القرابة المانعة من سريان قانون العمل
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
للقرابة تأثير بالغ
في بعض العلاقات والتصرفات ومنها علاقة العمل، حيث تؤثر القرابة على علاقة العمل
بل تخرج العلاقة من الخضوع لقانون العمل،
ولاريب ان القرابة لها اشكاليات خطيرة في المشاريع والشركات العائلية، ولأهمية هذا
الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة الادارية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/2/2013م في الطعن رقم (47356) وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم أن العامل كان متزوجاً بأبنة صاحب العمل، فحدث الخلاف بين
العامل وصاحب العمل، فقام العامل برفع دعوى عمالية ضد عمه أمام اللجنة التحكيمية
العمالية، فقام صاحب العمل بتقديم دفع أمام اللجنة بعدم قبول الدعوى لان العامل
متزوج بأبنة صاحب العمل وأن القرابة فيما بين العامل وصاحب العمل مانع من موانع
تطبيق قانون العمل على علاقة العمل التي تنشاء فيما بين العامل وقريبه صاحب العمل،
وقد توصلت اللجنة التحكيمية إلى اصدار قرارها بالزام صاحب العمل بدفع رواتب ستة
أشهر تعويض للعامل عن الفصل التعسفي بالإضافة إلى راتب شهر الانذار وراتب عن كل
سنة خدمة لان صاحب العمل لم يقم بالتأمين على العامل، فقام صاحب العمل باستئناف
قرار اللجنة التحكيمية إلا أن الشعبة الادارية قضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد
ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (وبالنسبة لدفع المستأنف بعدم سماع الدعوى لوجود
قرابة اسرية بين العامل وصاحب العمل ،فالثابت في نص المادة (3) الفقرة (ب) من
قانون العمل عدم سريان قانون العمل على الأشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه
والذين يعولهم أياً كانت درجة القرابة، فقد وجدت الشعبة أنه لا تناكر فيما بين
الطرفين بشأن وجود هذه المصاهرة، فالعامل متزوج بأبنة صاحب العمل ،والقرابة لا
تمنع سريان قانون العمل إلا اذا كان صاحب العمل يعول العامل بصورة كاملة في حين
أنه لا دليل على إعالة صاحب العمل للعامل ومن ثم فلا صحة لما استدل به صاحب العمل
المستأنف) فلم يقنع صاحب العمل بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، إلا أن
الدائرة الادارية أقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا
(فقد تبين للدائرة أن محكمة الاستئناف قد ناقشت موضوع القرابة وبينت أن القرابة
للمصاهرة في هذه القضية لا تبرر عدم
الاستناد والاخذ بقانون العمل وقد ناقشت محكمة الاستئناف ذلك بأسباب سائغة) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : القرابة المانعة من سريان قانون العمل على العلاقة فيما بين العامل وصاحب العامل حسبما ورد في قانون العمل :
تنص المادة (3) فقرة
(ب) من قانون العمل النافذ على أنه ( لا يسري هذا القانون على الفئات التالية (-8-
الاشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه والذين يعولهم فعلاً بصورة كاملة أياً
كانت درجة القرابة) ومن خلال استقراء هذا النص نلاحظ الاتي :
1- لم يشترط النص درجة
من درجات القرابة ، فذلك ظاهر حينما ورد لفظ (أياً كانت القرابة) لان العبرة
بالإعالة الكاملةللقريب وليس بدرجة القرابة، وقد وردت القرابة في النص لان الغالب
أن صاحب العمل يقوم باستعمال وتشغيل اقاربه في تنفيذ بعض اعماله كالأبناء والأخوة
وغيرهم المقيمين معه الذين يقوم بالانفاق
عليهم واعالتهم بصفة دائمة ومنتظمة، ففي هذه الحالة لا يسري على علاقة العمل قانون
العمل لأن علاقة القرابة تكون غالبة على علاقة العمل ولصعوبة تنظيم قانون العمل
لهذه العلاقة من حيث تحديد العمل والاجر والتزامات الطرفين.
2- لا تكون القرابة
مانعة من تطبيق قانون العمل على العلاقة فيما بين العامل وصاحب العمل إلا اذا كان
هؤلاء الاقارب يعملون معه ولحسابه، اما اذا كانوا يعملون مع غيره ولكنه يعيلهم
فتسري أحكام قانون العمل على العلاقة التي تنشاء فيما بينهم والغير.
3- لا تكون القرابة
مانعة من سريان قانون العمل على العلاقة فيما بين العامل وبين صاحب العمل الا اذا
كان صاحب العمل يقوم بالفعل بالإعالة الكاملة للعامل، أي أن العامل يقيم مع صاحب
العمل في داره فيقوم صاحب العمل بتوفير الغذاء والكساء وغيره للعامل لان النص قد
اشترط أن تكون الاعالة (بصورة كاملة) أي أن يكون صاحب العمل متكفلاً بتلبية كافة
احتياجات ومتطلبات العامل كما قد يكون العامل غير مقيم مع صاحب العامل في داره
ولكن صاحب العمل قد قام بانزاله في احد مساكنه أو قام باستئجار سكن للعامل وقام
بتلبية احتياجات العامل بصفة كاملة، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا لم
يستثنى العامل من سريان قانون العمل لان العامل قريب لصاحب العمل لان العامل كان
يقيم مع زوجته بنت صاحب العمل في منزل خاص به وكان العامل يتقاضى اجراً ثابتاً
ومنتظماً من صاحب العمل بخلاف الحال بالنسبة للعامل الذي يقوم صاحب العمل بإعالته
بصورة كاملة.
4- القرابة المانعة
لسريان قانون العمل هي القرابة التبعية التي تجعل العامل القريب لصاحب العمل
تابعاً له شخصياً أي أن الباعث على تشغيل صاحب العمل للعامل ليس مهارة العامل أو
جدارته وإنما الاعتبار الشخصي اي اعتبار القرابة كما قد يكون الباعث لدى العامل في
هذه الحالة هو مساعدة وإعانة قريبه صاحب العمل، ،فالتبعية الشخصية من صاحب العمل
وقريب العامل تكون غالبة على التبعية العملية فيما بين العامل وصاحب العمل.
الوجه الثاني : المشاريع العائلية وسريان قانون العمل واشكاليات ذلك :
يغلب على النشاط
الاقتصادي في اليمن الجانب العائلي، حيث أن أغلب المشاريع الصغيرة بل وحتى الشركات
العملاقة تتكون أصلاً بين صاحب العمل واقاربه من العمال ويتحول هؤلاء الاقارب
العمال إلى شركاء لصاحب العمل في بعض الحالات، كما قد يظل العمال الاقارب في حالات كثيرة مجرد عمال لا
يتقاضون اجراً ثابتاً ومنتظما من صاحب العمل وإنما يقوم صاحب العمل بدفع كل
المبالغ التي يحتاجونها لتلبية احتياجاتهم فلا يدفع صاحب العمل مرتبات ثابتة ومنتظمة
لاقاربه العمال كما أنهم لا يتقاضون نسبة من أرباح المشروع، وعندئذ تحدث
الإشكاليات بشأن التكييف القانوني لعلاقة هؤلاء العمال أقارب صاحب العمل بصاحب
العمل والمشروع التابع له ، وبتطبيق الشرح الوارد في الوجه الأول على العمال
الاقارب في المشاريع والشركات العائلية فان قانون العمل لايسري على هؤلاء الاقارب
اذا كان صاحب العمل يقوم بالانفاق عليهم وتلبية كافة احتياجاتهم ومتطلباتهم عيناً
أو نقداً من غير أن يقوم بتحديد راتب ثابت ومنتظم لهم، اما اذا قام بتحديد راتب
ثابت ومنتظم لهم فان قانون العمل يسري على العلاقة بين الطرفين حتى لو كان صاحب
العمل يتكفل بين الوقت والاخر بتلبية احتياجات قريبه العامل، علماً بأن عدم قيام
صاحب العمل بتحديد راتب منتظم وثابت لأقاربه العاملين في المشروع يجعلهم لاحقاً يطالبون
بما يسمى في اليمن (بالشقيةاو السعاية) أي مقابل عملهم مع صاحب العمل قريبهم حيث
يتم تحديد مقابل الشقية على أساس العائد الذي تحقق لصاحب العمل من العمل الذي قام
به العامل القريب لحسابه ،واغلب الإشكاليات التي تحدث في الشركات والمشاريع
العائلية بسبب هذه المسألة حيث تتسبب هذه الإشكاليات في فشل الكثير من المشاريع والشركات العائلية، ولذلك فاننا نوصي
اصحاب الاعمال بتنظيم العلاقات فيما بينهم وبين اقاربهم العاملين معهم على أساس
عقود عمل أو عقود شراكة فلا ينبغي ترك هذه المسألة للخلافات التي تؤدي إلى اجهاض
مشاريعهم وشركاتهم، والله اعلم.