تأييد اسباب الحكم المطعون فيه مانع من
تعديل منطوقه
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
اذا
تضمنت اسباب حكم محكمة الطعن الموافقة
والتأييد المطلق لأسباب الحكم المطعون وقضت باعتبار أسباب الحكم المطعون
فيه اسباباً لحكم محكمة الطعن(أي المحكمة التي يتم الطعن في الحكم امامها) فان
موافقةً محكمة الطعن على أسباب الحكم الطعين
يمنع محكمة الطعن من تعديل منطوق الحكم الطعين، فعندئذ لا يكون امام محكمة
الطعن الا تأييد الحكم الطعين بكل فقراته حسب ما قضى به الحكم محل تعليقنا وهو
الحكم الصايدر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
29/5/2012م في الطعن رقم (43489) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
المحكمة الابتدائية حكمت على المتهمين الثلاثة المتمالئين على القتل بالحبس ثمان
سنوات في الحق العام لعدم ثبوت القصاص بأدلته الشرعية، فقامت النيابة العامة
باستئناف الحكم الابتدائي وكذا قام اولياء الدم باستئناف الحكم، فتوصلت الشعبة
الجزائية إلى الموافقة على أسباب الحكم الابتدائي بعدم توفر الأدلة الشرعية الموجبة للقصاص وثبوت تمالؤ الثلاثة المتهمين وتضمنت اسباب الحكم الاستئنافي
اعتبار اسباب الحكم الابتدائي اسباباً للحكم الاستئنافي، ولكن الحكم الاستئنافي
قضى في منطوقه بتعديل أحدى فقرات الحكم الابتدائي المتعلقة بمدة الحبس لاحد
المتهمين من ثماني سنوات إلى ست لانه لم يكن معه سلاح ناري اثناء واقعة القتل في
حين ان سبب الوفاة هو طلقة نارية، فقامت النيابة واولياء الدم بالطعن بالنقض في
الحكم الاستئنافي، وقد قضت الدائرة الجزائية بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد في
اسباب حكم المحكمة العليا (اما ما نعاه الطاعنون على الحكم الاستئنافي لتعديله
عقوبة الحبس إلى ست سنوات، فالدائرة تجد ان هذا النعي في محله لان الشعبة بعد ان
بينت في حيثيات حكمها سلامة الحكم الابتدائي وسلامة اسبابه واعتبرتها جزءاً من
اسبابها عادت وناقضت ذلك في منطوقها بتعديل العقوبة وتخفيضها فذلك قصور في التسبيب
يترتب عليه بطلان الحكم حيث يستوجب القانون تسبيب الأحكام وان لا تتناقض تلك
الاسباب مع المنطوق، وحيث والحال كذلك وان الاسباب غير متوفرة في حيثيات الحكم
المطعون فيه فان ذلك يقتضي تصدي هذه المحكمة لتصحيح الخطأ الذي وقعت فيه الشعبة
الاستئنافية والحكم وفقاً للقانون واستناداً إلى المادة (443) إجراءات ونظرا
لسلامة الحكم الابتدائي فيما قضى به في منطوقه ولإتفاق اسبابه مع احكام الشريعة
الإسلامية والقانون فان الدائرة تحكم بنقض الحكم الاستئنافي وإقرار الحكم
الابتدائي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : تناقض
الحكم الذي يقضي بسلامة اسباب الحكم المطعون فيه واعتبارها اسباباً له ثم يحكم
بتعديل الحكم المطعون فيه :
قضى الحكم محل
تعليقنا بان الحكم الذي يقضي بتأييد اسباب الحكم المطعون فيه وسلامة اسبابه
وإعتبارها جزءاً من اسبابه يكون متناقضاً اذا قضى بعد ذلك بتعديل منطوق الحكم الذي
سبق له ان قضى بتأييد اسبابه، لان الحكم بعد ذلك بتعديل منطوق الحكم المطعون فيه
يكون الحكم متناقضاً، وهذا التناقض يبطل
الحكم، إضافة إلى ان ذلك قصور في التسبيب يبطل الحكم أيضاً حسبما ورد في الحكم محل
تعليقنا، ولذلك يمتنع على محكمة الطعن تعديل منطوق الحكم إذا سبق لها ان أيدت اسبابه،
فعلى محكمة الطعن اذا ما ارادت تعديل منطوق الحكم المطعون فيه ان لا تؤيد كل اسباب
الحكم المطعون فيه إذ ينبغي في هذه الحالة
أن تصرح لأنها لاتوافق على الاسباب المتصلة بفقرة المنطوق التي تريد تعديلها كما
ينبغي في هذه الحالة ان تضع اسبابا كافية وسائغة تبرر تعديلها لمنطوق الحكم
المطعون فيه (المرصفاوي في الإجراءات الجزائية، استاذنا الدكتور حسن صادق
المرصفاوي، صـ1218).
الوجه الثاني : جواز
اعتبار محكمة الطعن اسباب الحكم المطعون فيه اسباباً لحكمها :
من المقرر في القانون
والقضاء انه يجوز لمحكمة الطعن ان تعتبر اسباب الحكم المطعون فيه اسباباً لحكمها
طالما وقد اقتنعت محكمة الطعن بصحة وسلامة إجراءات الحكم المطعون فيه وصحة اسبابه
ومنطوقه وترجح لديها تأييد أو إقرار الحكم المطعون فيه، لان دور محكمة الطعن أصلاً
ليس الغاء أو نقض الأحكام وإنما الرقابة على سلامة الإجراءات التي اتبعتها المحكمة
التي أصدرت الحكم وصحة اسبابها ومنطوق احكامها وموافقتها للقانون، فاذا وجدت محكمة
الطعن الحكم المطعون فيه موافقاً للقانون لا يحتاج إلى إصلاح او تعديل فلا تثريب
على محكمة الطعن عندئذ ان تؤيد الحكم او تقره من غير حاجة لان تضع اسباب جديدة ويكفي
ان تذكر محكمة الطعن في حكمها: انها مقتنعة بأسباب الحكم المطعون فيه وانها وجدتها
سليمة وموافقة للقانون.
الوجه الثالث : سلطة
المحكمة العليا في نقض الحكم الاستئنافي وإقرار الحكم الابتدائي :
من خلال مطالعتنا
للحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بنقض الحكم الاستئنافي وفي الوقت ذاته اقر الحكم
الابتدائي بدلاً عنه، وما قضى به الحكم محل تعليقنا يتفق مع وظيفة المحكمة العليا
ومركزها القانوني في الرقابة على التزام احكام المحاكم الادنى بالقانون فيحق لها
ارشاد وتوجيه المحاكم الادنى بإصلاح الاخطاء والعيوب التي تشوب احكامها كما يحق
للمحكمة العليا إقرار الحكم الموافق للقانون، وعلى هذا الاساس يحق لها ان تقر
الحكم الابتدائي اذا وجدته موافقاً للقانون وكان الحكم الاستئنافي مخالفاً للقانون
،فلا حرج عليها إن صنعت ذلك لان إقرار المحكمة العليا لأي من الحكمين الابتدائي
والاستئنافي لا يحتاج إلى بحث وتحقيق موضوعي تجريه المحكمة العليا، فضلاً عن ان
قيام المحكمة العليا بإقرار الحكم الابتدائي في هذه الحالة يتفق مع مبدأ الاقتصاد
في إجراءات التقاضي وعدم الهدر الإجرائي، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717