التسليم بالشفعة : إثباته وآثره

 

التسليم بالشفعة : إثباته وآثره

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

منازعات الشفعة كثيرة ومتنوعة تظهر من خلالها اشكاليات عدة، ولمعالجة ذلك تظهر اجتهادات قضائية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/3/2013م في الطعن رقم (47097)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الشفيع طلب الشفعة من المشتري لان الشفيع مخالط  في أصل المال المشفوع فيه حيث سلم المشتري بالشفعة ولكن المشتري ظل يماطل في إستكمال إجراءات الشفعة وتسليم الأرض مما حمل الشفيع على اللجوء إلى المحكمة الابتدائية لإلزام المشتري بتسليم الارض حيث اجاب المدعى عليه بان المدعي لم يطلب الشفعة في وقتها ولم يقم بقيدها لدى الأمين الشرعي أو المحكمة المختصة ولذلك فان حقه في الشفعة قد سقط بقوة القانون فعقب المدعي بان المشتري المدعى عليه نفسه قد سلم بالشفعة حينما طلبها المدعي منه في الميعاد المقرر قانوناً وقدم المدعي شهودا على إثبات تسليم المشتري بالشفعة عند ما طلبها المدعي في الميعاد المقرر قانوناً، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بثبوت الشفعة والزام المدعى عليه بتسليم الأرض المشفوعة والزام الشفيع بدفع قيمتها ومصاريف الشراء حسبما هو مبين في بصيرة الأرض، لان طلب الشفعة قد قد تم في وقته المحدد بتسليم المشتري بالشفعة حسبما هو ثابت بشهادات الشهود، فقام المشتري باستئناف الحكم إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم الابتدائي لصحة قضائه وسلامة اسبابه، فلم يقنع المستأنف فقام بالطعن بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبمراجعة الدائرة للأوراق فقد تبين للدائرة ان نعي الطاعن قد سبق له إثارته امام الشعبة المدنية التي ناقشت ذلك تفصيلاً في اسباب الحكم الاستئنافي بان الطاعن كان قد سلم بالشفعة إلا أنه ظل يماطل في تسليم الأرض وإستلام الثمن حسبما ورد في شهادات الشهود، ولذلك فان الحكم المطعون فيه قد جاء موافقاً لصحيح القانون إجراءً وموضوعاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية التسليم بالشفعة والآثار المترتبة عليه :

التسليم بالشفعة هو قبول مشتري الأرض بتسليم الأرض التي اشتراها إلى الشفيع مقابل استعادة المشتري لقيمة الأرض والمصاريف الإضافية الملحقة بالقيمة، وبهذا المعنى فان التسليم من المشتري للشفيع هو قبول لطلب الشفعة الصادر من الشفيع، فلم يشترط الفقه أو القانون للتسليم بالشفعة صيغة معينة حيث يتم التسليم بأي لفظ أو بأي فعل يدل على قبول وتسليم المشتري بطلب الشفعة لما اشتراه، وفي هذا الشأن نصت المادة (1389) مدني على انه (يكفي للتسليم بالشفعة بالتراضي ما يدل عليه لفظاً أو نحوه كقبض الشفيع للعين المشفوعة) ومن المتفق عليه ان التسليم بالشفعة تصرف لازم أي لا يجوز للمشتري التراجع عنه أو التحلل منه، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا لم يلتفت لمحاولات تحلل المشتري وتراجعه عن التسليم بالشفعة.

الوجه الثاني : التسليم بالشفعة يغني عن قيد طلب الشفعة :

من خلال ما ورد في الوجه الأول  من هذا التعليق لاحظنا ان التسليم بالشفعة هو قبول لطلب الشفعة المقدم من الشفيع مباشرة إلى المشتري، ولذلك فقبول المشتري وتسليمه بالشفعة يغني عن قيد الشفعة لدى الأمين الشرعي أو المحكمة المختصة، لان العرض من قيد طلب الشفعة  هو  إثبات ان الشفيع قد طلب الشفعة في وقتها المحدد قانوناً حتى يتم التمسك بوثيقة قيد طلب الشفعة في مواجهة المشتري الذي قد لا يقبل الشفعة بحجة عدم تقديم طلب الشفعة في الوقت المحدد، فإذا كان المشتري قد سلم بالشفعة وقبلها فان هذا التسليم  يعني أيضاً أن المشتري قد اقر بوجود سبب الشفعة لدى طالب الشفعة وانه قد طلب الشفعة في ميعادها، فالتسليم بالشفعة يغني عن قيد طلب إعلان الشفعة فاذا ذهب الشفيع مباشرة إلى المشتري وطلب منه الشفعة فيما اشتراه فقبل المشتري ذلك فلا يلزم الشفيع ان يقيد طلبه بالشفعة لدى الأمين او المحكمة.

الوجه الثالث : إثبات تسليم المشتري للشفعة :

ذكرنا فيما سبق ان التسليم بالشفعة يقع باللفظ أو بالكتابة أو بأي فعل أو تصرف يدل على هذا التسليم، وتبعاً لذلك فان إثبات التسليم بالشفعة يتم بكافة طرق الإثبات المقررة، فهو يثبت بالإقرار الذي يصدر من المشتري بانه قد سلم بالشفعة للشفيع، كما ان التسليم يثبت أيضاً بشهادة الشهود مثلما حصل في القضية التي تناولها هذا الحكم حيث شهد الشهود بانهم  شاهدوا وسمعوا المشتري وهو يقول :بانه مستعد لتسليم الأرض التي اشتراها إلى الشفيع مقابل ان يدفع الشفيع قيمتها وما غرمه المشتري، كما ان التسليم يثبت بالأفعال والقرائن كقبض الشفيع للأرض التي اشتراها المشتري وقيام الشفيع بالتصرف فيها انتفاعاً أو تأجيرا، والله اعلم.