الموظف لا يتحمل الخطأ في احتساب مدة خدمته

 

الموظف لا يتحمل الخطأ في احتساب مدة خدمته

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

البيانات والمعلومات عن الموظفين في الدولة تشوبها اخطاء كثيرة اضافة الى انها متضاربة ومتناقضة, ويرجع ذلك الى عدم وجود قاعدة بيانات عامة وطنية موثوق بها. اضافة الى وجود مستندات وبيانات  متضاربة في ملفات الموظفين وملفات وسجلات الجهة التي يتبعها الموظف او الجهات ذات العلاقة كالخدمة المدنية والتامينات, ولذلك تقع الجهة التي يعمل بهاالموظف في اخطاء عدة في  احتساب مدة خدمة الموظف سواء عند ترقيته او تسوية وضعه الوظيفي او عند احالته للتقاعد او عند احتساب معاشه التقاعدي, وهذه الاخطاء شائعة في اليمن تحتاج الى بيان موقف القضاء اليمني منها ونظرته اليها, ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/12/2010م في الط الاداري رقم (41190) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ان احدى الجهات الحكومية قامت  بإحالة موظف قبل بلوغ  خدمته الوظيفية (35) سنة فعليةحيث احالته قبل ذلك باربع سنوات وكان اخر راتب يتقاضاه ذلك الموظف قبل احالته للتقاعد  سبعة واربعين الف ريال وبعد احالته للتقاعد تم انقاص معاشه التقاعدي الى تسعة وعشرين الف ريال ولذلك قام هذا الموظف برفع الدعوى مطالبا باحتساب معاشه التقاعدي على اساس اخر راتب كان يتقاضاه في اثناء عمله في الوظيفة العامة وهو سبعة واربعون الف ريال وقد اختصم الموظف المدعي في دعواه الجهة التي كان يعمل فيها وهيئة التأمينات والمعاشات بالإضافة الى وزارة الخدمة التي اصدرت فتاوى متناقضة بشأن مدة خدمته (اربع فتاوى) وحين رد هذه الجهات على دعوى الموظف المتقاعد افادت بانه قد تم التعامل معه طوال فترة خدمته الوظيفية على اساس مدة خدمته التي تم احالتها للتقاعد بموجبها وان الموظف قد حصل على تسويات وترقيات اثناء خدمته على اساس هذه المدة التي تم احتسابها. ومن خلال المساجلة بين الخصوم ظهرلمحكمةاول درجة حصول خطأ في احتساب مدة خدمة الموظف ترتب عليه احالته للتقاعد مبكرا قبل المدة المقررة قانونا باربع سنوات وكذا الخطأ في احتساب معاشه التقاعدي ولذلك حكمت محكمة اول درجة باستحقاق الموظف المتقاعد لمعاش تقاعدي مساوي لآخر راتب وظيفي كان يتقاضاه قبل احالته للتقاعد (سبعة واربعون الف ريال) كما حكمت المحكمة بإعادة الفوارق الى الموظف اي الفوارق بين السبعة والاربعين الف والتسعة والعشرين الف وبالإضافة الى ذلك فقد حكمت محكمة اول درجة بقيام الجهات الثلاث التي اختصمها الموظف المتقاعد بتعويض الموظف كل جهة على حدة بمبلغ مائتين الف ريال لإحالة الموظف الى التقاعد قبل المدة المقررة بأربع سنوات حيث فسر الحكم الشك لمصلحة الموظف المتقاعد فاختار الحكم الفتوى الصادرة اخيرا من الخدمة المدنية واهدر الثلاث الفتاوى السابقة لها التي لم تكن في صالح الموظف كذلك فسرالحكم المستندات المتناقضة الاخرى لصالح الموظف ,الا ان الجهات الثلاث لم تقبل بالحكم الابتدائي حيث قامت باستئنافه فأيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي باستثناء الفقرة التي قضت بازام الجهات الثلاث بتعويض الموظف بتلك المبالغ على اساس ان الموظف لم يطلب ذلك وان التعويض قضاء بما لم يطلبه الخصوم, فلم تقنع الجهات الثلاث حيث بادرت الى الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام الدائرة الادارية التي اقرت الحكم الاستئنافي مسببة حكمها بانه (من حيث ما تنعيه الطاعنة بان الحكم المطعون فيه قد خالف المادة (20) م قانون التأمينات حينما احتسب   مدة خدمة المطعون ضده الفعلية على اساس المستندات الثابتة في ملف خدمته الدالة من وجهة نظر الطاعنة على ان خدمة المطعون ضده الفعلية تبدأ من تاريخ 1/1/1965م وحتى تاريخ 1/1/2000م وهو تاريخ صدور الفتوى الاولى من الخدمة المدنية وانه اذا تم اعادة الاستقطاعات حسبما قضى الحكم المطعون فيه فإن ذلك يخالف المادتين (13و14) من اللائحة التنفيذية لقانون التأمينات والدائرة تجد ان ما قامت به محكمة الموضوع بشأن احتساب مدة الخدمة الفعلية للمطعون ضده يعد تصحيحا للخطأ الذي وقعت فيه الطاعنة قبل رفع الدعوى امام محكمة اول درجة ولذلك فان النعي من الطاعنة بمخالفة القانون غير ذي اساس قويم وفقا للقانون ولما هو ثابت في اوراق القضية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الأول : اسباب الخطأ في احتساب  سنوات الخدمة :

اشار الحكم محل تعليقنا الى هذه الاسباب وهي تناقض المستندات الموجودة في ملف الموظف  وتلك المستندات والسجلات الموجودة لدى الجهة التي يتبعها الموظف اوتلك التي تطلبها الجهة التي يعمل بها الموظف, حيث تطلب هذه الجهة من الجهات المعنية الاخرى مستندات او بيانات عن الموظف المزمع احالته للتقاعد فتقدم تلك الجهات كالخدمة المدنية وهيئة التأمينات مستندات وبيانات تزيد من التناقض والتضارب في البيانات الخاصة بالموظف المزمع احالته للتقاعد مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فقد وردت عن الخدمة المدنية اربع فتاوى متناقضة فيما بينها, اضافة الى ان الديوان العام للوزارة او المركز الرئيسي للهيئة يقدما بيانات ومستندات تتناقض مع تلك التي يقدمها الفرع التابع له علاوة على ان الموظف نفسه يقدم بيانات ومستندات متناقضة منها البطاقة الشخصية التي يتفاوت عمر الموظف فيها بين بطاقة واخرى وبين وثيقةواخرى. اضافة الى اختلاف اجتهادات المختصين في شئون الموظفين في الجهة التي يعمل بها الموظف او في الخدمة المدنية او هيئة التأمينات فيما يتعلق باستنباط البيانات والمعلومات من  المستندات التي يتم الاعتماد عليها في تحديد مدة الخدمة او عمر الموظف المطلوب احالته للتقاعد .فبعض الموظفين يعتمد على المستندات المقدمة من الموظف. فبعض الموظفين يعتمد على المستندات والافادات المقدمة من الخدمة المدنية او هيئة التأمينات كما ان بعض الموظفين يعتمد على محرر بعينه مثل قرار تعيين الموظف المطلوب احالته للتقاعد في حين موظف اخر يعتمد على محرر او وثيقة اخرى كشهادة الخبرة او اخلاء الطرف.

الوجه الثاني : موقف قانون الخدمة المدنية من تضارب البيانات المؤدية الى الخطأ في احتساب مدة الخدمة :

احال قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية الى قانون التامينات والمعاشات فيما يتعلق بكيفية احتساب مدة الخدمة حسبما ورد في المادة 118 من قانون الخدمة الا ان الخدمةولائحته حددا الوثائق المطلوبة عند تعيين الموظف او نقله من جهة الى اخرى وفي الوقت ذاته قرر هذا القانون ان الوثائق المقدمة من الموظف عند تعيينه هي المعتمدة التي ينبغي معاملة الموظف مستقبلا بموجب البيانات الواردة فيها, وهذا يودي بدوره لمشكلة تضارب البيانات الوظيفية التي تفضي الى اخطاء عدة مضرة بالموظف او بالوظيفة العامة مثلما حصل في القضية التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا,كما ان قانون الخدمة ولائحته التنفيذية لم يحددا اوجه الاستدلال بالبيانات الواردة  في كل وثيقة من الوثائق المقدمة من الموظف ومن ذلك سن الموظف الذي يتم الاعتماد في تحديده على البطاقة الشخصية مع ان الوثيقة التي يجب الاعتماد عليها بموجب قانون الاحوال المدنية هي شهادة الميلاد لأنها الوثيقة الاصلية لإثبات العمر, اما البيانات الاخرى ومنها مدة الموظف فلم يحدد القانون صراحة الوثائق التي يتم الاعتماد عليها في تحديد هذه المدة كما ان القانون لم يحدد كيفية المعالجة عندما تتعارض الوثائق .

الوجه الثالث : موقف قانون التأمينات من تضارب بيانات الموظف المطلوب احالته للتقاعد :

كان قانون التأمينات والمعاشات اكثر عملية وفاعلية من قانون الخدمة, حيث نصت المادة11 من لائحة قانون التامينات على ان؛(البيانات التي يعتمدفي حساب مدة الخدمة هي البيانات الثابتةالواردةبملف الخدمة اوملف التقاعدوالبيانات الواردةبالسجلات الرسمية) اضافة الى ان  قرر قانون التأمينات والمعاشات قرر انه يتوجب على الجهة التي يعمل بها الموظف المطلوب احالته للتقاعد ان تقوم بإخطار الموظف بنيتها إحالته للتقاعد قبل ستة اشهر من بلوغه احد الاجلين للتقاعد حتى يقوم الموظف بمراجعة البيانات والمستندات التي تم الاعتماد عليها في تحديد سنه او تحديد مدة خدمته في الوظيفة العامة وحتى يتم استيفاء اية بيانات او مستندات ناقصة في ملف الموظف .اضافة الى ان بعض الجهات المتميزة والممتازة تقوم قبل ان تقوم بإحالة الموظف الى التقاعد بالانتقال الى كل من الخدمة المدنية وهيئة التأمينات لمطابقة بيانات الموظف المطلوب احالته للتقاعد لتلافي اية اخطاء يتعذر تداركها بعد القرار بإحالة الموظف للتقاعد .

الوجه الرابع : موقف الحكم محل تعليقنا من تناقض المستندات والبيانات المتعلقة بتحديد مدة خدمة الموظف :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان الجهة التي كان يعمل بها الموظف المحال للتقاعد قد اخطأت في احتساب مدة خدمته حيث قامت بإحالته للتقاعد قبل المدة المحددة قانونا لبلوغ الخدمة باربع سنوات, ومن خلال ذلك نجد ان الحكم قد فسر المستندات المتناقضة لصالح الموظف المحال للتقاعد لانه الطرف الضعيف الاولى بالرعاية او ما يسمى بالمفهوم الجديد للعدالة بصاحب المصلحة الفضلى ( المدين/ الموظف/المتهم/الطفل/المرأة) ومن وجهة نظرنا ان الحكم  كان مصيبا في موقفه هذا. لان الجهة الحكومية هي المعنية بمعالجة التناقضات الحاصلة في بيانات ومستندات ملف الموظف قبل إحالته للتقاعد اما ان تقوم هذه الجهة بمفاجأة الموظف بقرار إحالته للتقاعد اعتمادا على مستندات قدرت انها صحيحة فهذا تحكم وظلم وتعسف في استعمال السلطة, والله اعلم.