المناقشة العامة قصور في التسبيب

 

المناقشة العامة قصور في التسبيب

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من شروط التسبيب ان يكون سائغاً أي مقبول، فلا يكون التسبيب مقبولاً الا اذا كان مفصلاً غير مجمل، ومن خلال المطالعة لأحكام كثيرة نجد أن بعض الأحكام ترد في أسبابها المناقشة العامة لأدلة الخصوم وطلباتهم ودفوعهم فتتم هذه المناقشة بصفة عامة مجملة من غير تفصيل او مناقشة تفصيليةً، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بأن المناقشة العامة تعد قصوراً في التسبيب وقد تكون سبباً في بطلان الحكم، ولأهمية هذا الحكم وأهمية المبدأ الذي ورد فيه فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/12/2012م في الطعن المدني رقم (46236) وتتلخص القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصين اختلفا بشأن شفعة أرض فقاما بتحكيم شخص للحكم في مدى أحقية الشافع بالشفعة، فتوصل المحكم إلى الحكم بعدم أحقية الشافع في الشفعة، فقام الشافع بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة الاستئناف التي رفضت الدعوى) فما كان من طالب الشفعة الا ان قام بالطعن بالنقض في  الحكم الاستئنافي،فقبلت الدائرة المدنية الطعن  ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبالرجوع إلى أوراق القضية فقد تبين للدائرة أن ما يعيبه الطاعن من بطلان الحكم المطعون فيه للقصور في التسبيب وذلك من خلال عدم مناقشة الشعبة مصدرة الحكم تفصيلا لوسائل الدفاع الجوهري المثارة من الطاعن في دعوى البطلان، وهو نعي في محله لما هو ثابت في أسباب الحكم المطعون فيه  بقوله (بعد الاطلاع على مشتملات ملف القضية يتضح أن حكم التحكيم صدر وفقاً لأحكام الشرع والقانون ولا تنطبق عليه أي فقرة من فقرات المادة (53)تحكيم الموجبة للبطلان حيث أن موضوع التحكيم مذكور ومحدد في الوثيقة وفقاً لنص المادة (15/تحكيم كما أن حكم التحكيم جاء مسبباً تسبيباً مستفيضاً وفقاً لنص المادة (231) مرافعات) وحيث أنه تبين مما ورد في أسباب الحكم الاستئنافي أنه قد جاء بعبارات عامة مبهمة فلم تتطرق اسباب الحكم إلى مناقشة أسباب دعوى البطلان التي اثارها المدعي في دعواه من مناع على حكم التحكيم، إذ أن اللازم على المحكمة مناقشة ذلك في أسباب حكمها والرد عليها، ومع عدم قيام الشعبة بذلك واكتفائها بما أوردته من الفاظ وعبارات عامة كأسباب لحكمها فان ذلك يجعل حكمها معيباً بالقصور في التسبيب يترتب عليه بطلان الحكم استناداً لنص المادة (231) مرافعات فهذا السبب يكفي لبطلان الحكم دون الخوض في باقي الاسباب) ، وسيكون تعليقنا على الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية المناقشة في تسبيب الحكم :

المناقشة لأسباب الطعن أو دعوى البطلان التزام قانوني يقع على عاتق المحكمة مصدرة الحكم لبيان وجهة الحكم وتبرير قبوله لأسباب الطعن أو دعوى البطلان أو رفضه لها، فالمناقشة ينبغي ان تبين الاعتبارات والاسانيد والمبررات التي جعلت الحكم يقبل أسباب الطعن أو دعوى البطلان أو يرفضها ، ولذلك ينبغي أن تكون المناقشة تفصيلية تبين الاسانيد القانونية والواقعية التي جعلت الحكم يأخذ بأسباب الطعن أو الدفع أو الطلب أو يرفض ذلك حتى يكون تسبيب الحكم سائغاً أو مقبولاً وحتى يقتنع اطراف الخصومة وحتى يتمكن الاطراف من الطعن في الحكم لمعرفتهم بالأسانيد الواقعية والقانونية التي جعلت الحكم لا يأخذ بدفاعهم أو دفوعهم أو طلباتهم، وفي الوقت ذاته فأن المناقشة التفصيلية وسيلة من اهم وسائل الرقابة على سلامة الحكم وصحته وحياد القاضي، إضافة إلى ان المناقشة التفصيلية تجعل الحكم واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ولا اجمال أو ابهام فيكون الحكم عندئذ عنوان الحقيقة علاوة على ان المناقشة التفصيلية من أهم مبادئ وضمانات المحاكمة العادلة، كما أن المناقشة التفصيلية تدل على أن القاضي قد احاط احاطة تامة بوقائع القضية واسانيدها وادلتها ودفاع اطرافها ودفوعهم، وهذا يوفر الاطمئنان والقناعة والرضاء لدى الخصوم وغيرهم.

الوجه الثاني : المناقشة العامة قصور في التسبيب :

ساق الحكم الرائع محل تعليقنا نموذجاً من المناقشة العامة المعيبة حسبما سبق بيانه في اسباب حكم المحكمة العليا مثل العبارة العامة المشهورة في اليمن (جاء الحكم موافقاً لاحكام الشرع والقانون) وعبارة (فوثيقة التحكم مطابقة لنص المادة (15) تحكيم)  وعبارة (لم تتحقق في دعوى البطلان أية حالة من حالات البطلان المنصوص عليها في المادة (53) تحكيم) فهذه العبارات وغيرها عامة مبهمة حسبما ورد في أسباب حكم المحكمة العليا فهذه مناقشة عامة لا تقنع الخصوم ولا تمكن المحكمة العليا من بسط رقابتها كما انها لا تدل على احاطة الحكم بالقضية، فكان الواجب على الحكم الاستئنافي أن يناقش اسباب دعوى البطلان مناقشة تفصيلية فعند قوله بأن (حكم التحكيم جاء موافقاً لأحكام الشرع) كان ينبغي أن لا يكتفي بهذه العبارة العامة وإنما كان ينبغي عليه أن يذكر كيفية هذه الموافقة وماهي النصوص التي وافقها هذا الحكم وأن يذكر الاسانيد التي تؤيد صحة هذا القول، علما بان عبارة (فالحكم موافق لاحكام الشرع والقانون)هو نتيجة المناقشة وليس مناقشة، وانا شخصيا اتمنى ان تختفي هذه العبارة العامة المطاطة من المناقشة، كما ينبغي عند قول حكم الاستئناف لعبارة (ان وثيقة التحكيم مطابقة لنص المادة (15) تحكيم) كان يجب عليه أن يبين كيفية هذه المطابقة والاسانيد الدالة على ذلك  وهكذا في بقية عبارات المناقشة العامة الواردة في اسباب الحكم الاستئنافي، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بأن المناقشة العامة قصور في تسبيب الحكم، لان من شروط تسبيب الحكم أن يكون سائغاً أي مقبولاً فلا يكون الحكم الذي تضمن المناقشة العامة المجملة لا يكون سائغاً مما يجعله غير مقبول.

الوجه الثالث : بطلان الحكم جزاء المناقشة العامة لأوجه الدفاع أو الطلبات :

قضى الحكم محل تعليقنا واكد في أكثر من موضع على ان المناقشة العامة تعد من قبيل القصور في التسبيب وان جزاء ذلك بطلان الحكم، لان المناقشة العامة تجعل اسباب الحكم مجملة وغامضة وغير سائغة أو مقبولة مما يجعل الحكم غامضاً غير واضح وذلك بدوره يؤثر على الحق المقضي به، مما يجعل الحكم يستحق البطلان حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.