الغلط في الحوالة المالية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الاخطاء في الحوالات
المالية ليست نادرة، فقد لا يقتصر الخطأ على مجرد وصول رقم الحوالة إلى الهاتف فلا
يتم استلام الحوالة لأنه ليس هناك علاقة مالية بين المرسل للحوالة وبين من وصل
إليه رقم الحوالة بالغلط، ولكن صورة
الخطأ التي نحن بصدد الحديث عنها هي الحالة التي يتم فيها استلام الشخص المغلوط
فيه لمبلغ الحوالة ، كما ان مبلغ الحوالة قد يدخل بالغلط في الحساب المصرفي للشخص
المغلوط فيدعي عدم تذكره للحوالة والغرض منها، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم
الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/3/2015م
في الطعن رقم (56293) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان حوالة مالية
تم ارسالها بالغلط إلى حساب احد الأشخاص الذي استلمها من حسابه طرف احد البنوك
وبعد فترة اكتشف البنك ان الحوالة قد دخلت بالغلط في حساب عميله فطلب البنك من
العميل إعادة مبلغ الحوالة، إلا أن العميل رفض ذلك مدعياً بأنه لم يعد يذكر موضوع
الحوالة ومبلغها والغرض منها وان هناك مبالغ كثيرة تدخل وتخرج من حسابه بصورة
مستمرة لذلك فانه لا يستطيع تذكر ذلك والتأكد من صحة ادعاء البنك وانه متمسك
بكشوفات حسابه الصادرة عن البنك، ورفض
إرجاع مبلغ الحوالة، فقام البنك برفع دعواه على عميله أمام المحكمة التجارية
الابتدائية مطالباً بالزام العميل بإعادة المبلغ، وقد توصلت المحكمة الابتدائية
إلى الحكم بالزام المدعى عليه بإرجاع مبلغ الحوالة الذي استلمه من غير حق والزامه
بدفع مخاسير التقاضي مائة وخمسون الف ريالا ، لان المدعى عليه مقر بإستلامه
المبلغ، ولأنه قد تبين من التقرير المحاسبي ان المبلغ ناتجً عن خطأ في عملية التحويل
من قبل البنك المدعي نفسه حيث قام بتحويل المبلغ عن طريق البنك الخارجي في نيويورك
حيث اعيدت الحوالة إلى حساب الشخص بالغلط بنفس بيانات الحوالة السابقة وبعد مدة
وردت افادة من البنك الخارجي بان الحوالة قد اعيدت بالغلط وقد تم التفاهم بين
البنك الداخلي والبنك الخارجي على تسوية وتصحيح الموضوع وتسليم المبلغ إلى الشركة
الاجنبية المرسل لها أصلاً المبلغ قيمة بضاعة ارسلتها لعميل البنك المدعى عليه
الذي استلم البضاعة بالفعل، فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة التجارية قضت
بتأييد الحكم الابتدائي، فلم يقنع المدعى عليه المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام
بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة التجارية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي،
وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (ذلك ان الثابت من أوراق القضية ان مبلغ
الحوالة قد قام بإستلامه الطاعن عن طريق الخطأ، إذ أن ذلك المبلغ هو المبلغ نفسه
المحول من قبله لشركة ... خارج اليمن قيمة البضاعة التي استلمها حيث تم اعادة
تحويل المبلغ من البنك الوسيط في نيويورك إلى البنك اليمني الذي قام بقيدها في
حساب عميله ولاحقا قام ابلغ البنك المطعون ضده ابلغ الطاعن ان الحوالة تم قيدها في
حسابه بالغلط، وحيث ان الطاعن قد استلم البضاعة المرسلة من الشركة الخارجية واستلم
الحوالة المعادة بالغلط وهي أصلاً قيمة البضاعة وقد أكد ذلك التقرير المحاسبي)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : إمكانية وقوع الغلط في توجيه الحوالة المالية وإمكانية اكتشافه :
توجيه أو إرسال الحوالات
إلى اصحابها يعتمد على أرقام الحسابات المصرفية أو ارقام الهاتف، وفي
الحالتين تكون الأرقام والشفرات المتشابهة وسيلة يستعملها الصيارفة في البنوك
ومحلات الصرافة عند ارسال مبالغ الحوالات إلى اصحابها، ولذلك فانه من الممكن ان
يغلط الموظف في رقم من الأرقام فتتجه الحوالة إلى غير صاحبها بالغلط، ويتم اكتشاف
الغلط حينما يتم تحويل الحوالة إلى شخص عن طريق رسالة إلى هاتفه لان تسليم الحوالة
اليه يستدعي تطابق اسم المرسل له الحوالة مع اسم الشخص الذي أرسل إلى هاتفه رقم
الحوالة بالغلط ، ففي هذه الحالة يتم اكتشاف الغلط بيسر وسهولة من غير أن يتم
تسليم الحوالة بخلاف الحال عند التحويل
إلى حساب مصرفي سواء لدى بنك من البنوك أو محل صرافة حيث لا يتم استدراك
الغلط في الحوالة قبل تسليمها مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا
،ومثلما أنه من الممكن الغلط في توجيه أو ارسال الحوالة فأنه من الممكن اكتشاف
الغلط في توجيه الحوالة واكتشاف الشخص الذي استلم الحوالة بالغلط عن طريق مراجعة
التحويلات المالية واجراء المطابقة فيما بينها إلا أنه بالنسبة للتحويل إلى
الحسابات المصرفية فان اكتشاف ذلك لا يتم بصورة سريعة.
الوجه الثاني : الغلط في الحوالة لا يكسب حقاً كما أنه لا يهدر حقاً :
الغلط في الحوالة لا
يكسب حقا،ً فمن دخلت حوالة مالية إلى حسابه بطريق الغلط لا يستطيع التعلل بأية حجة
أو وليجة للتمسك بالحوالة التي تمت إلى حسابه بالغلط مهما تقادم الوقت لانه غير
مستحق لمبلغ الحوالة شرعاً وقانونا،ً فهو قد استلم الحوالة من غير حق بل ان الواجب
الديني والقانوني والاخلاقي يحتم عليه الإبلاغ عن الحوالة التي تمت إلى حسابه
بالغلط حتى ولو لم يكتشفها الصراف، ولذلك لاحظنا ان عميل البنك في القضية التي
اشار اليها الحكم محل تعليقنا قد ظل متمسكاً بان مبلغ الحوالة التي دخلت إلى حسابه
ضمن التعاملات المصرفية اليومية التي تتم فيما بينه وبين البنك وأن ذلك المبلغ لم
يدخل حسابه بالغلط ومع ذلك فقد قضى الحكم الابتدائي بإلزامه بدفع المبلغ وايد ذلك
الحكم الاستئنافي الذي اقره حكم المحكمة العليا، لان حساب العميل المصرفي كان
يتضمن قيود المبالغ الواردة الى الحساب وقيود المبالغ المحسوبة من
الحساب فكان يظهر من الحساب نفسه مبلغ الحوالة التي تم قيدها بالغلط، فهو عبارة عن
مبلغ تم توريده إلى الحساب بالغلط لحوالة من البنك خارج اليمن.
الوجه الثالث : حجية كشوفات الحساب المصرفية المتضمنة مبالغ الحوالات بالغلط :
من المقرر في القانون
التجاري وقانون البنوك ان كشوفات الحساب المصرفية تكون لها حجيتها القانونية في
إثبات المبالغ الواردة فيها سواء فيما يتعلق بالعميل صاحب الحساب أو المصرف بعد
مضي مدة معقولة من غير اعتراض العميل على المفردات الواردة حسابه، إلا أن هذا الأمر لا يسري بالنسبة
للمبالغ التي تم قيدها بالغلط في الحساب
باعتبارها أخطاء مادية(اغلاط القلم) لانه من الثابت يقيناً أن هذه المبالغ قد تم
قيدها في الحساب من غير حق، والله اعلم.