حجية تقارير الخبراء العدول
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
حدد قانون الاثبات وقانون المرافعات اجراءات ندب القاضي للخبراء العدول
واجراءات عملهم والتقارير الصادرة في المسائل المكلفين بإبداء خبرتهم فيها ومواجهة
الخصوم بهذه التقارير وحق الخصوم في الاعتراض عليها والسلطة التقديرية للقاضي
بشأنها, ومع ذلك فان القصور التشريعي موجود في غياب قانون ينظم
اعمال الخبرة والخبراء تفصيلا ؛ اضافة
الى ان البعض يتهرب من الحكم في بعض المسائل غير الفنيةفيقوم بندب الخبراء العدول لبحثها مع ان هذه المسائل لا تحتاج الى خبرة او
خبراء وانما يريد القاضي فقط الاستناد في
حكمه الى النتيجة التي يخلص اليها الخبير؛ علاوة على ان كثيرا من الاحكام السندات التنفيذية لاتكون
حاسمة حيث يتضمن منطوقها الارجاء لبعض المسائل الموضوعية الى مرحلة التنفيذ مثل
اجراء قسمة او تقدير عناء او تقدير المصاريف المصاريف القضائية وهذا يثير اشكاليات
كثيرة عند تنفيذ هذه الاحكام فضلا عن ان
ذلك يطيل اجراءات التقاضي ويعقدها ويعطل اجراءات تنفيذ الاحكام ؛ولذلك فقداخترنا
الاشارة الى هذه المسائل ولفت انظار المعنيين اليها في سياق التعليق على الحكم
الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/12/2010م
في الطعن المدني رقم (42346) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم ان محكمتي الموضوع لم تقدرا نفقات التقاضي فقررت المحكمة العليا في الفقرة
(4) من حكمها بان (يتحمل الطاعنون كافة المخاسير والنفقات والاتعاب القضائية التي
خسرها المطعون ضدهم حسبما يقدرها عدلان امام محكمة التنفيذ) وتنفيذا لحكم المحكمة
العليا حكمت المحكمة الابتدائية (بالزام المنفذ ضدهم بدفع خمسة ملايين وخمسمائة
الف ريال الى طالب التنفيذ مخاسير ونفقات واتعاب التقاضي بموجب تقرير الخبيرين
العدلين تنفيذا للفقرة (4) من حكم المحكمة العليا) فقام المنفذ ضده باستئناف هذا
القرار ولكن محكمة الاستئناف قررت رفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي فقام
المنفذ ضده بالطعن بالنقض امام المحكمة
العليا التي قبلت الطعن ونقضت الحكم, وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وقد
جاء القرار التنفيذي الابتدائي الصادر عن محكمة محكمة اول درجة موافقا لقرار
العدول بالرغم من انه غير مفصل فهو لم يحدد بيان كافة المخاسير والنفقات على حدة
والاتعاب القضائية بمفردها وفقا للمادة (257) من قانون المرافعات التي تنص على (ان
نفقات المحاكمة هي ما يثبت بوجه شرعي وقانوني ان الخصوم انفقوه في الخصومة ويدخل
في ذلك الاتي (1- الرسوم القضائية 2- اجور الخبراء 3- نفقات الشهود 4- نفقات
انتقال المحكمة 5- نفقات اتخاذ الاجراءات التحفظية 6- اجرة المحامي بما تقدره
المحكمة) وهذا يعني ان القانون قد وضع تفصيلا شاملا لنفقات المحاكمة فيجب على
المحكمة التقيد بأحكام القانون وان تقوم بتقدير بيان النفقات وفقا لما اشارت اليه
المادة المذكورة وخاصة انها تستند اليها في قرارها التنفيذي حيث ان القانون يعطي
لرئيس المحكمة صلاحية تقدير النفقات بناء على طلب المحكوم له بأمر على عريضة يكون
محتويا على قائمة مفصلة للنفقات المحكوم بها وفقا للمادة (261) مرافعات وحيث ان
القرار التنفيذي لم يتقيد بهذه الاحكام القانونية فانه قد جاء مشوبا بالخطأ في
تطبيق القانون الاجرائي, كما ان المحكمتين الابتدائية والاستئنافية لم تعملا على
تطبيق احكام المادة (173) من قانون
الاثبات التي تلزم المحكمة بالاستماع لمناقشة الخصوم بشأن التقارير المقدمة من
الخبراء والعدول وملاحظاتهم عليها ورد كل طرف من الاطراف على الاخر وللمحكمة ان
تعتمد على ما تراه مناسبا في ذلك وتحكم به لا ان تعتبر تقرير العدلين على انه حكم
بل هو احدى طرق الاثبات الشرعية وفقا لما تنص عليه المادة (13) اثبات) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الاول : حجية تقارير الخبراء :
تقارير الخبراء هي الوثائق التي تتضمن نتائج اعمال الخبراء في المسائل
الفنية التي يكلفهم القضاء بإبداء خبرتهم فيها, وقد صرح الحكم محل تعليقنا بان
تقارير الخبراء عبارة عن طريقة او وسيلة من وسائل الاثبات وان النتائج التي ترد
فيها ليست ملزمة للقاضي للحكم بموجبها ؛ فللقاضي ان لا يحكم بموجبها ويطرحها وله
ان يعمل ببعضها ويطرح بعضها الاخر شريطة ان يذكر القاضي في اسباب حكمه اسباب طرحها
للنتائج الواردة في تقرير الخبير او طرحه لبعض النتائج وكذلك الحال حينما ياخذ
بالنتائج الواردة في تقرير الخبير فعلى القاضي ان يبين اسباب اخذه بتلك النتائج ؛
من هذا المنطلق جاءت قاعدة (القاضي خبير الخبراء) وعلى هذا الاساس لا يملك الخصوم
النعي على الحكم بانه لم يأخذ بتقرير الخبير او النتائج التي توصل اليها طالما ان
القاضي قد ذكر اسباب عدوله عن الاخذ بتلك
النتائج؛ ولذلك فان الحكم محل تعليقنا قد اشار في اسبابه الى ان قاضي التنفيذ
تعامل مع تقرير الخبير كما لو ان النتائج الواردة فيها نهائية وتعبر عن الحقيقة
حيث اعتمدها قرار محكمة الموضوع من غير مناقشة او تعديل كما لو انها تمثل الحقيقة
المطلقة .
الوجه الثاني : مناقشة المحكمة لتقرير الخبير :
طالما ان النتائج التي يتضمنها تقرير الخبير ظنية وليست يقينية وطالما انها
غير ملزمة للقاضي, فانها تخضع للسلطة التقديرية للقاضي الذي له ان يأخذ بها او
يطرحها على النحو السابق بيانه, الا انه يجب على القاضي في كل الاحوال ان يناقش
ذلك في تسبيبه وان يبين الاسانيد التي جعلته يطمئن للنتائج الواردة في التقرير وان
يأخذ بها, ومناقشة القاضي لتقرير الخبير على هذا النحو واجبة ولازمة وقد اشار الى
ذلك الحكم محل تعليقنا ؛ ويتأسس هذا الوجوب على التأكيد بان الحكم القضائي مجرد
ونزيه عن الهوى والمزاج وانه قد استند الى مبررات واسانيد شرعية وقانونية ومنطقية
مقنعة سواء عند اخذه او عند طرحه لما ورد
في تقرير الخبير.
الوجه الثالث : ملاحظات الخصوم واعتراضاتهم على تقارير الخبراء :
لما كانت النتائج الواردة في تقرير الخبير ظنية وليست يقينية علاوة على
انها قد تتضمن اخطاء وانحرافات كما انها قد تتجاهل بيانات ومعلومات ومستندات بقصد
او بدون قصد, لذلك فقد اجاز القانون لأطراف الخصومة ابداء اعتراضاتهم وملاحظاتهم
على ما يرد في تقارير الخبراء حيث يقوم القاضي بإحالتها الى الخبير لاستيعابها او
بيان سبب عدم اخذه بتلك الاعتراضات والملاحظات,, وتمكين الخصوم من ابداء ملاحظاتهم
واعتراضاتهم على تقارير الخبراء من اهم مظاهر حق الدفاع لأنه يترتب على تعطيل حقهم
في الاعتراض على تقارير
الخبراء اعتماد تلك التقارير كأدلة ضدهم يتم اعتمادها للحكم عليهم مثلما حصل في
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا, فعدم تمكين الخصوم من الاعتراض على تقارير
الخبراء تعطيل لحق الدفاع حتى ولو كانت تقارير الخبراء قد صدرت في قضية تنفيذية
مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع : النتائج الاجمالية في تقارير الخبراء غير موثوقة :
تقرير الخبير تقرير فني يتضمن
نتائج دراسة الخبير لموضوع فني دقيق, والدقة في التقرير لا تتحقق الا اذا كانت
النتائج الواردة في تقرير الخبير مفصلة
ومنسقة ومفهومة للقاضي والخصوم الذين تعنيهم النتائج الواردة في التقرير, فاذا
كانت نتائج التقرير مجملة فإنها تكون مبهمة فلا يستطيع القاضي او الخصوم الاقتناع
بها لانهم لا يعرفون مصدر وتفاصيل هذه
النتائج الاجمالية وكيف تم الوصول اليها, ولا يكفي ان يتضمن تقرير الخبير التفاصيل
التي تم بناء النتائج عليها بل يجب ان يبين التقرير المصادر التي تم الاستناد
اليها في تحديد البيانات والمعلومات والتفاصيل الواردة في التقرير كالفواتير التي
اشار اليها الحكم محل تعليقنا كما ينبغي ان يرفق الخبير في تقريره المستندات
والمصادر التي اعتمد عليها في تحديد البيانات والتفصيلات والنتائج الواردة في
التقرير للتدليل على مصداقية البيانات والمعلومات والنتائج الواردة في التقرير وللتأكيد
على صحة وسلامة مضمون التقرير, اضافة الى انه يجب ان يكون تقرير مقسما ومبوبا بحسب
مكونات المهمة التي كلفته المحكمة بإبداء الخبرة فيها حتى تكون النتائج واضحة وغير
متداخلة مع بعضها.
الوجه الخامس : مكونات نفقات المحاكمة :
تضمن الحكم محل تعليقنا نص المادة (257) مرافعات التي تحدد مكونات نفقات
المحاكمة (ويدخل في ذلك الرسوم القضائية واجور الخبراء ونفقات الشهود ونفقات اتخاذ
الاجراءات التحفظية واجرة من تنصبه المحكمة عن الخصم الغائب واجرة المحامي فلا
يدخل في نفقات المحاكمة التعويضات ولا ما قضت به المحكمة على الخصوم من غرامات
بسبب تعطيل الفصل في الدعوى وعدم الامتثال لقراراتها واوامرها) ومن صيغة هذا النص
القانوني يظهر ان نفقات المحاكمة ليست محددة على سبيل الحصر ولذلك يجوز ان تدخل
فيها اية مصاريف اخرى لم يرد ذكرها في هذه المادة مثل تكاليف تصوير المستندات وغير
ذلك, على ان العمل قد جرى على عدم الزام المحكوم
عليه بدفع كل مصاريف التقاضي وانما يتم الزامه بدفع بعضها, ومصاريف التقاضي
المحكوم بها يتم تسليمها كاملة الى يد المحكوم له في اليمن اما في مصر فان قسم
منها يذهب الى صندوق نفقة المحامين, والقانون هو مصدر الالتزام بدفع المصاريف
القضائية ولهذا يتحملها المحكوم عليه ولو كان حسن النية في منازعته ولم يرتكب اي
خطأ, والزام المحكوم عليه بدفع المصاريف القضائية لا يخل بمبدأ مجانية القضاء,
فالدولة تتحمل مرتبات القضاة وموظفي المحاكم ونفقات تشغيلها والخصوم يتحملون نفقات
خصوماتهم, كما ان المصاريف القضائية جائزة في الشريعة الاسلامية عملا بمبدأ (ان
الشخص المكلف بتسليم شيء الى صاحبه هو الذي يتحمل نفقات تسليمه عندما يكون للتسليم
مؤونةونفقة لان النفقة عندئذ تكون تابعة لتكليف المكلف لان التكليف متوقف عليها.
الوجه السادس : الجهة التي تتولى تقدير مصاريف التقاضي :
المحكمة هي وحدها التي يجب عليها ان تحكم بمصاريف التقاضي وفقا للمادة
(258) مرافعات التي نصت على انه (يجب على المحكمة من تلقاء نفسها ان تحكم بالزام
المحكوم عليه بالنفقات) فهذا النص يحتم على القاضي ان يورد في منطوق حكمه بندا
يتضمن موقف المحكمة من مصاريف التقاضي فعلى القاضي ان يحددها او يقرر بانه لا مصاريف عن المرحلة الابتدائية من مراحل
التقاضي وكذا الحال بالنسبة للشعبة الاستئنافية ثم الدائرة المعنية بالمحكمة العليا, وعندئذ لا
تثور مطلقا اشكالية تقدير مصاريف التقاضي لان القاضي المختص قد قام بتقديرها في
ضوء الاجراءات التي تمت امامه بموجب حكم القانون ولكن الاشكالية تحدث حينما يتجاهل
الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي القضاء في مصاريف التقاضي رغم مطالبة الخصوم
امام درجتي التقاضي حتى يصل الامر الى المحكمة العليا التي تقف حائرة في
تقديراتعاب التقاضي امام محكمتي الموضوع في حين ان المحكمة العليا محكمة قانون لا تستطيع ان تقدر المصاريف الا
بالنسبة عن مرحلة النقض, مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا .
الوجه السابع : اشكالية ارجاء المسائل الموضوعية في السندات التنفيذية :
من اخطر الظواهر السائدة في اليمن التي تعد من اهم عوائق تنفيذ الاحكام
القضائية وفي الوقت من اهم اسباب اطالة اجراءات التقاضي الارجاء في الحكم القضائي
السند التنفيذي الذي يتم تنفيذه حيث يتضمن الحكم السند التنفيذي في منطوقه مسائل
موضوعية تحتاج الى تحقيق وبحث موضوعي ومناقشة واوجه دفوع ودفاع في اثناء مرحلة
التنفيذ مثل ان يتضمن منطوق الحكم التنفيذي اجراء القسمة الجبرية او تعين محاسب
لاحتساب حصة فلان وزعطان او تكليف خبراء عدول لتقدير العناء او لتقدير شقية فلان
من الورثة او سعيه او تقدير مصاريف التقاضي مثلما حصل في القضية محل تعليقنا,
فعندئذ يكون قاضي التنفيذ امام قضية موضوعية مثله في ذلك مثل القاضي الموضوعي يجب
عليه ان يحقق ويبحث في تفاصيل هذه المسائل الموضوعية كما يجب عليه ان يواجه الخصوم
ويستمع الى اعتراضاتهم ودفاعهم ودفوعهم و ملاحظاتهم ويعقد جلسات لهذه الغاية ثم يصدر
قرارات تنفيذية وان كانت في حقيقتها ومضمونها احكاما موضوعية .
ولذلك لا اقول اوصي وانما اقول : يجب على المعنيين دراسة هذه الظاهرة او
الاشكالية فيجب ان يكون الحكم التنفيذي صالحا للتنفيذ بحيث تكون حصة الوارث محددة
ومقدار العناء محدد في منطوق الحكم سند التنفيذ وان تكون مصاريف التقاضي محددة
....الخ, فعندئذ يباشر القاضي اجراءات التنفيذ الاختياري ثم الجبري بكل يسر وسهولة
وبسرعة, وعندئذ تكون احكام القضاء قد اتت ثمارها المرجوة.
الوجه الثامن : توصية بشأن صدور قانون الخبرة اليمني :
من ضمن الاشكاليات التي يعاني منها القضاء اليمني عدم تنظيم مسائل الخبرة
القضائية, حيث ان قانون الاثبات اشار الى الخبرة في بضع مواد على اساس ان الخبرة من وسائل الاثبات, في حين ظلت مسائل
الخبرة القضائية خارج التنظيم القانوني, وفي مواجهة هذا القصور التشريعي تكون مسائل
الخبرة القضائية عرضة للاجتهادات والتفسيرات والتطبيقات المختلفة والمتناقضة
احيانا وهذا يضر بالعدالة ضررا بالغا, فلا بد من صدور قانون الخبرة القضائية الذي
يتضمن بيان الخبرة وانواعها وانواع الخبراء وشروطهم وحالات واجراءات اختيارهم
والمؤهلات والخبرة التي ينبغي ان تتوفر فيهم
وكيفية اعدادهم للتقارير والبيانات التي ينبغي ان تتضمنها تلك التقارير
وكيفية تقدير اتعاب الخبراء وطريقة دفعها وصحة التقارير التي يقدمونها, وكيفية
اعداد جداول الخبراء المعتمدين وجهة الترخيص لهم بممارسة اعمال الخبرة والاشراف
عليهم وغير ذلك ؛ والله اعلم.