الجهة المختصة بإصدار قرار فصل الموظف
أ.د/ عبد
المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تقع من بعض الموظفين مخالفات ادارية تستوجب احالتهم إلى
مجالس التأديب للنظر في الدعاوى التأديبية المرفوعة ضدهم، وقد تصل المجالس
التأديبية إلى توصيات بفصلهم بمقتضى أحكام
القانون، وتنفيذاً لما يتوصل إليه مجلس التأديب يقوم مدير الموارد البشرية او
الشئون الادارية أو مدير المؤسسة أو الشركة الحكومية بالتوقيع على قرار الفصل
واصداره في حين أن قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية ينصا على أن الوزير المختص
هو الذي يصدر قرار الفصل تنفيذاً لما بتوصل إليه مجلس التأديب، وقد ذهب الحكم محل
تعليقنا إلى أنه لا يشترط أن يقوم الوزير نفسه بإصدار قرار الفصل وانما ينبغي ان
يوافق على توصية مجلس التاديب بفصل الموظف،كما ان هناك جدل واسع بشان اشتراط قيام
الوزير باصدار قرار الفصل او الموافقة على محضر مجلس التاديب بالنسبة للشركات
والهيئات الحكومية التي يشرف عليها الوزير، ولأهمية هذا الموضوع، فقد اخترنا
التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 19/1/2013م في الطعن المدني رقم (46972) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها
هذا الحكم ان موظفاً ارتكب مخالفة في احد البنوك الحكومية فتمت احالته إلى التحقيق
ثم احالته لاحقاً إلى مجلس التأديب الذي توصل الى ثبوت نسبة المخالفة إلى الموظف
ولذلك فقد اوصى مجلس التاديب بفصل الموظف،
وتنفيذاً لتوصية مجلس التأديب فقد قام مدير الشئون الادارية
بفصل الموظف المشار اليه مما دفعه إلى رفع دعوى الغاء قرار فصله أمام المحكمة
الابتدائية حيث ذكر في دعواه ان قرار فصله باطل لانه صادر من مدير ادارة الشئون
المالية والادارية في حين ان القانون يشترط ان يصدر قرار فصل الموظف المخالف من
قبل الوزير المختص الذي يتبعه البنك، فرد محامي البنك بأن المخالفة ثابتة بحق
الموظف وانه قد تم احالته إلى المجلس التأديبي وتم صدور قرار فصله واحالته إلى
نيابة الأموال العامة وفقاً لأحكام القانون، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى
الحكم بعدم قبول دعوى الغاء قرار الفصل لان قرار الفصل قد صدر من مدير الشئون
المالية والادارية بعد موافقة رئيس مجلس الادارة، فقام الموظف باستئناف الحكم
الابتدائي وذكر في استئنافه ان المادة (113) من قانون الخدمة المدنية تشترط صراحة
ان يكون توقيع عقوبة الفصل يكون بموجب قرار من الوزير المختص بناءً على توصية مجلس
التأديب إضافة إلى ان المادة (115) من قانون الخدمة تقرر ان تكون قرارات مجلس
التأديب في الوحدة الادارية نافذة بعد مصادقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة
الادارية وذكر الموظف ان القانون يشترط موافقة الوزير في كل الأحوال على عقوبة
الفصل، وقد توصلت الشعبة المدنية إلى الحكم بقبول الاستئناف والغاء الحكم
الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (ان قرار الفصل قرار اداري صدر من
مدير عام الشئون المالية والادارية في حين انه ليس له صفة أو اختصاص بإصدار قرارات
الفصل كما ان مدير الشئون الادارية ليس رئيساً للوحدة أو مدير عام البنك أو رئيس
مجلس ادارته إضافة إلى ان القرار لم يصادق عليه الوزير المختص بحسب ما نصت عليه
المادة (115) خدمة مدنية التي أوجبت على الادارة بالنسبة لقرار الفصل أن يصادق
عليه الوزير المختص وذلك الوجوب يقتضي عند مخالفته البطلان ولذلك فان قرار الفصل
معيب لصدوره مخالفاً للقانون) فلم يقبل البنك بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن
بالنقض في الحكم الاستئنافي وذكر في عريضة الطعن بأن مجلس التأديب هو الجهة
المختصة بانشاء قرار الفصل وقد وافق رئيس مجلس الادارة على قرار مجلس التأديب وان
دور ادارة الشئون الادارية هو طباعة القرار واصداره إلى العلن، إلا أن الدائرة
المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا
(ولان قرار الفصل المطعون ضده من عمله لم يصدر من المسئول المخول قانوناً بإصداره وهو الوزير المختص حسب
المادة (113) خدمة مدنية التي نصت على ان عقوبة الفصل من الخدمة لا توقع الا بقرار
من الوزير المختص بناءً على توصية من مجلس التأديب، في حين أنه من الثابت ان مجلس
التأديب قد أوصى بفصل الموظف إلا انه لا يوجد في ملف القضية ما يثبت ان الوزير
المختص أو رئيس مجلس ادارة البنك قد وافق على ما ورد في محضر مجلس التأديب حتى
يكون قرار الفصل قد استند إلى تلك الموافقة وإنما يوجد امر اداري بتنفيذ قرار مجلس
التأديب مذيل بتوقيع مدير ادارة الشئون الادارية ومن ثم فان قضاء الحكم المطعون
فيه ببطلان قرار فصل الموظف واعتباره كأن لم يكن يعد قضاءً صائباً وموافقا للقانون
فليس في الحكم المطعون فيه تفسير خاطئ للقانون أو مخالفة له حسبما ذكر الطاعن)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : طبيعة عمل مجلس التأديب :
مجلس التأديب هيئة ادارية يتم تشكيله في الجهات الادارية ليتولى الفصل في
الدعاوى التأديبية على الموظفين المخالفين المحالين إلى المجلس التأديبي، وقد نظم
قانون الخدمة المدنية تشكيل واختصاصات المجالس التأديبية، وصرح بأن النتائج التي
تتوصل اليها المجالس التأديبية هي مجرد اقتراحات او توصيات غير ملزمة يتم ذكرها في
المحضر النهائي المتضمن نتائج اعمال مجلس التأديب، وتبعاً لذلك فان ما تتوصل إليه
المجالس التأديبية ليست قرارات ادارية، وهذا ما ذهب اليه الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : السلطة المختصة بإصدار قرار فصل الموظف :
وفقاً للنصوص القانونية السابق ذكرها عند عرض الحكم محل
تعليقنا نجد أن القانون قد صرح بأن قرار فصل الموظف في المؤسسات والهيئات والشركات
العامة ينبغي ان يصدر من قبل الوزير المختص أي الوزير المشرف على الشركة أو الهيئة
أو المؤسسة العامة بموجب الاقتراحات أو التوصيات الواردة في محضر مجلس التأديب،
ولذلك ينبغي أن يتضمن قرار فصل الموظف اسم الموظف وتاريخ تعيينه وملخص الوظائف
التي شغلها وتاريخ إحالته إلى التحقيق ورقم وتاريخ قرار انشاء مجلس التأديب ورقم
وتاريخ محضر مجلس التأديب الذي أوصى بفصل الموظف وتاريخ تعميد رئيس مجلس ادارة
الشركة أو مديرها العام للمحضر.
ويثور في اليمن جدل واسع بشأن الممثل القانوني للمؤسسات
والشركات والمؤسسات العامة، لان قانون المؤسسات والهيئات والشركات العامة قد نص
صراحة على أن رئيس مجلس ادارة المؤسسة أو مديرها العام هو الممثل القانوني لها
الذي يمثلها في اصدار القرارات بما في ذلك قرار الفصل ،وبموجب ذلك فان الوزير
المختص الذي تتبعه الهيئة لا يصدر قرارات الفصل، لان المؤسسات والشركات العامة لها
شخصياتها الاعتبارية وذممها المالية المستقلة عن الوزارة وللمؤسسات ممثليها
القانونيين الذين يتولوا اصدار القرارات
والقيام بالتصرفات نيابة عنها، وهناك من يذهب إلى أنه بالنسبة لقرارات
الفصل فقد ورد بشأنها نص خاص في قانون الخدمة حسبما سبق بيانه، فهذا النص هو
الواجب التطبيق بالنسبة لقرارات فصل الموظف في المؤسسات والشركات العامة.
الوجه الثالث : طبيعة الموافقة أو التعميد أو المصادقة على محضر مجلس التأديب المتضمن الاقتراح أو التوصية بفصل الموظف :
من الظاهر ان التعميد او المصادقة او الموافقة على محضر
مجلس التأديب المتضمن التوصية بفصل الموظف يكون بمثابة موافقة وقبول للتوصية بفصل
الموظف كما ان ذلك يعد تفويضاً للمستويات الادارية الادنى باستكمال إجراءات فصل
الموظف، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد اشار في اسبابه إلى عدم وجود موافقة
أو مصادقة للوزير أو رئيس مجلس ادارة البنك على محضر مجلس التأديب وهذا يعني أنه
لو كانت هناك موافقة لأي منهما لكان ذلك بمثابة تفويض لمدير الشئون الادارية
باستكمال إجراءات فصل الموظف وان المذكرة الصادرة من مدير الشئون الادارية ستكون
في هذه الحالة بمثابة اخطار أو اعلان للموظف المفصول بأن مجلس التأديب قد أوصى
بفصله ووافق على ذلك رئيس مجلس الادارة أو الوزير المختص.
الوجه الرابع : الحكمة من اشتراط صدور القرار بفصل الموظف أو الموافقة على محضر مجلس التأديب من قبل الوزير المختص أو رئيس الجهة :
تتجلى هذه الحكمة في خطورة قرارات الفصل على الموظف
والهيئة او الشركة في آن واحد، ولذلك ينبغي أن تخضع إجراءات الفصل للمراقبة
والمراجعة والتقويم والترشيد قبل صدورها حتى يؤمن عدم التعسف والحيف، كما أن
قرارات تعيين الموظفين تصدر غالباً من الوزير المختص أو رئيس الجهة ولذلك فأن مبدأ
توازي الاجراء القانوني يقتضي أن تكون الجهة التي تفصل الموظف هي الجهة ذاتها التي
سبق لها أن قامت بتعيين الموظف، كما أن السلطة الإشرافية للوزير المختص أو رئيس
الجهة تقتضي ان يقوم الوزير أو رئيس مجلس الادارة بالأشراف والمتابعة والرقابة على
إجراءات فصل الموظفين، والله اعلم.