إثبات غش العصائر في البوفيات

 

إثبات غش العصائر في البوفيات

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تقدم البوفيات لمرتاديها عصائر طبيعية لفواكه لا يعرف الا الله نوعها وحالتها قبل أن تعصر  وكذا المكونات والمواد المضافة اليها حيث يطغى جانب الربح على الجوانب الدينية والقانونية والاخلاقية والانسانية، لاريب أن  غش العصائر له خطورته البالغة التي تتسبب في حالات مرضية قد تتسسب في بعض الحالات في الوفاة ،وغش العصائر والوجبات السريعة  تمثل جانباً من ظاهرة الغش التي تكاد تسيطر على كافة الانشطة والنواحي في المجتمع اليمني الذي يخلط دوماً بين الذكاء والمغالطة، حيث اصبحت حالات الغش المتعددة والمختلفة في ستة المجالات  شيء مألوف يتم التعامل معه بمنتهى التساهل والتسامح ، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/9/2013م في الطعن رقم (47844) وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم أن النيابة العامة أتهمت اثنين من أصحاب يملكان مجموعة من البوافي بانهما غشا في غذاء الانسان وذلك بان قاما بإضافة مادة المبيض إلى العصير مع أن هذه المادة  تحتوي على  ثاني اكسيد التيتانيوم وهي مادة مضرة بصحة الإنسان حيث يتم إضافة تلك المادة  إلى عصير الليمون وعصير المانجو في البوفيات التابعة لهما ويبيعا العصير  إلى الزبائن الذين يرتادوا تلك البوفيات  حيث يستخدما تلك المادة كبديل عن الحليب وفي حالة استعمالهما للحليب فانهما يستعملا حليب ليس عليه علامات ايضاحية تبين تاريخ انتاجه ومكانه ومركباته ...الخ، وطلبت النيابة العامة من المحكمة معاقبتهما بموجب المادتين (217 و 312) عقوبات والمادة (425) من قانون المخالفات العامة والمواد (20 و 21 و 22 و 29) من قانون الرقابة على الاغذية وتنظيم تداولها، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإدانة المتهمين بالتهمة المسندة اليهما وتغريم كل واحد منهما مبلغ خمسة الاف ريال للخزينة العامة والتعهد بعدم العودة إلى إرتكاب هذه المخالفات، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي :حيث ان المتهمين قد اعترفا بالمخالفات المنسوبة لهما وابديا توبتهما وعدم عودتهما إلى تلك المخالفات، فقامت النيابة العامة باستئناف الحكم الابتدائي حيث قبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بتعديل العقوبة إلى حبس المتهمين لمدة ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، فلم يقبل المتهمان بالحكم الاستئنافي حيث قاما بالطعن فيه بالنقض فقبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبالرجوع إلى أوراق القضية فقد وجدت الدائرة أن الطاعنين قد عابا على الحكم الاستئنافي أنه لم يتحقق من المواد المضافة إلى العصائر والتأكد مما اذا كانت مضرة ووجه الضرر فيها، والدائرة تجد أن تلك المناعي في محلها لان المادة المضافة إلى العصائر لم يتم فحصها في أي مختبر رسمي بل أنه تم اتلافها فوراً بحسب ما جاء في محضر الضبط كما لم يتم فحص العصير ذاته حتى يتم التأكد من انهما قد استخدما تلك المادة في العصير ومن ثم فان الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الاوجه الأتية :

الوجه الأول : ظاهرة الغش في البوفيات :

يكشف الحكم محل تعليقنا عن الغش الذي يتم في البوفيات اوما يسمى بالكافتيريات بل ان الغش ظاهر ومشاهد لكل ذي بصر وبصيرة، فباعة الفواكه يجنبون الفاكهة الفاسدة وعندما تسألهم عن مصيرها يقولون لك (هذا للبوفيات) أن أنه يباع بمبالغ زهيدة للبوفيات كي تصنع منه العصير بعد ان تدخل عليه بعض المواد لتحسين رائحته وطعمه، فليس خافياً ان البوفيات هي المستهلك الرئيسي للأطعمة والعصائر والمعلبات التي انتهت صلاحيتها ،فباعة هذه المواد يصرحون بذلك للكافة، ولا ريب ان هناك اضرار فادحة تصيب عامة الناس المرتادين لتلك البوفيات، فحالات التسمم والاسهالات والامراض الخفيفة والخطيرة يكون سببها تناول العصائر والوجبات السريعة، ونظراً لجسامة هذه المخالفات وخطورتها على المجتمع ينبغي ان تكون العقوبات المقررة عليها رادعة حتى تتناسب مع هذه الأفعال البالغة الخطورة والتي تلحق بالإنسان اضراراً فادحة وتعطل وظيفة الدولة في الحفاظ على الصحة العامة للمجتمع ، فليس من المناسب في السياسة العقابية الحديثة ان تكون عقوبة هذه الافعال الغرامة خمسة الاف ريالاً أو الحبس ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ!!!!!.

الوجه الثاني : الوضعية القانونية لجرائم الغش في البوفيات :

من خلال المطالعة للحكمين الابتدائي والاستئنافي نجد أنهما قد استندا إلى قانون الجرائم والعقوبات وقانون الرقابة على الاغذية وقانون المخالفات العامة، ومع خطورة عش العصائر والاطعمة، ومع انها من الافعال التي تندرج ضمن افعال جريمة الغش المنصوص عليها في المادة (312) من قانون الجرائم والعقوبات إلا أنه تم التعامل مع القضية على أساس انها مخالفة بموجب قانون الأحكام العامة للمخالفات وقانون الرقابة على الاغذية، وقد كان الأولى من وجهة نظرنا التعامل مع القضية على أساس انها جريمة غش بمقتضى قانون الجرائم والعقوبات.

الوجه الثالث : المسئولية عن الغش في البوفيات :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن المتهمين يمتلك كل واحد منهما مجموعة بوفيات في المدينة وغيرها، ومعلوم ان البوفيات لها اسماء تجارية وتراخيص حيث تعد اشخاصا اعتبارية، وهذا الأمر يثير بيان المسئولية الجزائية للشخص الاعتباري (البوفية) والمسئولية الجزائية لمالك البوفيةوكذا المسئولية الجزائية للقائمين (المديرين) البوفية وعمال البوفية وذلك بايجاز ،فمالك البوفية مسئول جزائياً عن افعال الغش اذا كان هو الذي يقوم بجلب المواد المستعملة في الغش مثلثما حصل في القضية التي تناولها الحكم كما يكون مالك البوفية مسؤولا إذا قام  بتوجيه القائمين على البوفية بجلب تلك المواد اما اذا كان المديرون للبوفية هم الذين يقومون بجلب المواد او يستبدلون المواد السليمة بمواد تالفة أو مخالفة فانهم المسئولون شخصياً عن افعال الغش.

الوجه الرابع : إثبات غش العصائر والاطعمة :

قضى الحكم محل تعليقنا بأن إثبات الغش في العصائر والاطعمة التي تبيعها البوفيات وغيرها يحتاج إلى فحص مختبري من جهة رسمية كألهيئة العامة للمواصفات أو قسم الأغذية بكلية الزراعة في الجامعة الحكومة حتى  يتم بيان المواد التي يتكون منها العصير أو الطعام ، كما أن كل مادة غريبة تدخل في تركيب العصير او الطعام ينبغي ان يتم فحصها مختبرياً لبيان الاضرار التي تلحق بالمتناول لها ونسبة الضرر ومدى تأثيرها على متناولها لما لذلك من أهمية في إثبات فعل الغش وتقدير العقوبة المناسبة لهذا  الفعل ، والله أعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717