جواز التحكيم في الأرش

 

جواز التحكيم في الأرش

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من المسائل المثيرة للجدل في اليمن التحكيم في المسائل الجزائية ومن ضمنها التحكيم في الأروش الناجمة عن جرائم الإعتداء على الاشخاص ، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في جلستها المنعقدة بتاريخ  8 /2/2013م في الطعن المدني رقم (46817) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن مشاجرة حدثت فيما بين اخوين من جانب وبين أولاد شخص أخر فتطورت المشاجرة إلى عراك حيث الحق الاخوان بأولاد الشخص اصابات تم اثباتها في تقارير طبية ،وقد قام قسم الشرطة بضبط الواقعة والمتهمين وبعد ذلك قام الطرفان بتحكيم شخصين للفصل في القضية، فتم سحب القضية من قسم الشرطة إلى المحكمين اللذين توصلا إلى  الحكم بثبوت الإعتداء من قبل الاخوين على الأولاد المجني عليهم وإلزام احد الأخوين بدفع أرش الجنايات التي احدثها ذلك الاخ بالمجني عليهم وفقاً للتقارير  المعتمدة، فقام الاخ المحكوم عليه بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة الاستئناف التي توصلت إلى الحكم بقبول دعوى البطلان وإبطال حكم التحكيم، وقد جاء في أسباب الحكم الاستئنافي (ان حكم التحكيم جاء مخالفاً لقانون التحكيم ،فمن خلال المراقبة تبين  للشعبة أن التحكيم صادر في  قضية جنائية تم سحبها من مركز الشرطة، وكانت القضية عبارة عن مضرابة ادت إلى اصابات متفاوتة لحقت بالمجني عليهم حسبما جاء في التقارير الطبية، وكان على قسم الشرطة الا يحيل ويسلم القضية الى المحكمين لان هذه القضية من النظام العام فيجب التحقيق فيها وإحالتها إلى النيابة العامة لتتخذ الإجراءات اللازمة فيها وفقاً لقانون الإجراءات الجزائية) فلم يقبل ولي آمر الأولاد المجني عليهم بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة أن الحكم الاستئنافي محل الطعن قد جانب الصواب حينما كيّف القضية والمطالبة بالأرش بأنها جنائية وأن النيابة هي المختصة برفع الدعوى الجزائية، فهذا القول الذي عوّلت عليه محكمة ثاني درجة  تعليل فاسد لانه من المعلوم قانوناً ان المطالبة بالأرش أو الحكم به جانب مدني بإعتباره تعويضاً للمصاب ومن ثم فما استندت اليه محكمة ثاني درجة لم يكن له أساس قانوني يقوم عليه وأن الحق العام لم يكن محل تحكيم ولم يفصل فيه المحكمان الأمر الذي يستوجب معه الجزم بقبول الطعن بالنقض موضوعاً لقيام سببه وإندراجه تحت أحكام المادة (292) مرافعات المحددة لحالات الطعن بالنقض) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : التحكيم في الأرش في قانون التحكيم :

 الأصل أنه يجوز التحكيم في كل المسائل الا تلك المسائل المستثناة في المادة (5) في قانون التحكيم التي صرحت بأنه (لا يجوز التحكيم فيما يأتي -أ- الحدود واللعان وفسخ الزواج –ب- رد القضاة ومخاصمتهم –ج- المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جبراً –د- سائر المسائل التي لا يجوز فيها الصلح –هـ- كل ما يتعلق بالنظام العام) والمسائل المتعلقة بالنظام العام مسائل كثيرة وواسعة، لان مفهوم النظام العام واسع، ولذلك فقد قضى الحكم الاستئنافي بأن التحكيم في جرائم الأرش من النظام العام التي لا يجوز التحكيم فيها، لان هذه الجرائم تستدعي قيام النيابة العامة بالتحقيق والتصرف فيها بحسب القانون، لانها تشتمل على الحق العام الذي تمثله النيابة العامة، وعلى فهم الحكم الاستئنافي فان المقصود بالنظام العام المنصوص عليه في المادة (5) تحكيم الذي لا يجوز التحكيم فيه هو القضية كاملة لان النيابة العامة هي المختصة قانوناً بالتحقيق والتصرف فيه وتحريك الدعوى الجزائية، وتبعاً لذلك لا يجوز للافراد التحكيم فيها، في حين ذهب حكم المحكمة العليا إلى أنه يجوز التحكيم في قضايا الأروش طالما والمحكم يقتصر في حكمه وتحكيمه على النظر في الأروش والحكم بها دون  النظر اوالحكم بالحق العام المصاحب لها.

الوجه الثاني : الأرش بين العقوبة والتعويض :

صرح قانون الجرائم والعقوبات بأن الأرش عقوبة حيث عددت المادة (38) عقوبات عددت العقوبات الأصلية وذكرت الأرش من ضمنها حسبما ورد في الفقرة (8) من المادة المشار اليها، وكذا حددت المادة (42) عقوبات مقدار الأرش في كل جناية كعقوبة، وذكرت المادة (57) عقوبات أنه لا يجوز الجمع بين عقوبات القصاص والدية والأرش ،وبناءً على ذلك فقد ذهب الحكم الاستئنافي إلى أن الأرش طالما وهو عقوبة فالواجب إحالة الفعل أو الجريمة الموجبة للأرش إلى النيابة العامة لتحقيقها والتأكد من وقوعها ونسبتها للمتهم ثم تحريك الدعوى الجزائية للمطالبة بتوقيع العقوبة المقررة على الفعل وهي الأرش.

الوجه الثالث : مدى جواز التحكيم في قضايا الأروش :

مع ان النصوص القانونية السابق ذكرها في الوجه الثاني قد صرحت بأن الأرش عقوبة في القانون اليمني الا ان عقوبة الارش ذات طبيعة خاصة فهي ليست كعقوبة الغرامة التي يتم توريدها إلى الخزينة العامة ولكن الأرش يتم دفعه إلى المجني عليه أو اولياء الدم، كما أن الحكم بالأرش يكون بموجب الدعوى التي يرفعها المدعي بالحق المدني أو بالحق الشخصي، إضافة إلى أن قانون الجرائم والعقوبات قد اجاز الصلح على القصاص واجاز اسقاط المجني عليه أو أوليائه للأرش حيث نصت المادة (68) من القانون بأنه (يجوز الصلح على القصاص بأكثر أو باقل من الدية أو الأرش ويملك الصلح من يملك القصاص أو العفو ولا يجوز لغير المجني عليه أو لغير ورثته انفسهم التصالح على أقل من الدية أو الأرش كاملاً لمصلحة يقرها القاضي) ومفهوم هذا النص أنه يجوز للمجني عليه نفسه أن يصالح على الأرش كامل اي يسقطه أو يصالح على  أقل من الأرش، والقاعدة أن ما يجوز الصلح فيه يجوز التحكيم فيه، وعلى هذا الأساس فان أغلب قضايا القصاص والأروش يتم حسمها في اليمن عن طريق التحكيم وقد سبق لنا ان ذكرنا في تعليق سابق ان من خصوصية التحكيم في اليمن جواز التحكيم في بعض المسائل الجزائية مثل قضايا القصاص والديات والأروش، والله اعلم.