التحكيم في حق اليد في أرض الوقف
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من المقرر شرعاً
وقانوناً عدم جواز التحكيم في أرض الوقف أي حق ملكية الوقف، غير انه من الجائز
التحكيم في النزاع الذي ينشأ بين المستاجرين من الوقف على حق اليد على أرض الوقف
أي حق الانتفاع في أرض الوقف حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/10/2017م في الطعن رقم (59184) وتتلخص وقائع
النزاع الذي تناوله هذا الحكم ان المستأجر من الوقف اختلف مع مستأجر آخر من الوقف
بشأن حدود الأرضيتين المستأجرتين من قبلهما من الأوقاف، حيث قاما بتحكيم هيئة
تحكيم مكونة من ثلاثة محكمين، وأمام هيئة التحكيم ادعى احد المستأجرين بأن
المستأجر الآخر قد اغتصب مساحة لبنتين من الأرض المؤجرة له من الأوقاف، وقد توصلت
هيئة التحكيم إلى الحكم بقبول الدعوى والزام المدعى عليه بإطلاق اللبنتين أو تعويض
المدعي عنهما بسعر الزمان والمكان، فقام المدعى عليه بتقديم دعوى بطلان حكم
التحكيم على أساس ان الأرض وقف وأنه لا يجوز التحكيم في أرض الوقف فقبلت الشعبة
المدنية دعوى البطلان وابطلت حكم التحكيم، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي
(تبين للشعبة ان الأرض محل النزاع من أموال الأوقاف وان الطرفين مستأجرين من
الأوقاف، ومن المعلوم فقهاً وقضاءً أن الأجير لا يحق له ان يمثل أو ينيب نفسه في
أي دعوى أو منازعة مع الغير في العين المستأجرة لانه غير ذي صفة فالصفة لا تكون
إلا لصاحب الولاية العامة وهي وزارة الأوقاف مما يعني انه لا يحق للأجير التحكيم
لعدم الصفة عملاً بالمادة (89) من قانون الوقف التي تنص على ان تقوم وزارة الأوقاف
باعتبارها صاحبة الولاية العامة بالإشراف والرقابة على الأوقاف) فقام المدعى عليه
بالبطلان بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت
الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (والدائرة بعد دراسة
الأوراق وجدت أن مناعي الطاعن سديدة ،فحكم التحكيم لم يمس حق الوقف في ملكيته
للرقبة، فمحكمة الاستئناف قد جانبت الصواب إذ أن الطرفين مقران بملكية الوقف
للرقبة فخلافهما قاصر على منفعتهما أو انتفاعهما بأرض الوقف وقدر الأرض المؤجرة
لكل منهما) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : عدم جواز التحكيم في ملكية رقبة الوقف :
يصرح قانون التحكيم
في المادة (5) فقرة (د) على عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح،
وتصرح المادة (671) مدني بانه (لا يصح الصلح ممن لا يملك التبرع كالصبي المأذون له
وولي الصغير وناظر الوقف إلا اذا كان مدعى عليه ولدى المدعي بينة وحكم له أو اذا
كان الناظر مدعي والمدعى عليه منكر وليس لدى المدعي بينة) وبما انه لا يجوز الصلح
في ملكية الوقف حسبما ورد في هذا النص فانه لا يجوز التحكيم في أصل مال الوقف أو
ملكبة الرقبة حسبما ورد في المادة (5) فقرة (د) من قانون التحكيم ، ويرجع عدم جواز
الصلح في مال الوقف إلى أن ناظر الوقف يقتصر عمله على ادارة مال الوقف وحمايته
والمحافظة عليه لان المالك للوقف حقيقة هو الله سبحانه وتعالى فلا يجوز التصرف
الناقل لملكية الوقف الذي يظل لله سبحانه وتعالى حتى يرث الله الأرض ومن عليها
حسبما يرد في الوقفيات، فلا يجوز لمتولي الوقف أو ناظر الوقف الصلح على الوقف لان
في الصلح اسقاط لبعض مال الوقف وذلك غير جائز، والتحكيم وان كان لا يتضمن الاسقاط
لان المحكم كالقاضي يحكم بالحق فلا يسقط منه إلا أن التحكيم مثل الصلح من حيث قلة
الضمانات التي تحفظ مال الوقف اذا تم التحكيم بشأنه بخلاف القضاء.
الوجه الثاني : ماهية اليد العرفية على أرض الوقف :
جرت العادة على
انتقال أموال الوقف من شخص إلى آخر عن طريق بيع حق المنفعة في أرض الوقف حيث تعارف
الناس على بيع منفعة الأرض المؤجرة لهم من الأوقاف ودفع ثمن حق المنفعة إلى
المستأجر السابق البائع فيقتصر البيع على حق المنفعة دون الرقبة، فبعد شراء حق
اليد يذهب المشتري إلى الأوقاف للحصول على (المأذونية) وعقد الإيجار حيث يحل
المشتري محل البائع المستاجر السابق، وهذا ما يطلق عليه في اليمن حق اليد العرفية،
وقد قمنا بالتعليق على مدى شرعية ومدى قانونية حق اليد والعناء في تعليقات سابقة،
ويتم البيع والشراء لمنفعة أراضي الوقف في كل انحاء اليمن وبأسعار تقارب سعر الأرض
الحر، ويذكر في وثائق البيع أن البيع قاصر على حق اليد،ويتم توثيق وتسجيل هذه
التصرفات من قبل الجهات المختصة.
الوجه الثالث : مدى جواز التحكيم في منفعة الوقف (حق اليد) :
اجاز الحكم محل
تعليقنا التحكيم في الحق في الانتفاع بمال الوقف (حق اليد) على أساس ان هذا
التحكيم لا ينصرف إلى ملكية الرقبة أو اصل مال الوقف لان البائع والمشتري أو
المحتكم في منفعة الوقف مقر ومعترف بان أصل الأرض أو ملكية رقبتها هي للأوقاف وليس
له فيها الا حق الانتفاع ،فمحل التحكيم وموضوعه في هذه الحالة ليس ملكية الرقبة في
مال الوقف وإنما حق الانتفاع في تلك الأرض، وطالما ان الانتفاع في أرض الوقف حق
قابل للانتقال فهو قابل للتصرف والمحتكم يملك التصرف فيه، فانه يجوز التصالح
والتحكيم فيه حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.