إثبات جريمة بيع عملة أجنبية مزيفة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تتعدد جرائم تزييف
العملات فهناك جريمة صنع العملة المزيفة او فعل تزييف العملة وجريمة حيازة العملة
المزيفة وجريمة طرح العملات المزيفة للتداول وجريمة التعامل او تداول العملات
المزيفة كما علم المتعامل بتزييف العملة او عدم علمه اثناء تعامله له تاثير في
وجود الجريمة اضافة الى ان هذه الجرائم تتداخل مع بعضها ففي بعض الاحيان يكون
الفاعل لكل هذه الجرائم شخصا واحدا، وفي بعض
الاحيان يكون الفاعل لكل جربمة من هذه الجرائم اشخاصاً مختلفين عن بعضهم ، وفي هذا
السياق تظهر اشكاليات عملية عدة من اهمها اشكالية اثبات واقعة طرح او تداول العملة
المزيفة لسرعة تداول العملة من يد الى يد ومن مكان الى مكان وصعوبةنسبة العملة
المزيفة الى شخص بعينه ؛ فهذه المسائل تحتاج الى التوعية بشأنها ولفت الانظار
اليها، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/2/2010م في الطعن الجزائي رقم (40336) لسنة
1430هـ وتتلخص وقائع هذه القضية ان النيابة العامة احالت احد المتهمين الى المحكمة
بانه قد قام بطرح عملة ورقية اجنبية مزيفة وهي فئة (500) ريال سعودي وطلبت النيابة
من المحكمة معاقبة المتهم بالعقوبة المقررة في المادة (204) عقوبات، وقد سارت
المحكمة في اجراءات نظر القضية حتى توصلت الى الحكم برفض دفع المتهم بعدم صلته
بالعملة المزيفة وإدانة المتهم بارتكاب
الجريمة المنسوبة له في قرار الاتهام وحبسه مدة سنة ونصف من تاريخ القبض عليه وذلك
في الحق العام والزام المتهم بإعادة المبالغ التي اخذها من المدعي المدني الأول
قيمة الف وخمسمائة ريال سعودي وإعادة المبالغ التي تقاضاها من المدعي المدني
الثاني وهو مبلغ الفا ريال سعودي، فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام
باستئنافه إلا أن الشعبة الاستئنافية رفضت استئنافه وقضت بتأييد الحكم الابتدائي،
وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي (ان المتهم قد ذكر في عريضة استئنافه وفي اثناء
سير اجراءات المحاكمة بانه منكر للاعتراف المنسوب له بارتكاب الجريمة واضاف بان
الادلة على ارتكابه للجريمة منعدمة وانه لا صلة له بالعملة المزيفة، ومن خلال
الرجوع الى اوراق القضية فقد تبين للشعبة بان تلك الاقوال عبارة عن تعليلات
عليلة وتكرار لما سبق ولا تأثير لها
بالنسبة لثبوت التهمة قبله من خلال اقواله في محضر جمع الاستدلالات علاوة على
محاضر الضبط الاخرى ومحضر تحريز العملة المزيفة وبقية الاقوال والشهادات المثبتة
في قائمة ادلة إثبات الواقعة وتعاملاته بالعملة المزيفة ومنها اقوال وشهادات خمسة
شهود اثبتت مع ثبوت سبق تعدد تعاملات المتهم بالعملة السعودية المزيفة كما ان بعض
الناس كانوا يعيدوا الى المتهم العملات المزيفة عندما يكتشفون ذلك ويستعيدون من
المتهم قيمتها التي دفعوها بالعملة اليمنية وقد حضر بعض هؤلاء الى المحكمة حيث
كانت اقوالهم على سبيل الشهادة ولم يدعوا بالحق المدني على المتهم حسبما ذكر
المتهم في استئنافه فقد تساندت تلك الادلة والقرائن في اثبات التهمة المنسوبة
للمتهم واستحقاقه للعقوبةالمقررة قانونا، ولذلك فان ما دفع به المتهم في غير محله
ولا يعفيه من المسئولية والعقوبة لما ترتب على افعاله وتصرفاته من اضرار جسيمة على
المجتمع واقتصاد البلاد) فلم يقنع المتهم بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه
بالنقض، الا ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في
اسباب حكم المحكمة العليا ( بالرجوع الى اوراق القضية مشتملات الملف فقد تبين
للدائرة ان الطاعن قد اثار في اسباب طعنه المسائل الموضوعية التي سبق له ان اثارها
امام محكمة الموضوع التي ناقشتها وفصلت فيها حسبما هو مبين في اسباب الحكم المطعون
فيه مما يقتضي رفض طعنه؛) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : إشكالية إثبات جرائم تزييف العملة :
العملة تتداولها الايدي
بسرعة حيث تنتقل من شخص الى اخر ومن مكان الى اخر بسرعة فائقة، فيصعب الاستدلال
على الجهة أو الشخص اوالاشخاص الذين قاموا بطرح العملة المزيفة للتداول ولذلك يسهل
للمتهمين التنصل من التهم المسندة اليهم، فقد لاحظنا في القضية التي تناولها الحكم
محل تعليقنا ان المتهم قد نفى صلته بالنقود المزيفة وكان سيفلت من المسالة لو لم
تكن الادلة قد تساندت في اثبات التهمة المسندة له في قرار الاتهام وهي طرح عملة
اجنبية مزيفة للتداول.
الوجه الثاني : تداخل جرائم تزييف العملة وتعددها
وتوصيتنا للمقنن :
الواقع ان تزييف
العملة يتضمن جرائم عدة فهناك جريمة التزييف للعملة وهي عبارة عن قيام شخص او
اشخاص باصطناع عملات مماثلة لعملة رسمية، فبمجرد طباعة العملة المزيفة تقع هذه
الجريمة سواء طرحها بعد ذلك للتداول ام لا مع تحفظنا على اشتراط القانون اليمني
توفر قصد استعمال العملة المزيفة لدي المزيف عند صنعه للعملة المزيفة ؛ كما ان
هناك جريمة طرح العملة المزيفة للتداول عن طريق قيام المزيف نفسه بصرفها او بيعها
او شراء مواد واشياء بها كما قد يقوم المزيف بإسناد مهمة تصريف الكمية المزيفة الى
اشخاص اخرين، كما ان تداول العملة المزيفة وحيازتها يعد جريمة اذا كان المستعمل
لها يعلم انها مزيفة او يكون بوسعه اكتشاف تزييفها حتى ولو لم تكن للحائز او
المستعمل لها علاقة بالصانع لها او الذي قام بترويجها او طرحها للتداول ؛ حتى لو
انتقلت الى الحائز او المستعمل بطريق مشروع كالبيع والشراء طالما وانه قد اكتشف
انها مزيفة، ولا ريب ان عقوبات التزييف تتفاوت بحسب اختلاف جرائم التزييف، التي
اشار اليها الحكم محل تعليقنا؛وفي هذا المعنى نصت المادة (204) عقوبات على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات كل من
صنع او زيف عملة معدنية او ورقية متداولة في البلاد قانوناً او في دولة اخرى وكان
ذلك بقصد التعامل بها ويعاقب بذات العقوبة من لم يساهم في اصطناع العملة او
تزييفها ولكنه مع علمه بحقيقتها ادخلها البلاد او طرحها في التداول او حازها بقصد
التعامل بها اما من قبل بحسن نية عملة معدنية مصطنعة او مزيفة ثم تعامل بها بعد
علمه بحقيقتها فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر او بالغرامة) ومن خلال
استقراء هذا النص وتطبيقه على الحكم محل تعليقنا نجد الاتي :
1- ان التهمة المسندة
للمتهم هي طرح عملة اجنبية مزيفة للتداول ومع ان النص القانوني قد صرح بان الذي
يقوم بطرح عملة مزيفة للتداول يعاقب بعقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على عشر سنوات
الا ان حكم محكمة الموضوع قد اكتفى بمعاقبة المتهم بطرح العملة المزيفة للتداول
بالحبس مدة سنة ونصف وهي تقل عن خمس الحد الاعلى للعقوبة، وهذا تساهل مع هذه
الجريمة الخطيرة.
2- النص القانوني قد
اشترط لقيام جريمة اصطناع وتزييف العملة ان يكون ذلك بقصد استعمالها وهذا الشرط
يفتح الباب واسعاً لادعاء المتهمين في هذا الفعل للادعاء بعدم قصدهم استعمال
العملات المزيفة، وبالطبع فان النص القانوني كان يقصد نفي الجريمة على اصطناع
العملة لغير استعمالها في التداول كأن يكون الغرض من الاصطناع التعريف بالعملة او
وضعها في بحث او كتاب او محاضرة او اعلان علماً بان هذا لا يعد اصطناعاً او
تزييفاً لان تصوير العملة في مقالة او اعلان او بحث لا يكون تزييفاً او تقليداً،
اما تزييف العملة او اصطناعها فهو جريمة سواء كان قصد الجاني من ذلك استعمالها في
التداول ام لا، ولذلك نوصي المقنن بإعادة صياغة المادة المشار اليها لتلافي اوجه
القصور في هذا النص بحيث تحل عبارة (ولا يعد تصوير العملات في الكتب والاعلانات من
افعال جريمة اصطناع او تزييف العملات) وذلك بدلاً من عبارة (وكان ذلك بقصد التعامل
بها).
الوجه الثالث : كيفية
إثبات جريمة تزييف العملة :
اشرنا
فيما سبق الى اشكالية اثبات جرائم تزييف العملة خاصة جريمة طرح وتداول العملة
المزيفة لسرعة تناقلها بين الاشخاص والاماكن المختلفة، وقد كانت الجريمة التي قضى
فيها الحكم محل تعليقنا هي جريمة طرح عملة مزيفة للتداول حيث قام المتهم بيع
العملة المزيفة لشخصين مقابل الريال اليمني (عقد صرف) كما قام ببيع العملة
المزيفة لمجموعة أشخاص اكتشف بعضهم
التزييف حيث اعادوا العملة المزيفة الى المزيف واستعادوا المبالغ التي دفعوها
للمزيف مقابل العملة المزيفة، كما ان المزيف قد قام بشراء بعض السلع بالعملة
المزيفة وقد اكتشف بعض البائعين ان العملة
التي دفع بها المزيف القيمة كانت مزيفة وربما هناك أشخاص اخرين اشترى منهم المتهم
سلع ودفع قيمتها بالعملة المزيفة ولم يكتشفوا ان العملة مزيفة كما انه يحتمل ان
يكون المتهم قد صرف لبعض الاشخاص بالعملة المزيفة ولم يكتشف هؤلاء ان العملة التي
اشتروها مزيفة، ومن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد اعتمد على شهادات
خمسة شهود شهدوا بان المتهم كان يتعامل بالريال السعودي حيث يقوم بصرفه مقابل
الريال اليمني كما انه كان يقوم بشراء احتياجاته بالريال السعودي كما شهد شخصان
بان المتهم قد باعهما عملة سعودية مزيفة
وانهما قد اعادا تلك العملة الى المتهم واخبروه انها مزيفة فأخذها منهم واعاد
اليهما القيمة بالريال اليمني التي دفعوها لشراء العملة السعودية المزيفة وذلك
دليل على انه كان يعلم ان العملة التي لديه مزيفة اضافة الى أقواله في محاضر جمع
الاستدلالات ان المبالغ التي تم اكتشاف تزييفها وهي مبلغ خمسة الاف ريال سعودي
انها تخصه وانه الذي طرحها للتداول حيث
قام بشراء بعض الاشياء بجزء من ذلك المبلغ وصرف البعض الاخر من المبلغ مقابلوبيعها
بالريال اليمني، وقد قرر الحكم الاستئنافي ان تلك الادلة تتساند مع بعضها في اثبات
التهمة المسندة للمتهم وان تلك الادلة كافية في إثبات التهمة واستحقاق المتهم
للعقوبة المقررة قانوناً.
الوجه الرابع : حجية
محاضر الاستدلالات في اثبات جريمة طرح العملة المزيفة للتداول :
نصت
المادة (98) اثبات على ان (المحررات الرسمية هي التي يثبت فيها موظف عام او شخص
مكلف بخدمة ما ماتم على يديه في حدود
اختصاصهم او ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك
طبقاً للاوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه) وتقرر المادة (100)
إثبات على ان (المحررات الرسمية حجة بما جاء فيها من امور قام بها محررها في حدود
مهمته الرسمية او وقعت من ذوي الشأن في حضوره وذلك مالم يثبت تزويرها بالطرق
المقررة قانوناً) ووفقاً للنصين السابقين فان محاضر جمع الاستدلالات تعد محررات
رسمية بموجب قانون الاثبات ؛لان هذه المحاضر صادرة من مأموري الضبط القضائي وهم
موظفون عموميون مختصون؛ حيث نصت المادة (91) اجراءات على ان (مأموروا الضبط
القضائي مكلفون باستقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها وفحص البلاغات والشكاوى وجمع
الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بها وإثباتها في محاضرهم وارسالها الى النيابة
العامة) وفي السياق ذاته نصت المادة (92) اجراءات على انه (على رجل الضبط تدوين كل
ذلك في محضر التحري وجمع الاستدلال ويوقع عليها هو والشهود الذين سمعهم والخبراء
الذين استعان بهم) ومع ان محاضر جمع الاستدلالات محاضر رسمية إلا انها في حجيتها
ادنى من محاضر التحقيق الذي تجريه النيابة العامة لان اعترافات المتهم في محاضر
التحقيق تكون اعترافات قضائية لانها تمت امام قاضي وجهة قضائية بخلاف محاضر جمع
الاستدلالات، الا ان محاضر التحقيق ومحاضر جمع الاستدلالات لا تكون ملزمة للقاضي
الجزائي الذي يملك اجراء التحقيق النهائي اما تحقيق النيابة العامة فهو تحقيق
ابتدائي، ولذلك فان القاضي لا يكون ملزماً بما ورد في محاضر التحقيق الابتدائي او
محاضر جمع الاستدلال، ولذلك فقد لاحظنا ان الحكم الاستئنافي قد اعمل مبدأ تساند
الادلة كالشهادات والقرائن ومحاضر جمع الاستدلالات في ادانة المتهم والحكم عليه
بالعقوبة المقررة قانوناً؛ والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717