مصادقة رئيس الجمهورية على أحكام الإعدام قصاصا

 مصادقة رئيس الجمهورية على أحكام الإعدام قصاصا

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

ينص القانون على وجوب عرض الأحكام الصادرة بالإعدام قصاصا على رئيس الدولة للمصادقة عليها قبل تنفيذها مثلما قضى الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/3/2012م في الطعن رقم (43255) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة اتهمت شخصاً بقتل آخر وقدمت الأدلة الثبوتية المقررة شرعاُ وقانوناً لإثبات القصاص، ولان واقعة القتل العمد كانت ثابتة بشهود الرؤية فقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإعدام المتهم قصاصاً وتلى ذلك قضاء الشعبة الجزائية بتأييد الحكم الابتدائي، فلم يطعن المتهم المحكوم عليه ولكن قامت  النيابة العامة بتقديم مذكرة العرض الوجوبي على المحكمة العليا وفقاً للقانون لان الحكم قضى بالإعدام، حيث درست الدائرة الجزائية مذكرة العرض الوجوبي ومن خلال ذلك خلصت الدائرة إلى إقرار الحكم الاستئنافي وقضت  في الفقرة الأخيرة من المنطوق بانه:(لاينفذ القصاص إلا بعد مصادقة رئيس الجمهورية على هذا الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : تضمين منطوق الحكم  مصادقة رئيس الجمهورية : 

لم يشترط القانون ذلك وإنما اشترط على المحكمة العليا بانها اذا حكمت بالإعدام قصاصا ينبغي عليهاً ارسال صورة من الحكم بالإعدام إلى النائب العام كي يتولى إرسالها إلى رئيس الجمهورية للمصادقة على الحكم،  حيث نصت المادة (478) إجراءات على أنه (اذا حكمت المحكمة العليا في الحكم الصادر بالإعدام أو الحد أو القصاص فعليها ارسال صورة من الحكم للنائب العام ليتولى ارساله إلى رئيس الجمهورية مع تقرير شامل عن القضية خلال عشرة أيام من تاريخ استلام الحكم من المحكمة العليا لاستصدار القرار بالمصادقة على الحكم) إلا أن تضمين منطوق الحكم فقرة تنص على أن؛ (لا ينفذ القصاص إلا بعد مصادقة رئيس الجمهورية) لم يرد ذكرها في النص القانوني السابق،علما بأن تضمين منطوق الحكم تلك لايعيب الحكم بل هو تطبيق سليم النص القانوني،مع الاشارة إلى ان احكام محكمة النقض المصرية تتضمن في منطوقها عبارة (إحالة الأوراق إلى المفتي) فالمفتي في مصر يقوم بدور المصادقة الشكلية على احكام الاعدام(عقوبةالاعدام_رسالة دكتوراة،ا.د.عبد المومن شجاع الدين،ص201).

الوجه الثاني : رفع النيابة العامة لحكم الاعدام قصاصا الى رئيس الجمهورية للمصادقة عليه : 

مع ان حق اولياء الدم في القصاص غالب إلا ان القصاص عقوبة، والنيابة العامة هي المعنية وفقاً للقانون بتنفيذ الأحكام، فالمصادقة على حكم الاعدام قصاصا من الإجراءات الواجبة اتباعها للتنفيذ، ومع ان النيابة العامة خصم قامت بالترافع نيابة عن المجتمع في مواجهة المحكوم عليه بالإعدام قصاصاً إلا أن المادة (478) إجراءات قد اناطت بها اعداد تقرير شامل عن القضية يتم ارفاقه بصورة الحكم بالإعدام قصاصا تمهيدا للمصادقة على الحكمً، حتى تتمكن الجهة المعنية بمكتب رئاسة الجمهورية من الاطلاع على الإجراءات التي تمت في القضية، وقد اناط القانون بالنيابة العامة إعداد التقرير الشامل  لان النيابة العامة تتوفر لديها كافة المستندات والأدلة والبيانات والمعلومات عن القضية بدءاً بمحاضر جمع الاستدلالات وانتهاءً بصورة حكم المحكمة العليا بإقرار حكم الإعدام قصاصاً، ولم يشترط القانون ان يشتمل التقرير الشامل على بيانات معينة وإنما اشترط ان يكون التقرير شاملاً، فذلك يعني ان تكون البيانات التي يتضمنها التقرير شاملة وذلك يقتضي تضمين التقرير ادلة واسباب ومنطوق الحكمين الابتدائي والاستئنافي واوجه الدفاع التي تمسك بها المحكوم عليه، والأمانة العلمية تقتضي القول بان تقارير النيابة العامة في هذا الشأن تكون محايدة ومنصفة مع انها كانت في الأصل خصماً للمحكوم عليه بالإعدام قصاصا. 

الوجه الثالث : وجوب مصادقة رئيس الجمهورية على حكم الإعدام قصاصاً  

يصرح قانون الإجراءات الجزائية على ان المصادقة واجبة وملزمة وانه لا يتم تنفيذ حكم الاعدام قصاصا إلا بعد صدور هذه المصادقة حيث تنص المادة (479)اجراءات على أنه (لا تنفذ الأحكام الصادرة بالإعدام أو الحد أو القصاص على المحكوم عليه إلا بعد مصادقة رئيس الجمهورية على الحكم) ومن خلال مطالعة صيغة النهي الواردة في بداية المادة (لا تنفذ الأحكام) يظهر من هذه الصيغة انها تفيد المنع والحظر,وذلك يعني أن المصادقة  على أحكام الإعدام قصاصا واجبةً. 

الوجه الرابع : صدور قرار المصادقة على حكم الإعدام قصاصاً من رئيس الجمهورية : 

عند وصول نسخة الحكم بالإعدام قصاصا الى مكتب رئاسة الجمهورية يقوم  المختصون  بالمكتب  بدراسة نسخة الحكم في ضوء ماورد في التقرير الشامل عن القضية المرفوع من النيابة حيث تقوم الدائرة المختصة لمكتب رئاسة الجمهورية  برفع نتائج الدراسة ومقترحاتها إلى رئيس الجمهورية وفي ضوء ذلك يتم اعداد قرار رئيس الجمهورية بالمصادقة على الحكم، مع للتأكيد إلى ان هذه النتائج والمقترحات تكون شكلية بالنسبة لحكم الاعدام قصاصا فهي لا تمس قضاء حكم المحكمة العليا بالإعدام قصاصاً بخلاف أحكام الإعدام الاخرى، وفي هذا المعنى نصت المادة (480) إجراءات على أن (يصدر رئيس الجمهورية قراراً بتنفيذ الحكم بالحدود أو القصاص اما الحكم الصادر بالإعدام فقد يصدر القرار بالتنفيذ أو ابدال العقوبة او بالعفو عن المحكوم عليه وعند صدور القرار بالتنفيذ يصدر النائب العام أمرا متضمناً صدور قرار رئيس الجمهورية واستيفاء الإجراءات القانونية ويجوز لرئيس الجمهورية فيما يتعلق في الحدود التي تكون العقوبة فيها الجلد أن يفوض من يراه بإصدار قرار التنفيذ) ومن خلال استقراء هذا النص نجد ان رئيس الجمهورية لا يملك تعديل الحكم بالإعدام قصاصاً بخلاف الإعدام تعزيرا،ً والواقع العملي يشهد ان رئيس الجمهورية لا يخالف أحكام الإعدام قصاصاً وإنما يقتصر دوره على ندب اولياء الدم إلى العفو أو بذل محاولات لإقناع اولياء الدم بالعفو عن القصاص وذلك جائز، الا انه لما كانت مصادقة رئيس الجمهورية على احكام الإعدام قصاصاً اجراء شكلي كما هو المتبع في العالم فانه ينبغي ان تكون المصادقة مقرونة بمدة معينة، ولذلك فاننا نوصي بان يكون هناك اجلاً محدداً لصدور مصادقة رئيس الجمهورية على الحكم بالإعدام قصاصا فاذا لم يصدر قرار المصادقة  في ذلك الاجل يكون الحكم واجب التنفيذ بقوة القانون حتى لو لم يصادق رئيس الجمهورية على الحكم كما هو الحال بالنسبة للقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية خلال مدة معينة فان لم يقم بذلك تكون نافذة بقوة الدستور حتى لايتم استغلال هذه الوضعية في تعطيل الاحكام الباتة بالاعدام قصاصا  عن طريق عدم المصادقة عليها الى أجل غير مسمى، وتحديد أجل للمصادقة على احكام الاعدام هو المتبع في غالب الدول فمثلاً مصر فان إحالة الأوراق إلى المفتي إجراء شكلي إذ ينبغي على المفتي ان يوافق على حكم الاعدام خلال ثلاثين يوما من وصول صورة الحكم اليه وإلا يكون ينفذ الحكم بعد انقضاء هذه المدة، مع الاشارة إلى ان القانون لم يشترط في قرار رئيس الجمهورية شكلاً معيناً كما لم يشترط تضمينه بيانات معينة فأقصى ما اشترط القانون هو صدور قرار من رئيس الجمهورية، والواقع العملي يشهد على ان قرارات رئيس الجمهورية بالمصادقة على احكام الإعدام قصاصاً تتضمن رقم القرار وتاريخه واسانيد القرار كالحكم الصادر من المحكمة العليا واحالة المحكمة العليا للحكم والتقرير الشامل المرفوع من النائب العام ونتائج وتوصيات المختصين برئاسة الجمهورية ويذيل القرار بتوقيع رئيس الجمهورية وختم الرئاسة وتاريخ صدور القرار غير أن هذا القرار لايتم اعلانه أو نشره في الجريدة الرسمية.

الوجه الخامس : الأساس الشرعي لمصادقة رئيس الجمهورية على حكم الإعدام قصاصاً : 

تتأسس هذه المصادقة على الاثر المقبول لدى جميع الفقهاء وهو (اربع للسلطان الزكاة والحدود القصاص والجمعة) وفي روايات يتم ذكر الفئ بدلا عن الجمعة،  وان كان هذا الاثر فيه مقال عند رجال الحديث إلا أنه مقبول عند الفقهاء حيث اتفقوا على اسناد هذه الأربع إلى ولي الامر أو السلطان أو الإمام او رئيس الجمهورية، فهذه المسائل الاربع المسندة إلى رئيس الجمهوربة هي الاذن بإجراء القصاص والحدود ودفع الزكاة إلى الدولة والدعاء لولي الأمر في صلاة الجمعة ، فالفقهاء متفقون على وجوب إذن السلطان أو امام المسلمين أو رئيس الجمهورية  على اجراء القصاص (عقوبة الإعدام، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، رسالة دكتوراة مطبوعة صـ220) والله اعلم. 



الاسعدي للطباعة ت: 772877717