الدعوى العمالية على فرع الشركة

 

الدعوى العمالية على فرع الشركة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يتوزع عمال الشركات والمؤسسات على المقار الرئيسية لهذه الشركات والمؤسسات وعلى فروعها، وحيث ان لكل شركة اومؤسسة خاصة شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة واحدة وممثل قانوني واحد قد يكون رئيس مجلس الادارة او المديرالعام للشركة الذي يباشر عمله في المقر الرئيسي للشركة او الادارة العامة للشركة  وهو الذي يمثلها امام القضاء، ولذلك تثور اشكاليات عملية حينما يقوم عمال فروع الشركات والمؤسسات برفع دعاويهم ضد هذه الشركات في اللجنة التحكيمية التي تقع الفروع ضمن نطاق اختصاصها المكاني  ؛ فهذا الامر يثير اشكاليات واقعية عملية بشأن الحالات التي يجوز فيها للعامل ان يرفع دعواه مباشرة ضد الفرع والحالات التي لا يجوز فيها للعامل ان يرفع دعواه في مواجهة الفرع حيث ينبغي عليه ان يختصم الادارة العامة للشركة وان يرغع دعواه ضد الشركة في اللجنة التحكيمية التي يقع المقر الرئيسي ضمن نطاق اختصاصها، ولأهمية هذا الموضوع وكثرة الاحتياج اليه، فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/12/2008م في الطعن المدني رقم (32493) لسنة 1429هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احدى الموسسات الخاصة قامت بنقل  مدير فرعها في احدي المحافظات الى العاصمة وقد كان بيته واهله في تلك المحافظة التي كان يشغل فيها وظيفة مدير فرع الموسسة وبعد باشر عمله بفترة وجيزة ظهر له ان الغرض من نقله هو التخلص منه كمدير للفرع الذي تم نقله منه فترك العمل واتجه الى المدينة التي بعمل فيها مديرا للفرع حيث تقدم امام اللجنة التحكيمية العمالية في المحافظة التي كان يعمل فيها بدعوى ضد فرع المؤسسة بالمحافظة التي كان يعمل بها طلب فيها من اللجنة الزام الفرع بدفع حقوقه اثناء فترة عمله بالفرع ومن ذلك مقابل العمولات وتكاليف علاج ومكافأة نهاية الخدمة وبدل اجازات فقام محامي المؤسسة بالدفع بعدم اختصاص اللجنة التحكمية في المحافظة بنظر الدعوى لان الطلبات الواردة فيها لا صلة ولا علاقة للفرع بها وانما التي تحددها وتقررها هي الادارة العامة للمؤسسة والكائنة في امانة العاصمة إضافة ان الادارة العامة للمؤسسة هي صاحبة الصفة لان مدير عام المؤسسة هو الممثل القانوني للمؤسسة للقضاء وهو يؤدي عمله بالادارة العامة للمؤسسة الكائن في العاصمة اضافة الى ان العامل المدعي قد تم نقله للعمل بالمركز الرئيسي للمؤسسة بالعاصمة؛ولذلك فان الاختصاص بنظر القضية ينعقد للجنة التحكمية في العاصمة، وبعد ان سارت اللجنة التحكمية في اجراءات نظر الدفع توصلت الى الحكم برفض الدفع، وقد ورد في اسباب قرار اللجنة التحكيمية العمالية (وحيث ان المدعى عليها لم تنازع في ان المدعي قد عمل لديها في الفرع وانما تمسكت بعدم اختصاص اللجنة لان المدعي قد تم نقله للعمل في المركز الرئيسي للشركة بصنعا اضافة الى ان الموطن القانوني  للمؤسسة هو مقرها الرئيسي  وان موطن المدعى عليها هو الادارة العامة في العاصمة، ولما كان الأصل وفقاً لأحكام المادة (92) مرافعات ان الاختصاص يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن الخصم المدعى عليه او محل اقامته المؤقتة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك وبما ان القانون قد اورد استثناءً من هذا الأصل في المادة (26) مرافعات وحيث ان الثابت ان مدينة ... هي موطن المدعي الذي عمل لدى فرع المدعى عليها في مدينة .... ولذلك فان وجود مقر الادارة العامة في العاصمة لا يحول دون حق العامل في اختصام المدعى عليها في موطنه إذ أن ممارسة المدعي لعمله في المركز الرئيسي بعد نقله ماهو الا تنفيذ لتلك قرارات الادارة العامة للشركة فلا يملك العامل المدعي حيالها الرفض والامتناع لان عقد العمل قد كان من عقود الاذعان فالعامل هو الطرف الضعيف المذعن مما يقتضي تطبيق الاصلح والانسب والافضل للعامل ولثبوت ان مدينة .... موطن المدعي ولوجود فرع المدعى عليها في المدينة فان الاختصاص ينعقد للجنة التحكيمية مما يتعين رفض الدفع) فلم تقبل المدعى عليها بقرار اللجنة التحكيمية فقامت باستئنافه الا ان الشعبة الاستئنافية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد قرار اللجنة التحكيمية، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (فقد تبين ان الخلاف انحصر بشأن تنازع الاختصاص المكاني للجنة التحكيمية غير ان الثابت من مبرزات او مستندات المستأنف ضده كلها ومن مستندات المستأنفة ما يدحض دفع المستأنفة وتؤكد ان محل اقامة المستأنف ضده ومقر عمله بمدينة .... حيث كان يعمل مديراً لفرع المدعى عليها في مدينة... الأمر الذي يجعل ما ذهبت اليه اللجنة التحكيمية بقرارها محل الاستئناف سديداً) فلم تقبل المستأنفة بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض، حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن وقضت بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد وجدت الدائرة ان الطاعنة تنعي على الحكم المطعون فيه انه تجاهل ادلتها التي تثبت ان الاختصاص ينعقد للجنة التحكيمية العمالية بأمانة العاصمة وليس اللجنة التحكيمية في محافظة ....، وان الأصل في نظر الدعوى هو للمحكمة التي يقع فيها موطن المدعى عليه، وبما ان قرار اللجنة التحكيمية قد خالف القانون وحيث ان الحكم الاستئنافي قد قضى بتاييد قرار اللجنة  التحكيمية فانه يكون قد خالف الفقرة (3) من المادة (44) مرافعات لان مقر وادارة الطاعنة يقع في صنعاء فدعوى المطعون ضده باطلة لانه رفعها على فرع المؤسسة في .محافظة... في حين اخر عمل كان للمدعي كان في مقر الادارة العامة للطاعنة بصنعاء وليس في محافظة.....، والدائرة تجد انه من البين ان النزاع الدائر حالياً هو بشأن الاختصاص المكاني للجنة التحكيمية العمالية في مدينة .... التي قام المدعي برفع الدعوى امامها وتضمنت مطالبة المدعئ بجملة من المستحقات المدعى بها لدى المدعي عليها والتي من بينها مكافأة نهاية الخدمة وغيرها ؛ولما كان الثابت من قرار اللجنة التحكمية ان الدعوى المرفوعة على المؤسسة ممثلة بإدارتها العامة التي طالب بمستحقاته بما في ذلك مقابل مكافأة نهاية الخدمة ولما كانت تلك الطلبات الواردة في الدعوى لا تتعلق بفرع المؤسسة في .... وانما بالإدارة العامة للمؤسسة وحيث انه من الثابت ان اللجنة التحكيمية قد اتخذت من الفرع الكائن في مدينة .... مبرراً لإقامة الدعوى على المؤسسة طالما وموطن المدعى فيها ولما كان ذلك التعليل غير قائم على سند من القانون لان الطلبات الواردة في الدعوى وحيث ان الدعوى لم تكن ضد الفرع ولا تتعلق به وحيث ان موطن الشركات والمؤسسات هو مركز ادارتها الرئيسي ويعتبر مقر فرعها موطناً  لها في المسائل المتعلقة بالفرع وفقاً لنص المادة (36) مرافعات لذلك فان اللجنة التحكيمية في مدينة .... غير مختصة مكانياً بنظر الدعوى ويكون الاختصاص منعقداً للجنة التحكيمية في العاصمة الذي يقع ضمن نطاق اختصاصها المكاني المقر الرئيسي للمدعى عليها، لذلك فان الامر يقتضي نقض الحكم المطعون فيه واحالة ملف القضية الى اللجنة التحكيمية العمالية بأمانة العاصمة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : موطن الشركة أو المؤسسة الذي ترفع فيه الدعوى العمالية :

موضوع التعليق كما سبق هو قيام عامل برفع الدعوى على الشركة أو المؤسسة التي كان  يعمل في فرعها، ولذلك فان مركز العامل هو المدعي ومركز الشركة التي كان يعمل لديها هي المدعى عليه، والقواعد العامة تقتضي ان يتم رفع الدعوى على المدعى عليه في موطنه القانوني او المختار، وعند الرجوع الى القانون نجد انه  قد حدد موطن الشركات والمؤسسات حيث نصت المادة (36) مرافعات على ان (موطن الشركات والجمعيات والمؤسسات القائمة او التي في دور التصفية هو مركز ادارتها الرئيسي ويعبر مقر فرعها موطناً لها في المسائل المتعلقة به)  وعلى هذا الاساس فان القانون قد حدد الموطن القانوني للشركات والمؤسسات الذي يتم اختصامها فيه وهو مركز ادارتها الرئيسي أي مقر الادارة العامة للشركة او المؤسسة او فرع الشركة بالنسبة للمسائل المتعلقة بالفرع، وعلى هذا الاساس فان للشركات موطنان هما :

1-     الموطن الأول : المقر الرئيسي لادارة الشركة او المؤسسة : وهو مقر الادارة العامة للشركة الذي يتم فيه اتخاذ القرارات والاجراءات والتصرفات بشان الشركة عامة، وبناءً على ذلك فان اي قرار أو اجراء او تصرف تتخذه الادارة العامة للشركة أو المؤسسة فان للمتضرر من ذلك اختصام الادارة العامة او المركز الرئيسي للشركة في موطنها أي في مقرها الرئيسي حسبما ورد في النص القانوني السابق.

2-     الموطن الثاني : فرع الشركة : حيث يتم اختصام فرع الشركة بالنسبة للمسائل المتعلقة بالفرع، وهذه المسائل محل خلاف حسبما هو ظاهر في وقائع الحكم محل تعليقنا، حيث لاحظنا ان قرار اللجنة التحكيمية العمالية قد اتجه الى ان قيام العامل بالعمل في الفرع وتبعيته للفرع وادانه العمل لحساب الفرع يكون من المسائل المتصلة او المتعلقة بالفرع التي يجوز للعامل ان يرفع دعواه ضد الفرع في اللجنة التحكيمية التي يقع الفرع ضمن نطاقها حتى لو كان القرار او الاجراء سبب الدعوى العمالية صادراً من الادارة العامة او المركز الرئيسي للشركة، اما حكم المحكمة العليا فقد اخذ بالاتجاه المضيق فجعل المسائل المتعلقة بالفرع هي الاجراءات والقرارات والعقود والتصرفات التي تتخذها ادارة الفرع وهي التي يجوز فيها اختصام الفرع ورفع الدعوى عليه في اللجنة التحكيمية او المحكمة التي يقع الفرع في نطاقها المكاني ، اما القرارات او الاجراءات والتصرفات التي تصدر من الادارة العامة للشركة او مركزها الرئيسي فان للمتضرر من ذلك ان يقوم برفع دعواه على الادارة في مركزها او مقرها الرئيسي حتى لو كان يعمل في الفرع، ولذلك اشار حكم المحكمة العليا الى ان مطالبات العامل المدعي الواردة في دعواه البت فيها من اختصاص الادارة العامة للشركة وليس ادارة الفرع  فالامتناع عن تلبية طلبات العامل لم يكن من قبل ادارة الفرع وانما من قبل الادارة العامة للشركة.

الوجه الثاني : الموطن الأصلي للعامل المدعي على الفرع :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان جانباً من النقاش قد اتجه الى موطن العامل الأصلي وما اذا كان الموطن الاصلي للعامل هو المدينة التي يقع فيها فرع الشركة ومدى جواز قيام العامل في هذه الحالة بتقديم دعواه ضد الشركة في اللجنة التحكيمية التي يقع فرعها ضمن نطاق اختصاص اللجنة باعتبار ان العامل يقيم ويسكن في المدينة التي يقع فيها فرع الشركة وان تلك المدينة هي موطنه الاصلي ؛ وقد استند العامل المدعي في دعواه حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا الى المادة (92) مرافعات التي تنص على ان (يكون الاختصاص بحسب المكان للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن الخصم المدعى عليه او محل اقامته المؤقتة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك واذا تعدد الخصوم المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يختارها المدعي ويقع في دائرتها الموطن الأصلي لأي منهم ويطلب الاخرون اليها) حيث استدل العامل المدعي في الحكم محل تعليقنا الى هذا النص في قيامه بتقديم دعواه الى اللجنة التحكيمية التي يقع ضمن نطاقها الموطن الأصلي له لان النص من وجهة نظره قد ذكر (الموطن الأصلي لأي منهم) أي لأي من المدعي أو المدعى عليه فطالما وقد تعددت مواطن الشركة المتمثلة في مقرها الرئيسي ومقر فرعها فيحق للعامل المدعي ان يرفع دعواه ضد الشركة امام اللجنة التحكيمية التي يقع موطنه الأصلي ضمن اختصاصها وهذا التعليل ضمن اسباب حكم محكمة الموضوع، اما حكم المحكمة العليا فقد ذهب الى خلاف حسبما سبق بيانه؛ لان استدلال العامل كان فاسدا  لان المراد بالتعدد في النص القانوني السابق  هو تعدد المدعى عليهم وليس تعدد مواطن المدعى عليه الواحد.

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717

الوجه الثالث : نقل العامل المدعي قبل رفع دعواه من موطنه الأصلي :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان العامل المدعي كان قد تم نقله قبل رفع دعواه من المدينة التي يقع فيها الفرع الى العاصمة، حيث قام العامل بمباشرة عمله الجديد في العاصمة ثم ترك هذا العمل وعاد الى المدينة التي كان يعمل فيها مديراً للفرع وقام هناك برفع الدعوى ضد الفرع، على اساس ان موطنه وسكنه يقع في المدينة التي يقع فيها الفرع الذي كان مديراً له لفترة طويلة وان عمله العارض في العاصمة لفترة وجيزة وان طلباته متعلقة بالفترة التي عمل فيها مديراً للفرع، وقد ورد في دفع الشركة المدعى عليها بان العامل لم يعد يعمل في فرع الشركة بتلك المدينة حيث قد تم تعيينه نائبا المدير التجاري لشؤون الفروع، وقد قررت اللجنة العمالية ومحكمة الاستئناف ان نقل العامل لا تأثير له باعتبار انه من قبيل الاذعان الذي لا يملك العامل النقاش فيه او تعديله اما المحكمة العليا فقد وجهت بان الواجب عليه في كل الاحوال ان يرفع دعواه في اللجنة التحكيمية التي يقع ضمن نطاق اختصاصها المقر الرئيسي للشركة او المؤسسة طالما ان طلباته في الدعوى متعلقة باختصاص ومشيئة وارادة الادارة العامة للشركة وليس الفرع، والله اعلم.