحكم، ولا ريب أن إطالة إجراءات التنفيذ أقبح من إطالة إجراءات التقاضي، ويكون في الغالب الباعث على تقديم الاستشكالات هو الكيد بالخصم المحكوم له إلا أنه في بعض الاحيان يرجع تقديم الاستشكالات إلى عدم الفهم بطبيعة المنازعة التنفيذية واطرافها لا سيما اطراف خصومة التنفيذ وبالضبط الاشخاص الذين تباشر إجراءات التنفيذ في مواجهتهم ونطاق الخصومة أو المنازعة التنفيذية ولذلك نوصي وزارة العدل : بان تقوم بإعداد دورات تدريب للقضاة في منازعات التنفيذ واطرافها ونطاقها ،كما نوصي المحكمة العليا بإعداد تعميم مختصر يتضمن التعريف بالمنازعة التنفيذية ونطاقها والاطراف التي تباشر إجراءات التنفيذية في  مواجهتها وتلافي الاخطاء التي يتكرر حدوثها في إجراءات التنفيذ.

الوجه الخامس : التنفيذ بالزام المحكوم عليهم بتسليم الوثائق ذات الصلة بالأرض محل النزاع :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد أقر الحكم الاستئنافي الذي قضى بوجوب قيام محكمة أول درجة بتنفيذ الحكم سند التنفيذ الذي قضى بإلزام المحكوم عليه (الناظر السابق للوقف) بتسليم مستندات الأرض الموقوفة للناظر الجديد المختار من ذرية الواقف بحسب الوقفية لان هذه المستندات هي الدالة على أن الأرض موقوفة من الجد الأول للذرية المتنازعين وهي التي تبين  مساحاتها وحدودها والإجارات التي تدل على المستأجرين المتعاقبين عليها وسندات القبض لغلاتها، لان هذه المستندات لازمة لقيام الناظر الجديد بولايته على الأراضي الموقوفة وكذا فان الغرض من ذلك هو الحيلولة دون قيام الناظر السابق بالتصرف في أراضي الوقف مثلما فعل في السابق ،لان التصرف يتم بموجب تلك الوثائق وكان الحكم سند التنفيذ قد حدد اسماء الاراضي الموقوفة كل موضع على حدة حيث ينبغي عند التنفيذ أن يحدد طالب التنفيذ الناظر الجديد اسماء المستندات المطلوب التنفيذ عليها والزام الناظر القديم بتسليمها، وقد حدد قانون المرافعات وسائل التنفيذ الجبري اللازمة  لحمل  المطلوب التنفيذ ضده على تسليم تلك المستندات بما فيها الحبس، كما قضى الحكم محل تعليقنا بانه يجب على محكمة التنفيذ المضي في إجراءات التنفيذ في مواجهة الحائزين لاراضي الاوقاف وهم المشترون لاراضي الوقف من الناظر السابق الذين قضى الحكم سند التنفيذ بإلزامهم بتسليم مستندات شرائهم لاراضي الوقف ،لان الحكم قد قضى ببطلانها حتى يتم التأشير عليها بما يفيد إبطالها بموجب الحكم سند التنفيذ حتى لا يتمسك بها المشترون لاحقاً أو يتصرفون بموجبها بالارض التي ابطل الحكم التصرف فيها، كما قضى الحكم محل تعليقنا بالزام المستأجرين والمنتفعين بالأرض بالتعاقد مع الناظر الجديد لتصحيح العقود الذي قضى الحكم سند التنفيذ ببطلانها، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه يجب على محكمة التنفيذ استعمال وسائل التنفيذ المقررة في القانون لحمل هؤلاء على تصحيح العقود التي قضى الحكم السند التنفيذي ببطلانها، والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717