تشابه العلامات التجارية

 

تشابه العلامات التجارية

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

من الظواهر الشائعة في اليمن تشابه العلامات والاسماء التجارية حيث يعتمد بعض التجار التغيير الطفيف في بعض حروف الاسماء والعلامات حيث يظنون ان أي اختلاف في بيانات الاسم او العلامة التجارية يصبغ عليها القانونية وانها في هذه الحالة لا تعد اعتداء على العلامة او الاسم التجاري المسجل المشمول بالحماية القانونية, في حين انه قد استقر القضاء اليمني وغيره على العبرة ليس في اختلاف بيانات واحرف العلامة التجارية وانما العبرة بأوجه التشابه, ومن الاحكام التي اكدت على هذا المبدأ الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/ 4/2011م في الطعن التجاري رقم (44119) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي قضى فيها هذا الحكم ان تاجر قام بتسجيل علامة تجارية باسم (مشلان) لاستعمالها على زيوت السيارات في حين ان شركة اجنبية كانت قد سجلت قبل اكثر من عشر سنوات قد سجلت علامتها باسم (ميشلين) وهذه العلامة مشتقة من اسم الشركة الاجنبية وكان الفارق الوحيد بين العلامتين هو استبدال حرف (الياء) بحرف (أ) وعندئذ قامت الشركة الاجنبية صاحبة العلامة التجارية (ميشلين) برفع دعواها امام المحكمة التجارية    طالبه الغاء تسجيل العلامة (ميشلان) لان هذه العلامة مشابهة للعلامة السابق تسجيلها باسمها وهي (ميشلين) والغاء العلامة التجارية (ميشلان) وقد سببت المحكمة الابتدائية حكمها بان العلامتين (ميشلان) و (ميشلين) متشابهات كما انهما تستعملان منتجات متشابهة فالأولى تستعمل زيوت السيارات والثانية تستعمل اطارات السيارات, فقام صاحب العلامة (ميشلان) باستئناف الحكم حيث ذكر في استئنافه ان    العلامتين (ميشلان وميشلين) غير متشابهتين لان هذه الكلمة ليست الا عنصرا من عناصر العلامة فان تشابه هذا العنصر فان العناصر الاخرى للعلامتين لا تتشابه من حيث اللون والشكل, والعبرة في وجود التشابه بالصورة الاجمالية للعلامة التجارية وليس بالنظر الى عنصر واحد من مجموعة عناصرها,        الا ان محكمة الاستئناف قضت بتأييد الحكم الابتدائي, فقام صاحب علامة (ميشلان) بالطعن بالنقض امام الدائرة التجارية بالمحكمة العليا التي اصدرت حكمها محل تعليقنا والذي اقر الحكم الاستئنافي وقد جاء اسباب هذا الحكم (اما ما ذكره الطاعن بخصوص اوجه اختلاف العلامتين فهو غير منتج لان الثابت من   الاوراق ان العلامة (ميشلان) التي سبق تسجيلها مشهورة والعلامة المشهورة تتمتع بالحماية القانونية سواء تم تسجيلها او لم يتم واستخدامها من قبل الطاعن يخالف احكام المادة (89) من قانون الحق الفكري كما ان العبرة تكون بتشابه العلامتين وليس اختلافهما لان ذلك قد يؤدي الى اختلاط الامور لدى الجمهور من خلال اعتقاده بوحدة مصدر السلعتين مما يستوجب رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية :

الوجه الأول : وصف العلامتين محل الخلاف :

العلامة المسجلة اولا الخاصة بالشركة الاجنبية تتكون من الاسم (ميشلان) والاطار ورجل باللون البرتقالي والعلامة الخاصة بالشركة المحلية تتكون من الاسم (ميشلان) وعناصر اخرى بالوان اخرى ليس من بينها الاطار والرجل البرتقالي داخل الاطار, وبناء على ذلك فان العلامتين لا تتشابه الا في اسم (ميشلان ومشلان) ومن هذا المنطلق فان عناصر الخلاف بين العلامتين اكثر من عناصر التشابه, الا ان  الاسم (ميشلان ومشلان) ابرز عناصر العلامتين حيث يكون هذا الاسم بارزا حينما يوضع على المنتجين اطارات السيارات وزيوت السيارات وهي منتجات تستعمل للسيارات والمركبات, لان المستهلك حينما يريد شراء المنتج يطلبه باسمه (ميشلان ومشلان) حيث يتعذر عليه التعامل مع المنتج الا بإطلاق الاسم الذي يميزه عن غيره من الاصناف والمنتجات, وعلى هذا الاساس فقد قرر الحكم محل تعليقنا ان الاسم الذي تتضمنه العلامة اهم عنصر من عناصر العلامة التجارية .

الوجه الثاني : العبرة بأوجه التشابه بين العلامات التجارية وليس بأوجه الخلاف بين العلامات :

سبق القول بان الحكم محل تعليقنا قد قرر ان الاسم الذي  تتضمنه العلامة التجارية هو اهم عنصر من عناصر العلامة التجارية, وبناء على ذلك فاذا تشابه الاسم كعنصر من عناصر العلامة التجارية فتكون العبرة في التشابه بين الاسم في العلامتين, ولذلك فقد قرر الحكم محل تعليقنا ان اسم (مشلان) يشابه (ميشلان) وان اختلفت بقية عناصر العلامة التجارية, ومن وجهة نظرنا فان اجتهاد الحكم محل تعليقنا سديد   لان الاسم هو الاساس كعنصر من عناصر العلامة حسبما سبق بيانه في الوجه الاول .

الوجه الثالث : تغليب اوجه التشابه على اوجه الاختلاف في العلامات التجارية :

من المقرر في القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية ان العبرة تكون بأوجه التشابه بين العلامات التجارية وليس بأوجه الاختلاف, حيث نصت المادة (6) من اتفاقية باريس التي نصت على ان (الدول من تلقاء نفسها اذا اعلن تشريعها ذلك او بناء على طلب صاحب الشأن برفض او ابطال التسجيل ويمنع استعمال العلامة الصناعية او التجارية التي تشكل نسخا او تقليدا او ترجمة يكون من شأنها ايجاد لبس بعلامة ترى السلطة المختصة في الدولة التي فيها التسجيل او الاستعمال انها مشهورة باعتبارها فعلا العلامة الخاصة بشخص يتمتع بمزايا هذه الاتفاقية ومستعملة على منتجات مماثلة او مشابهة كذلك تسري هذه الاحكام اذا كان الجزء الجوهري في العلامة يشكل نسخا لتلك العلامة المشهورة او تقليدا لها من شأنه ايجاد لبس لها) وفي هذا الاتجاه قررت الفقرة (ج) من المادة (89) من قانون الحق الفكري على ان ( العلامة المطابقة كليا او جزئيا او المقلدة او المترجمة بعلامة مشهورة او لاسم تجاري معروف للغير بحيث يمكن ان يؤدي استعمال العلامة المطلوب تسجيلها الى اختلاط الامور لدى الجمهور), ومن خلال استقراء النصين السابقين نجد انهما قد رجحا جانب التشابه في العلامات التجارية على جانب الاختلاف, لان اوجه التشابه تفضي الى الالتباس لدى الجمهور حيث يلتبس عليه التفرقة بين المنتجين اللذين تتشابه علامتهما التجارية علما بان الاسم الذي تضمنته العلامة التجارية مكتوب باللغة الانجليزية ولذلك يكون الالتباس لدى المستهلك اليمني الذي تصل الامية فيه الى نسبة 65% بالنسبة للغة العربية اما اميتهم بالنسبة للغة الانجليزية فان النسبة ستقل كثيرا, اضافة الى ان المستهلك سينصرف ذهنه الى ادراك الفروق او اوجه الاختلاف بين العلامتين حيث ينصرف ذهنه الى اوجه التشابه وعندها يحدث الالتباس والتضليل على الجمهور, ولذلك فانه من ضمن اغراض التغليب .

الوجه الرابع : الوضعية القانونية للعلامة التجارية المشهورة :

العلامة (ميشلان) علامة مشهورة مسجلة في فرنسا منذ القرن التاسع ومسجلة في غالبية الدول ومسجلة في اليمن منذ 1983م, حسبما ورد في وقائع الحكم محل تعليقنا, وبموجب قانون الحق الفكري واتفاقية باريس للحق الفكري فان العلامة التجارية المشهورة عالميا يجب حمايتها من الاعتداء عليها بما في ذلك حمايتها من وجود علامات مشابهة لها, وهذا ما قرره الحكم محل تعليقنا وطبعا هذا الحكم قد صدر عام 2011م الا ان هناك حكم حديث قد صدر عن المحكمة العليا 2019م قرر ان العلامة التجارية المشهورة عالميا لا تكون محمية الا اذا تم تسجيلها فعلا لدى الجهة المختصة قانونا في اليمن .

الوجه الخامس : وجوب حماية جمهور المستهلكين في اليمن من العلامات الاسماء المماثلة والمتشابهة :

الواقع العملي في اليمن يشهد ان هناك تلاعب بل خداع وتدليس على الجمهور عن طريق العلامات والاسماء التجارية المماثلة والمشابهة التي تضلل جمهور المستهلكين وتسوق في السوق اليمنية سلعا رديئة جدا بأسماء وعلامات تجارية مشهورة عالميا, ولذلك فان هذه الظاهرة اصبحت مشكلة تهدد حياة المجتمع اضافة الى تهديدها للاقتصاد الوطني, والله اعلم.