الدفع بالصلح يوقف التنفيذ
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
بعد صدور الحكم السند
التنفيذي تحدث عوارض منها الصلح فيما بين المحكوم له والمحكوم عليه طالب التنفيذ
والمطلوب التنفيذ ضده، وتثير هذه المسألة بعض الإشكاليات التي تحتاج إلى الاشارة
اليها في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/3/2011م في
الطعن المدني رقم (41153) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم
أن طالب التنفيذ قام أمام محكمة أول درجة بطلب تنفيذ الحكم البات الذي قضى في
الفقرة (خامسًا) بالزام هيئة أراضي وعقارات الدولة بتوفير شقة سكن لطالب التنفيذ
ودفع تكاليف الايجار ، وقد قررت محكمة أول درجة قبول الطلب والزام هيئة الأراضي
بتوفير شقة لسكن طالب التنفيذ خلال شهر من تاريخ صدور القرار، وقد ورد في أسباب
القرار التنفيذي الصادر من محكمة أول درجة أنه (بعد إطلاع المحكمة على طلب التنفيذ
وعلى الحكم سند التنفيذ الذي قضى بالزام
هيئة أراضي الدولة بتعويض طالب التنفيذ سكن اخر مماثل بديلاً للشقة المصروفة له من
الدولة والتي ظهر مالكها واستعادها لانها ملكه قبل التاميم، ولما كان الحكم سند
التنفيذ مشمولاً بالنفاذ المعجل وسنداً تنفيذيا، وحيث أنه من الممكن تنفيذ هذا
الحكم، وحيث قد تم اتخاذ الإجراءات التمهيدية للتنفيذ في مواجهة المطلوب التنفيذ
ضدها ولم تمتثل) فلم تقبل هيئة الأرضي بهذا الحكم فقامت باستئناف القرار التنفيذي
الصادر من محكمة التنفيذ حيث دفعت أمام محكمة الاستئناف بانها قد تصالحت مع طالب
التنفيذ على أن تقوم بتعويضه عن الشقة المشار اليها بقطعة أرض ورد طالب التنفيذ
على ذلك بقوله : أن الهيئة لم تنفذ ما ورد في الصلح، وقد توصلت محكمة الاستئناف
إلى الحكم بقبول الاستئناف والغاء قرار المحكمة الابتدائية، وقد ورد في أسباب حكم
المحكمة العليا (وبعد الرجوع والدراسة والاطلاع على الأوراق ظهر أن اسباب الطعن لا
تأثير لها في الحكم المطعون فيه الذي قام على تأكيد واقعة الصلح وأن الدفع بالصلح
وثبوت صحته يوقف إجراءات التنفيذ في أي حالة كانت عليها، ونظراً لسلامة وصحة الحكم
المطعون فيه ولموافقته للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو
مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الصلح الملغي للحكم والصلح التنفيذي :
اشار الحكم محل
تعليقنا إلى أن الصلح على قطعة الأرض بديلاً عن الشقة المحكوم بها ،قد الغى
الأحكام التي كانت قد الزمت هيئة الأراضي بتوفير شقة ودفع إيجارات لطالب التنفيذ،
وهذا الاجتهاد سديد لان الصلح في هذه الحالة قد تضمن الاتفاق بين طالب التنفيذ
وهيئة الأراضي على تعديل الشى المحكوم به
من توفير شقة إلى توفير قطعة أرض، على أن الالغاء في هذه الحالة قاصر على
الشيء المحكوم به، فلا يتعدى إلى الغاء الحكم كاملاً، لان الحكم سند الصلح وعماده،
وعلى هذا المعنى فأن بنود الصلح المتعارضة مع ما ورد في الحكم تكون ناسخة وملغية لما تعارض معها من الحكم، ويتأسس
هذا الاجتهاد على إرادة اطراف الحكم التي يتم الافصاح عنها في عقد الصلح وكذا في
أن حق التقاضي حق للخصوم اطراف الحكم وليس واجباً عليهم فلهم الاتفاق والتصالح على
خلاف ما ورد في الحكم القضائي، ويتحول عقد الصلح في هذه الحالة إلى سند تنفيذي
بديل للحكم الذي كان في الأصل سنداً تنفيذياً، اما الصلح التنفيذي فليس
تعديلا للشيء المحكوم به في الحكم السند التنفيذي حيث يظل الشيء المحكوم به
كما هو في الحكم ولكن عقد الصلح يتضمن تصالح طالب التنفيذ مع المطلوب التنفيذ ضده
على كيفية الوفاء بالشيء المحكوم به كتقسيط المبلغ المحكوم به فالصلح التنفيذي
يكون بمثابة تؤكيد للشيء المحكوم به واقرار من قبل المطلوب التنفيذ ضده بعدم
المنازعة بشأن التنفيذ لاقتضاء ماتم الحكم به، وفي هذه الحالة أيضاً يتحول عقد
الصلح الى سند تنفيذي صالح لمباشرة إجراءات التنفيذ الجبري بموجبه.
الوجه الثاني : الصلح يوقف تنفيذ السند التنفيذي الأصلي :
ذكرنا فيما سبق أن
عقد الصلح الذي يتم بعد صدور الحكم السند التنفيذي يتحول إلى سند تنفيذي بديل
للحكم الأصلي سند التنفيذ، وبموجب ذلك يكون عقد الصلح هو اللازم تنفيذه بدلاً عن
الحكم الأصلي، ولذلك فان طالب التنفيذ اذا طلب من محكمة التنفيذ تنفيذ الحكم
الاصلي باعتباره سند التنفيذ فان المطلوب التنفيذ ضده يستطيع الإستشكال أو الدفع
بوقف تنفيذ الحكم سند التنفيذ للتصالح فيما بين الطرفين طالب التنفيذ والمطلوب
التنفيذ عليه باعتبار عقد الصلح هو الواجب التنفيذ مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث : فائدة الصلح بشأن تنفيذ الحكم وتأثيره على الحد من منازعات التنفيذ :
من أهم مشاكل القضاء
في اليمن منازعات التنفيذ التي تكون في غالبها كيدية تستهدف تعطيل إجراءات التنفيذ
وعدم تمكين المحكوم لهم من حقوقهم المحكوم بها
بموجب أحكام نهائية أو باتة، ولذلك فان تصالح طالب التنفيذ مع المطلوب
التنفيذ ضده يعني تسليم وقبول المطلوب التنفيذ ضده بالشيء المحكوم به وقبوله
تنفيذه طواعية واختياراً ،ولذلك فان هذا الصلح يقلص من فرص المطلوب التنفيذ ضده في
تقديم الإستشكالات المطولة للتنفيذ إلا اذا كان لها وجه شرعي وقانوني.
الوجه الرابع : خصوصية الصلح على تنفيذ الحكم :
الصلح في هذه الحالة
مثل غيره من عقود الصلح من حيث اركانه وشروطه، ومع ذلك فان الصلح في هذه الحالة له
خصوصيته لأنه يتحول إلى سند تنفيذي بديل للحكم القضائي السند التنفيذي، ولذلك فان
مجال دعوى صحة العقد في هذه الحالة يكون محدوداً للغاية حيث تتحول هذه الدعوى إلى
إشكالية من إشكاليات التنفيذ، والله اعلم.