طبيعة قرار مجلس التأديب وتقادمه

 

طبيعة قرار مجلس التأديب وتقادمه

أ.د . عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يتولى مجلس التأديب الفصل في الدعاوى التأديبية التي يتم رفعها على الموظفين المخالفين حيث يتم الفصل في الدعوى بقرارات يترتب عليها المساس بالمركز القانوني والاداري للموظف ،وبمقتضى القانون يحق للموظف الذي صدر بحقه قرار من المجلس التأديبي ان يتظلم أو يطلب الغاء ذلك القرار ولكن ذلك ينبغي ان يتم في اجال محددة حتى تستقر المراكز القانونية والادارية، كما أنه من المهم الاشارة إلى طبيعة المجلس التاديبي وطبيعة القرارات الصادرة عنه هل هي قرارات ذات طاقة قضائي أم قرارات ادارة محضة، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/2/2013م في الطعن رقم (46989) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الموظفين في شركة حكومية تقدم بدعوى ادارية طلب فيها الغاء القرار الاداري الصادر من الشركة بفصله  من الخدمة حيث ذكر ان القرار الصادر بفصله قد صدر بالمخالفة لأحكام قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية حيث لم يتم التحقيق معه في المخالفات المنسوبة له كما ان القرار لم يكن منسجمًا مع المخالفة المنسوبة له التي لم يرتكبها أصلاً كما أن القرار لم يراع الظروف والاعتبارات الوظيفية وماضيه في الوظيفةوقد دفعت الشركة بعدم  قبول الدعوى لثقديمها بعد مضي المدة المقررة قانونا لتقديمها ،وقد قضت المحكمة الابتدائية بإلغاء القرار الاداري رقم ... الصادر من ... بموجب قرار المجلس التأديبي رقم (..) بشأن فصل المدعي من عمله، وجاء في أسباب الحكم الابتدائي (ان المدعي مثل أمام المجلس التأديبي ولكن لم يتم التحقيق معه كما ان قرار فصله لم يتم بأمر الوزير المختص بل تم من قبل رئيس مجلس الادارة الذي اختصاصه يقتصر فقط على العقوبة بتخفيض الفئة والراتب وليس الفصل، كما أن المبلغ الذي تم اتهام المدعي باختلاسه ليس مبلغًا ضخمًا حتى يتم اتخاذ القرار بفصله) فقامت الشركة الحكومية باستئناف الحكم الابتدائي حيث قبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت بقبول دفع الشركة المثار امام محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى لتقادم ميعاد الطعن بقرار الفصل وحكمت الشعبة بعدم قبول دعوى الموظف والغاء الحكم الابتدائي، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (ان القرار الاداري بالفصل صدر بتاريخ ... واستلم الموظف المستأنف ضده صورة من القرار بعد صدوره بأربعة أيام ،والشعبة تجد ان المستأنفة قد دفعت أمام محكمة أول درجة بعدم سماع الدعوى لعدم تقديم دعوى الالغاء في الميعاد المقرر قانوناً لذلك، وقد ظلت الشركة مصرة على اثارة هذا الدفع أمام الشعبة، وحيث ان هذا الدفع من الدفوع المتعلقة بالنظام العام الذي اجاز المشرع ابداؤه في اية مرحلة من مراحل التقاضي بل وللمحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها، لذلك فان نعي الشركة سديد وموافق للمادة (222) من لائحة قانون الخدمة المدنية التي نصت على ان تكون قرارات مجلس التأديب في الوحدة الادارية نافذة بعد مصادقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة الادارية مع احتفاظ الموظف بحق اللجوء إلى القضاء المختص في حالة الفصل وذلك خلال فترة لا تتجاوز ثلاثين يومًا من ابلاغه كتابة بقرار المجلس) فقام الموظف المفصول بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، ومن حيث الموضوع فان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه قضى بقبول الدفع المقدم من المدعى عليه المطعون ضدها لعدم سماع الدعوى لسقوط الحق في تقديمها بمضي المدة لان  محكمة الاستئناف اخطأت في تطبيق القانون عندما قضت بقبول الدفع المقدم من المدعى عليها المطعون ضدها،  إضافة إلى ان الشعبة المدنية قد اقتصرت على نظر الدفع دون النظر في الدعوى التي كانت منظورة أمام محكمة أول درجة وفقا للأثر الناقل للاستئناف حسبما هو مقرر في المادة (288) مرافعات ، والدائرة تجد أن مناعي الطاعن في غير محلها لان الشعبة لم تتصد  للدفع المذكور وتقضي بقبوله من تلقاء نفسها وإنما بناءً على طلب المدعى عليها التي تقدمت بالدفع أمام المحكمة الابتدائية ثم تمسكت به أمام محكمة الاستئناف، وحيث أن الشعبة الاستئنافية قد تحققت من أنه قد تم اخطار الموظف بقرار فصله بعد أربعة أيام من تاريخ صدور  ذلك القرار ،وحيث ان الموظف قام بتقديم دعوى الالغاء أمام المحكمة الابتدائية بعد مضي (61) يومًا ومن ثم فان قضاء الحكم الاستئنافي صحيح موافق للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : الطبيعة القانونية للمجلس التأديبي الاعلى والقرارات الصادرة عنه:

يقرر قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية انشاء مجلس تأديبي اعلى برئاسة وزير العدل وعضوية وزيري الخدمة المدنية ووزير يختاره الموظف ورئيس جهاز المحاسبة حيث يتولى هذا المجلس النظر في الدعاوى التأديبية المرفوعة ضد موظفي مجموعة وظائف الادارة العليا ومن يشترك معهم في المخالفات من مجموعات الوظائف الاخرى، وكذا النظر في التظلمات التي يرفعها موظفو المجموعات الوظيفية من الثانية إلى الخامسة، وتكون قرارات هذا المجلس التأديبي الاعلى نافذة بعد مصادقة رئيس مجلس الوزراء عليها مع احتفاظ الموظف بحقه في اللجوء إلى القضاء المختص في حالة عقوبة الفصل فقط وذلك خلال فترة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغه كتابة بقرار المجلس حسبما ورد في المادة (221) من لائحة قانون الخدمة، ومن خلال استقراء النص السابق نجد الاتي :

1-     قرار المجلس التأديبي الاعلى قرار اداري لانه لا يكون نافذا الا بعد مصادقة رئيس مجلس الوزراء عليه، ولذلك فان هذا القرار اداري.

2-     قرارات هذا المجلس نهائية لا يجوز الطعن فيها أو التظلم منها ولكن يجوز اللجوء إلى القضاء في حالة واحدة فقط وهي اذا كان قرار مجلس التأديب قد قضى بفصل الموظف حيث يجوز للموظف في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء للمطالبة بإلغاء القرار المتضمن عقوبة الفصل.

3-     مجلس التأديب الاعلى إضافة إلى أنه جهة فصل في الدعاوى التأديبية بالنسبة لموظفي مجموعة الوظائف الادارية العليا  فان هذا المجلس جهة تظلم من قرارات مجالس التأديب القراءة في الوحدات الادارية بالنسبة للموظفين في المجموعة الثانية وحتى الخامسة.وتبعًا لذلك فلا يجوز التظلم من قرارات المجالس التأديبية أمام رئيس الجهة أو الوزير المختص أو أمام المجلس التأديبي الفرعي الذي اصدر القرار، وبمعنى اخر لا يجوز التظلم الولائي أو الرئاسي من القرار في هذه الحالة.

الوجه الثاني : الطبيعة القانونية لمجلس التأديب الفرعي في الوحدة الادارية والقرارات الصادرة عنه :

تقرر المادة (222) من اللائحة التنفيذية وجوب انشاء مجلس تأديب في كل وحدة ادارية للنظر في الدعاوى التأديبية المرفوعة على أي من موظفي المجموعات الوظيفية من الثانية إلى الخامسة وتكون قرارات مجلس التأديب في الوحدة الادارية نافذة بعد مصادقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة الادارية على أنه ينبغي في كافة الأحوال موافقة الوزير المختص على عقوبة تخفيض الفئة والراتب مع احتفاظ الموظف بحقه في اللجوء إلى القضاء المختص في حالة الفصل وذلك خلال فترة لا تتجاوز ثلاثون يومًا من تاريخ إبلاغه كتابة بقرار المجلس، وتقرر المادة (224) من اللائحة ذاتها على أنه يحق للموظف التظلم من قرار المجلس التأديبي الفرعي أمام مجلس التأديب في المحافظة الذي يتم تشكيله بقرار من رئيس مجلس الوزراء كما يختص مجلس التأديب في المحافظة بالنظر في الدعاوى من رئيس مجلس الوزراء كما يختص مجلس التأديب في المحافظة بالنظر في التأديب المرفوعة ضد موظفي الجهاز الاداري للدولة في المحافظة من غير الذين يختص المجلس التأديبي الاعلى بالنظر في الدعاوى التأديبية المرفوعة عليهم، ومن خلال ما تقدم يظهر ان قرار المجلس التأديبي الفرعي في الوحدة الادارية قرار اداري لانه يخضع لمصادقة رئيس الوحدة أو الوزير فلا يكون نافذاً الا بهذه المصادقة ،كما يظهر أنه لا يجوز التظلم من القرار التاديبي الصادر من ذلك المجلس إلا أمام المجلس التأديبي للمحافظة كما يظهر أن قرار المجلس التأديبي من الوحدة الادارية نهائياً من حيث اللجوء إلى القضاء حيث صرح النص القانوني بعدم جواز اللجوء إلى القضاء لإلغاء قرار المجلس التأديبي إلا اذا كان القرار قد قضى بفصل الموظف.

الوجه الثالث : مدة دعوى الغاء قرار المجلس التأديبي :

من خلال مطالعة النصوص القانونية الناظمة لمجلس التاديب على النحو المبين في الوجهين الأول والثاني نجد المدة التي يجوز للموظف ان يلجاء فيها إلى القضاء للمطالبة بالغاء قرار المجلس التأديبي بفصله هي ثلاثون يومًا يبدأ احتسابها من تاريخ إبلاغ الموظف بقرار المجلس التأديبي، وبناءً على ذلك فقد صرح الحكم محل تعليقنا بعدم جواز قبول دعوى الغاء قرار المجلس التأديبي بفصل الموظف اذا تم تقديمها بعد مضي المدة المشار اليها وقضى الحكم محل تعليقنا بان هذه المدة مثل المدد والاجال القانونية الاخرى هي من النظام العام ولذلك يجوز اثارتها في أي مرحلة من مراحل التقاضي ويحق للمحكمة ان تتصدى لذلك من تلقاء ذاتها حتى ولو لم يتناولها اطراف الخصومة الادارية، ولا شك ان القانون قد قرر مدة تقادم قرار مجلس التأديب حتى تستقر المراكز القانونية والادارية، ولهذه الغاية فقد قرر القانون مدة تقادم قرار مجلس التأديب بثلاثين يومًا وجعلها اقل من مدة تقادم القرار الاداري عامة وهي ستون يومًا، والله اعلم.