سند تعديل الأرش والتعويض
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تقدير الأرش والتعويض
يعتمد على تقارير خبراء ومعاينة وغيرها من الاسانيد التي يعتمد عليها القاضي في
ذلك التقدير، ولا شك ان هناك سلطة تقديرية للقاضي في هذه المسألة إلا أن السلطة
التقديرية لا ينبغي ان تكون مزاجية أو تحكمية أو نابعة من علم القاضي أو تقديره
الشخصي، فلا بد من أن تكون هناك اسانيد قوية خارج ذهن القاضي يركن اليها في تقدير
الأرش والتعويض، فاذا كان هذا من المسلم به عند تقدير الأرش أو التعويض من قبل القاضي
الابتدائي فان الأمر ينبغي ان يسري ايضا على محكمة الاستئناف فان لها السلطة
التقديرية أيضاً في تقدير الأرش والتعويض باعتبارها محكمة موضوع ولكن سلطتها
التقديرية محكومة بالأسانيد والمرجحات اذا ارادت تعديل الارش أو التعويض الذي
قدرته محكمة أول درجة، هذا التخريج الجميل خلاصة لما ورد في الحكم محل تعليقنا وهو
الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
29/11/2017م في الطعن رقم (59713) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
المحكمة الابتدائية قامت بتقدير الأرش والتعويض المستحق للمجني عليه بناءً على
تقارير طبية وأقوال شهود ومحاضر معاينة،فقام المحكوم عليه باستئناف الحكم
الابتدائي حيث قضت الشعبة بتعديل الأرش والتعويض الذي حكمت به محكمة أول درجة، فلم
يقبل بذلك المجني عليه فقام بالطعن بالنقض، حيث قبلت الدائرة الجزائية طعنه فيما يتعلق
بهذه الجزئية، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد عاب
الطاعن على الحكم المطعون فيه إنقاص مقدار التعويضات المحكوم بها له ابتداءً وكذا
انقاص أرشه رغم سلامة التقدير لهما من قبل المحكمة الابتدائية، وبمطالعة الدائرة
لمحتويات ملف القضية بما في ذلك التقرير الطبي الخاص بالطعن وكذا التقرير الذي تم
اعداده عند انتقال المحكمة الابتدائية للمعاينة وكذا التقرير التكميلي الذي اعده
أمين السر تبين ان ما صدر عن المحكمة الابتدائية بشأن تقدير الأرش والتعويض هو
الاقرب للصواب لاتفاقه مع محتويات ملف القضية وان ما صدر عن المحكمة الاستئنافية
لا وجه له لعدم بيان الشعبة مستندها في التعديل للأرش والتعويض الذي تم جزافاً دون
سند من شرع أو قانون، وذلك مما يقتضي الغاء ما قضت به المحكمة الاستئنافية من
التعديل للأرش والتعويضات واقرار ما قضى به الحكم الابتدائي في هذه الجزئية)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول :
المقصود بالأرش والتعويض المذكور في الحكم محل تعليقنا :
صرح قانون الجرائم
والعقوبات بان الأرش عقوبة وأنه يجوز الجمع بين الأرش والتعويض والنفقات والمصاريف
التي يتكبدها المجني عليه كنفقات العلاج وتعطيله عن العمل وتكاليف اصلاح ماهدمه
الجاني أثناء اعتدائه،وهذا ما استقر عليه القضاء، الا انه ينبغي ان يدعي المجني
عليه ويطلب بالتعويضات المستحقة له وكذلك ينبغي عليه ان يثبت الاضرار التي لحقت به
ونفقات ومصاريف العلاج وكذا التعويض المستحق.
الوجه الثاني : إثبات
الإصابات الموجبة للأرش والمصاريف والتعويضات :
من المتفق عليه إن
إثبات الإصابات الموجبة للأرش تحتاج إلى خبرة فنية طبية لإثباتها ولذلك فان هذه
الإصابات يتم إثباتها عن طريق تقارير طبية موثوق بها غير انه يجوز للخصوم ابداء
ملاحظاتهم على تقارير الخبرة لاستدراك أية اخطاء أو ما فات على هذه التقارير،
ولذلك لاحظنا في الحكم محل تعليقنا ان الحكم الابتدائي قد استدرك تقرير الخبرة
بتقارير تكميلية بناءً على ملاحظات الخصوم، اما مصاريف علاج المصابين في الحوادث
الجنائية فيتم إثباتها عن طريق الفواتير وكشوفات الحساب الصادرة عن المستشفى الذي
تم علاج المصاب فيه فهذه الفواتير والكشوفات يستدل منها على المبالغ التي دفعها
المجني عليه نفقات علاجه، اما التعويض فانه يحتاج إلى تقريره خبرة لإثباته بحسب
نوع النشاط الذي يباشره المصاب ونوع الإصابة ومدتها وتأثيرها على نشاط وعمل المجني
عليه في المستقبل وكذا يتم اثبات الاعتداء المادي على الاراضي والعقارات عن طريق
المعاينة ويتم تقدير التعويض بواسطة خبراء عدول ، ولا ريب ان ملاحظات الخصوم
واعتراضاتهم على وسائل إثبات الإصابات وتقارير الخبرة الاخرى لها تأثير بالغ في السلطة
التقديرية لقاضي الموضوع.
الوجه الثالث :
السلطة التقديرية للقاضي في تقدير الأرش والتعويض :
مع ان القاعدة تقضي
بان (الأحكام تبنى على القطع واليقين) الا ان الدليل اليقيني هو قول الله تعالى
فقط اما الادلة التي يقدمها الخصوم أمام القاضي فانها ظنية تجعله في حيرة من امره،
لذلك وجدت السلطة التقديرية للقاضي فبموجبها يقوم القاضي بعرض ادلة الخصوم كلا على
حدة ثم يقوم بمناقشة كل دليل على حدة مبينا الوجه القوة والضعف في كل دليل ثم يقوم
بالموازنة بين الادلة والترجيح بينها وفقاً
لضوابط ومعايير قد سبق لنا ان اشرنا اليها في تعليقات سابقة، وما يعنينا في هذا
التعليق الموجز القول : بان القاضي وهو بصدد تقدير الأدلة المثبتة للأرش أو
التعويض ينبغي عليه ان يعرض الادلة دليلاً دليلاً ويذكر اعتراضات الخصوم
وملاحظاتهم عليها وفي ضوء يتوصل إلى ترجيح ما يراه جديراً بالترجيح وينبغي على
القاضي ان يذكر أوجه أو اسانيد الترجيح التي جعلته يرجح ادلة الإثبات أو النفي،
وهذه العملية الفنية الدقيقة هي ما يطلق عليه في المصطلح القضائي مناقشة الحكم
التفصيلية لأدلة الخصوم ،فالمناقشة وجوبية في كل النظم القضائية، وعلى هذا الأساس
فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد اقر الحكم الابتدائي الذي قام باستيفاء الادلة
وتقديرها والترجيح فيما بينها وذكر سند الترجيح في حين نقض الحكم محل تعليقنا
الحكم الاستئنافي الذي لم يذكر سند تعديله للأرش والتعويض.
الوجه الرابع :
موجبات تعديل محكمة الاستئناف للأرش والتعويض :
لا شك ان محكمة
الاستئناف محكمة موضوع لها السلطة التقديرية في تقدير الأدلة وتعديل الأرش
والتعويض إلا أن هذه السلطة ليست تحكمية وإنما ينبغي ان تكون هناك موجبات تقتضي
هذا التعديل في الأرش والتعويض، وهذه الموجبات تتمثل في وجوب بيان اسباب عدول
محكمة الاستئناف عن الاخذ بالتقدير الذي توصلت اليه محكمة أول درجةفي حكمها، كما
ينبغي على محكمة الاستئناف ان تستند إلى ادلة ارجح من الأدلة التي استند اليها حكم
محكمة أول درجة في تقدير الأرش والتعويض أو تقوم بإعادة دراسة وبحث الادلة التي
اعتمدها الحكم الابتدائي لبيان الوجه الضعف فيها التي جعلت محكمة الاستىناف تقوم
بتعديل الارش أو التعويض ،ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم الاستئنافي
لانه لم يذكر الدليل أو الادلة التي اعتمدها في تخفيض قيمة الأرش والتعويض كما أنه
لم ببين اوجه الضعف في ادلة الحكم الابتدائي التي اقتضت تعديل الارش
وغيره، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717