إشكالية مدة الوكالة بإجراء التصرفات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الوكالة من التصرفات القريبة من الارادة المنفردة حيث ينفرد الوكيل بإصدار الوكالة لغيره بإجراء بعض التصرفات كبيع عقار أو تأجيره أو تزويج بنت...الخ،وتمم اجراءات تحرير الوكالة وتوثيقها من غير حضور أو مثول الوكيل أمام الأمين الشرعي أو قلم التوثيق، وفي الوقت ذاته فان الموكل يستطيع إلغاء الوكالة أو عزل الوكيل او تعيين وكيل آخر بدلا عن الوكيل السابق من غير عزله الوكيل السابق، ويترتب على هذا الوضع إشكاليات لا حصر لها، لذلك نجد انه من المناسب الإشارة إلى هذه الإشكالية بمناسبة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/11/2018م في الطعن رقم (59795) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان أحد الورثة كان وكيلا عن بقية الورثة قام بموجب وثيقة الوكالة ببيع جزء من أرض زراعية مملوكة الغير وظلت الأرض في حيازة الورثة الذين حرروا وثيقة إجارة للمشتري، وبعد مدة رفض الورثة دفع الغلة إلى المشتري فاختلف الطرفان حيث قام المشتري برفع دعوى امام المحكمة الابتدائية مطالبا الزام الورثة بسداد الغلول السابقة وإطلاق الأرض من ايديهم فدفع الورثة المدعى عليهم بالتقادم وانهم ثابتون وحائزون لمدة تزيد على ثلاثين سنة وان الوكالة التي تم البيع بموجبها قديمة جدا لأن الفارق فيما بين تاريخ تحرير الوكالة وتاريخ قيام الوكيل بالبيت يريد على 17سنةً حيث كان جوهر النزاع واساسه هو مدة الوكالة حيث ذكر الورثة ان الوكالة الصادرة للوكيل قد كانت قبل 17 عاماً ولذلك فهي باطلة ومنتهية الصلاحية في حين كان يذهب المشتري المدعي إلى ان القانون المدني لا يحدد مدة معينة للوكالة،وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بقبول الدفع التقادم وقدم الوكالة،فقام المشتري باستئناف الحكم، حيث قضت الشعبة المدنية بقبول الاستئناف وصحة البيع الصادر من الوكيل بموجب تلك الوكالة،فلم يقبل الورثة بالحكم فقاموا بالطعن فيه بالنقض، غير ان الدائرة المدنية قررت رفض الطعن واقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين ان مناعي الطاعنين مردودة بما عللت به الشعبة وفندت أسباب الحكم الابتدائيً بشان الفارق بين تاريخ وكالة الوكيل بالبيع وبين بصيرة البيع (17) سنة حيث ورد في اسباب الحكم الاستئنافي المطعون فيه ان المادة (17) إثبات والمادة (1118) مدني قد استثنتا الميراث والوقف والشركة من مدة الحيازة ففي هذه الحالات لايجوز للحائز التمسك بالثبوت وكذا في حالة الإجارة لأن الطاعنين قد حرروا إجارة المطعون ضده ولذلك فلا محل للدفع بعدم سماع الدعوى لمضي المدة، وكذا ناقش الحكم الاستئنافي مناعي الطاعنين بإنتهاء مدة الوكالة واستند الحكم إلى المادة (931) مدني التي بينت الحالات التي تنتهي فيها الوكالة وهي (إنتهاء العمل الموكل فيه وانتهاء الاجل المحدد للوكالة واذا تصرف الموكل في الشيء الموكل فيه واذا مات الموكل او زالت اهليته) فجميع تلك الحالات غير متوفرة فتعتبر وكالة الوكيل سارية إضافة إلى ان البيع للمطعون ضده قد تم تعطيله في أصول البائعين في حين اكتفى الطاعنون بالحيازة والثبوت التي يدحضها مستند الاجازة من مورثهم ومنهم للبائع) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : مدة الوكالة لاجراء التصرفات في القانون المدني :
نظم القانون المدني أحكام الوكالة غير انه لم يحدد اجلاً لها وترك تحديد مدة الوكالة لإرادة الموكل، وكذا اجاز القانون للموكل ان ينهي الوكالة في أي وقت يشاء من غير حاجة لرضا أو موافقة الوكيل حسبما ورد في المادة (932) مدني، وبموجب ذلك فان الوكالة تظل سارية حتى يقوم الوكيل بعزل الوكيل حيث حددت المادة (931) مدني حالات انتهاء الوكالة وليس من بينها مدة معينة حددها القانون وإنما المدة المعتبرة هي التي قد يحددها الموكل في وثيقة الوكالة، وفي هذا الشأن نصت المادة (931) مدني على ان (تنتهي الوكالة في الأحوال الاتية : -1- اذا تم العمل الموكل فيه -2- اذا انتهى الاجل المحدد للوكالة -3- اذا تصرف الموكل في الشيء الموكل فيه -4- اذا مات الوكيل او زالت اهليته -5- جحد الموكل للوكالة عزل للوكيل في حينه -6- اذا نزل الوكيل عن الوكالة واعتزلها) وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد استند إلى هذا النص في الحكم بصحة البيع الصادر من الوكيل نيابة عن الورثة مع ان الوكالة قد صدرت قبل 17 سنة لان وثيقة الوكالة لم يذكر فيها الموكلون مدة معينة أو اجل معين وإنما كانت مدة الوكالة مطلقة إضافة إلى ان الموكلون لم يجحدوا الوكالة او ينكرونها كما انهم لم يقوموا بعزل الوكيل.
الوجه الثاني : مدة الوكالة في قانون السجل العقاري :
قانون السجل العقاري يهتم بتنظيم شئون العقارات وتداولها وانتقالها والإجراءات اللازمة لذلك، وفي هذا السبيل فقد حدد هذا القانون مدة خمس سنوات للوكالة المطلوبة للقيام بإجراءات التسجيل العقاري نيابة عن الاصيل حيث نصت المادة (25) من قانون السجل العقاري على ان (يجوز ان ينوب عن صاحب التصرف وكيله الحامل لوكالة رسمية خاصة مستوفاة للشروط القانونية على ان لا يكون قد مضى على تاريخ تحرير الوكالة أكثر من خمس سنوات مالم يكن قد تم تجديدها وينوب عن القاصر وفاقد الأهلية وليه او وصيه الشرعي بالمستندات التي تؤهله لذلك ويذكر في عقد التصرف سبب انعدام الأهلية او فقدانها) ومن خلال استقراء هذا النص نجد انه خاص بتمثيل مالك العقار او الاصيل في متابعة إجراءات التسجيل العقاري.
الوجه الثالث : إشكالية مدة الوكالة في الواقع وتوصيتنا :
تظهر هذه الإشكالية في ان بعض الوكلاء يباشرون التصرفات العقارية وغيرها بموجب وكالات قديمة لا يستطيع الأمين الشرعي أو غيره التحقق مما اذا كانت لازالت سارية أم لا أو التحقق مما اذا كان الموكل لم يعزل الوكيل او يلغي الوكالة، حتى لو تم عزل الوكيل او الغاء وكالته فان ذلك يتم في حالات كثيرة من غير ان يتم إعلان أو إعلام الوكيل، وبالطبع فان للأمين الشرعي او قلم التوثيق لا يستطيع التاكد من مدى سريان الوكالة من عدمه إضافة إلى ان تحرير الوكالات أو وثائق عزل الوكلاء لا تتم لدى الأمين الشرعي أو قلم التوثيق المختص مكانيا حيث يتم ذلك في أي قلم أو لدى أي أمين شرعي، ولذلك فان اغلب النزاعات والخلافات العقارية ترجع إلى قيام الوكيل بإبرام التصرفات بموجب وكالة قديمة يكون الموكل قد عدل عنها أو لم يعد موافقاً عليها بل ان هناك قضايا كان الوكيل قد ابرم تصرفات عقارية والقضية فيما بينه وبين أبيه الموكل له منظورة في المحكمة، ولذلك فاننا نوصي الأمناء الشرعيين والموثقين بعدم الركون على وكالات قديمة يكون قد مضى عليها تاريخ تحريرها اكثر من ثلاثة اشهر فهذه المدة هي المتبعة لدى المكاتب الاستشارية الوطنية ذات الخبرة لأن المدة الأكثر من تلك المدة تتغير فيها ارادة الموكل وعلاقته بالوكيل، كما اننا نوصي بالالتزام بالنطاق المكاني للأمناء والمورثين عند تحرير وثائق الوكالات أو وثائق عزل الوكلاء حيث يكون الاختصاص المكاني للأمين الشرعي وقلم التوثيق هو المكان الذي يقيم في نطاق اختصاصه المكاني الموكل، لان الوكالة تكون في حكم الإقرار الصادر من الوكيل، كما نوصي بوجوب تحقق الأمين والموثق من إعلان الوكيل السابق في حالة عزله لان القانون المدني قد اشترط ان يكون عزل الوكيل في مواجهته ولذلك يجب اعلانه بالعزل، والله اعلم.
الاسعدي للطباعة : 772877717