الشيك مقبول الدفع ينقل الالتزام
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
نتيجة لقلة الوعي
بماهية الشيك ووظيفته ودوره فقد تم استعمال الشيك في اليمن استعمالا يخالف وظيفته ودوره باعتباره اداة وفاء حيث
تحول الشيك في احيان كثيرة الى اداة ضمان, ولذلك فقد الشيك العادي دوره في اليمن,
وهذا يفسر لجوء الاشخاص الى المطالبة حين الوفاء بالمبالغ المستحقة لهم المطالبة
بدفع المبالغ نقدا اوعن طريق شيك مقبول الدفع الذي يعني ان البنك المسحوب عليه
الشيك يقبل الوفاء بقيمة الشيك او دفع قيمته. كاضافة الى ان بعض الاشخاص يطلبون
بان يتم الوفاء بالمبالغ المستحقة لهم عن طريق الشيك المصرفي الذي يقوم البنك ذاته
بإصدار الشيك على البنك ذاته باسم المستفيد الذي يقوم بسحب المبلغ من البنك في
التاريخ المحدد, وقد ترتب على كثرة استعمال الشيكات مقبولة الدفع والشيكات
المصرفية التاثير السلبي على العرض الفعلي للسيولة وتفاقم ازمة السيولة. ومن خلال
ذلك يظهر ان الشيك مقبول الدفع يختلف عن الشيك العادي لا سيما من حيث الاثار
المترتبة عليه حيث تصدى الحكم محل تعليقنا لبيان هذه المسألة حسبما هو مبين في هذا
الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
30/4/2011م في الطعن التجاري رقم (44726) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي
قضى فيها هذا الحكم ان احدى المؤسسات قامت بمنح احد الاشخاص قرضا وحتى تضمن
استعادة القرض من المقترض بصورة مؤكدة فقد طلبت منه ان يقوم بسحب شيكات مقبولة
الدفع من بنك معتمد بمبلغ القرض كاملا وبالفعل قام المقترض بسحب الشيكات على احد
البنوك المعتمدة في اليمن حيث قام ذلك البنك
بالختم على الشيكات بما يفيد قبول
دفع قيمة تلك الشيكات الا ان البنك المركزي اليمني قام لاحقا بوضع يده على ذلك
البنك الذي قبل دفع قيمة تلك الشيكات .
وبناء على ذلك فقد تعثر البنك في سداد
قيمة تلك الشيكات وبدلا من ذلك عرضت لجنة تصفية ذلك البنك على المؤسسة المقرضة
المستفيدة من الشيكات ان يقوم البنك بسداد المبلغ على دفعات في فترات متباعدة حسب
النظام الذي يتبعه البنك مع بقية المودعين
فلم تقبل الموسسة هذا العرض لضائلة مبالغ تلك الدفعات وتباعد الفترات بين الدفعة والدفعة التالية. ولذلك فقد قامت
الموسسة برفع دعوى امام المحكمة التجارية الابتدائية مطالبة المقترض نفسه الذي سحب
الشيكات بسداد القرض الذي تعذر على المؤسسة اقتضاؤه من البنك وقد رد المقترض على الدعوى بان التزامه قد
انقضى حينما سلم الشيكات المقبولة الدفع الى المؤسسة وبذلك فقد انتقل الالتزام
وصار الملتزم بسداد القرض هو البنك المسحوبة عليه الشيكات الذي قبل دفع قيمتها. وقد حكمت المحكمة الابتدائية برفض دعوى المطالبة
بالقرض لانقضاء التزام المقترض الاصلي باستلام المؤسسة للشيكات المقبولة الدفع,
فقامت المؤسسة باستئناف الحكم حيث قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم الابتدائي لان
ذمة المقترض لا زالت منشغلة بمبلغ القرض حسبما ورد في اسباب الحكم الاستئنافي,
فقام المقترض بالطعن بالنقض في الحكم
الاستئنافي امام المحكمة العليا التي نقضت
الحكم الاستئنافي وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا محل تعليقنا (وعليه وبعد
الرجوع الى الاوراق مشتملات ملف القضية تجد الدائرة ان ما ينعي به الطاعن هو
مخالفة الحكم الاستئنافي احكام المادة (420) مدني التي نصت على تجديد الدين في
حالة استبدال الدين من عقد قرض بالتزام اخر هو الشيكات مقبولة الدفع وهو ما يتفق
مع احكام المادة السابق ذكرها حيث قام الطاعن بتسليم المطعون ضدها شيكات مقبولة
الدفع بعدد الاقساط المتفق عليه مسحوبة على البنك وقد قام الطاعن بالوفاء بقيمة
الخمسة الاقساط الاولى وقد اكدت لجنة تصفية البنك المشار اليه ان بقية اصول
الشيكات لديها وعددها ثلاثة عشر شيكا, والدائرة تجد ان هذا النعي سديد لان الشيكات
المعتمدة من قبل البنك ينطبق عليها نص المادة (532) تجاري. فالمعلوم من فقه
القانون ان اعتماد الشيك يفيد وجود مقابل الوفاء بتاريخ التأشير بما يفيد قبول
الشيك. وهذا يجعل البنك المسحوب عليه مسئولا عن الوفاء بالشيكات التي قبل دفعها
وتظل هذه المسئولية قائمة مما يستوجب قبول الطعن لقيام سببه) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية :
الوجه الأول : ماهية الشيك المقبول الدفع :
اشارت المادة (532)
تجاري الى ماهية الشيك المقبول الدفع حيث نصت هذه المادة على انه (يجوز للمسحوب
عليه ان يؤشر على الشيك باعتماده وتفيده هذه العبارة وجود مقابل الوفاء في تاريخ
التأشير ولا يجوز للمسحوب عليه رفض اعتماد الشيك اذا كان لديه مقابل وفاء يكفي
لدفع قيمته ويعتبر توقيع المسحوب عليه على صدر الشيك بمثابة اعتماد له) ومن خلال
استقراء هذا النص القانوني يظهر ان الشيك المقبول الدفع هو ذلك الشيك الذي يقوم
البنك المسحوب عليه الشيك بالتأشير في صدر الشيك او التوقيع او الختم على الشيك
بما يفيد اعتماد البنك للشيك وقبوله دفع قيمته وان هناك رصيد يكفي لسداد قيمته وان
البنك المعتمد او القابل ملتزم بسداد قيمة الشيك. ويظهر من النص ايضا ان البنك
المسحوب عليه ملتزم باعتماد او قبول الشيك طالما وهناك رصيد للساحب يفي بسداد
الشيك, فالشيك مقبول الدفع يقوم الساحب
بقطعه او سحبه من دفتر شيكاته ويقوم البنك المسحوب عليه الشيك بختم ذلك الشيك بعد
ان يتأكد البنك من وجود رصيد يفي بسداد قيمة الشيك, في حين ان الشيك العادي هو ذلك
الشيك الذي يسحبه الساحب من دفتر الشيكات الخاص به وليس فيه ختم البنك او
تأشيرته بما يفيد قبوله بدفع قيمته, اما
الشيك المصرفي فهو ذلك الشيك الذي يصدر من قبل البنك ومن دفتر شيكات البنك وليس
شيكات الساحب حيث يقوم البنك قبل اصدار هذا الشيك بالحصول من الساحب على قيمة الشيك كاملة. والبنك ملزم بدفع قيمة هذا
الشيك, ومن خلال ما تقدم يظهر ان البنك ملتزم حتما بدفع قيمة الشيك المقبول الدفع
وكذا الشيك المصرفي في حين ان البنك لا يكون ملتزما بالوفاء بقيمة الشيك العادي
الا اذا كان هناك رصيد كاف لساحب الشيك, وبمعنى اخر فان البنك ملتزم استقلالا في
مواجهة المستفيد بالوفاء بقيمة الشيك المقبول الدفع من غير رجوع الى الساحب للشيك
.
الوجه الثاني : الشيك المقبول الدفع ينقل الالتزام من عاتق ساحب الشيك الى عاتق البنك الذي قبل دفع قيمة الشيك :
قضى الحكم محل
تعليقنا بان الشيك المقبول الدفع ينقل الالتزام من عاتق الملتزم الاصلي الساحب
للشيك الى عاتق البنك الذي قبل دفع قيمة الشيك, وهذا القضاء موافق لماهية الشيك
المقبول الدفع التي سبقت الاشارة اليها في الوجه الاول كما ان هذا القضاء يوافق
المادة (420) مدني التي حددت احوال تجديد الالتزام أي ان الالتزام يتجدد بتغير
المدين حيث ان الشيك المقبول الدفع يترتب عليه تغير المدين من صاحب الالتزام
الاصلي الساحب الى البنك المسحوب عليه الذي قبل دفع قيمة الشيك حيث يصير البنك هو
المدين بدلا عن المدين الاصلي الساحب للشيك حيث نصت المادة (420) مدني على انه
(يتجدد الالتزام في الاحوال الاتية : 1- يتغير الدين اذا اتفق الطرفان على ان
يستبدلا بالالتزام الاصلي التزاما جديدا يختلف عنه في محله او مصدره 2- يتغير
المدين اذا اتفق الدائن مع الغير على ان يكون هذا الغير مدينا بدلا من المدين
الاصلي على ان تبراء ذمة المدين الاصلي
او اتفق المدين و الدائن والغير على ذلك 3- يتغير الدائن اذا اتفق الدائن والمدين
والغير على ان يكون هذا الغير هو الدائن بدلا من الدائن الاصلي ).
الوجه الثالث : توسع نطاق الشيك مقبول الدفع في اليمن وازمة السيولة:
من خلال التجربة العملية نجد ان الاشخاص في اليمن لا يثقون بالشيكات العادية باعتبارها اداة وفاء يحميها القانون حسبما هو مقرر ومتبع في دول العالم كافة الا اليمن ولذلك يحرص غالبية المتعاقدين على ان يكون السداد بطريقة الشيك المقبول الدفع او الشيك المصرفي او خطاب الضمان الذي يعني ان البنك المسحوب عليه قد استوفى قيمة الشيك بالفعل, وهذه الوضعية لها تأثير خطير على السيولة النقدية في البلاد وقلتها حيث ان النقود القانونية تحل محل النقود المصرفية الافتراضية التي تخلقهاالعمليات المصرفية التي تغني عن استعمال النقود الرسمية او القانونية, وبالطبع فان هذا سبب من ضمن اسباب ازمة السيولة النقدية في اليمن, والله اعلم.