الخطأ في الحادث المروري

 

الخطأ في الحادث المروري

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

الثقافة الاجتماعية التصالحية في المجتمع اليمني تؤثر سلبا في تشجيع الحوادث المرورية وارتفاع نسبتها, حيث يسود في اليمن مفهوم الخطأ المشترك الذي يجعل المجتمع والمختصين يعبرون عن موقفهم المسبق في التفسير القانوني لحوادث السير او المرور حيث يسود مفهوم (كل واحد يصلح سيارته) أي انه ينبغي على كل من يقود السيارة التي حصل منها او فيها الحادث المروري ان يتولى بنفسه ومن ماله اصلاح سيارته, فمفهوم الخطأ المشترك هو السائد في المجتمع اليمني حتى ولو كان المتسبب هو واحد وليس الجميع, وفي افضل الاحوال فان المجتمع يتعامل ويفرض منطق (ثلثان وثلث) الذي يعني ان احد اطراف الحادث المروري يكون متسببا في الحادث بنسبة الثلثين في حين يكون الطرف الثاني في الحادث قد تسبب في الحادث بنسبة الثلث, وكأنه من غير المتصور ان يكون المتسبب في الحادث المروري هو شخص بعينه, وان كانت هذه الثقافة السائدة في المجتمع الا ان القضاء يحاول جاهدا تكريس منطق الحق والعدل حيث يقضي بان المتسبب في الحادث وحده هو المسئول وحده عن كافة التبعات والمسئوليات المترتبة على الحادث الذي تسبب في وقوعه حتى لو كتن مضطرا عند تسببه في الحادث كما لو كان قد تجاوز خط سيره هربا من حادث اكبر واضطر مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/1/2012م في الطعن الجزائي رقم (44784) لسنة 1433هـ وتتلخص وقائع القضية التي قضى فيها هذا الحكم ان سائق سيارة نقل (شاص) كان يسير في طريق الحديدة صنعاء وفي اثناء سيره جاءت ناقلة تسير بسرعه بالغه من خلفه وكادت ان تصطدم به فاضطر الى الخروج من سيره الى الخط المعاكس حيث اصطدم بسيارة هايلكس غمارتين وقد ترتب على الحادث اصابة احد ركاب السيارة الهايلوكس وحدوث تلفيات كبيرة في السيارتين, وقد قامت النيابة العامة بتقديم سائق السيارة الشاص والسيارة الهايلوكس الى المحكمة حيث اتهمتهما معا بالجناية على بعضهما ضمن الثقافة السائدة في اليمن التي تنظر الى كل من اشترك في الحادث المروري هو مخطئا يستحق العقاب الا ان المحكمة قضت بان سائق السيارة الشاص وحده هو المتسبب في الحادث وانه يتحمل وحده كافة التبعات والمسئوليات عن الحادث, الا ان السائق الاخر قام     بالطعن بالاستئناف فقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم فلم يقتنع السائق المحكوم عليه بذلك فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي اقرت الحكم مسببه حكمها بانه (من خلال دراسة     الاوراق مشتملات الملف فقد وجدت عدم صحة مناعي الطاعن على الحكم الاستئنافي والقول بانه قد تجاهل دور المطعون ضده في الحادث وانه قد حمله وحده كافة المسئوليات عن الحادث خلافا للواقع والقانون, والدائرة تجد ان ما ذكره الطاعن غير صحيح حيث ان الطاعن نفسه قد اقر امام محكمة اول درجة بانه قد خرج عن خط سيره الى الاتجاه الاخر هربا من الناقلة التي كانت على وشك الاصطدام به من الخلف, فالطاعن مقر بانه الذي خرج عن خط سيره الى الاتجاه الاخر فاصطدم بسيارة المطعون ضده التي كانت تسير في خط سيرها وبذلك الطاعن وحده هو المتسبب بالحادث والمسئول عنه مما يستوجب رفض طعنه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية :

الوجه الأول : ماهية الخطأ الموجب للمسئولية في الفقه الاسلامي وتطبيقه :

قضى الحكم محل تعليقنا بان المسئول عن تحمل تبعات الحادث المروري هو السائق الذي خرج من خط سيره الى الخط المعاكس باعتباره السائق الذي وقع منه الخطأ وتسبب في وقوع الحادث المروري ومن ثم فانه يتحمل وحده كافة التبعات التي ترتبت عن الحادث الذي تسبب في وقوعه, ولذلك فان مقتضيات التعليق على هذا الحكم تستوجب الاشارة بإيجاز الى ماهية الخطأ في الفقه الاسلامي والقانون وبيان تطبيق الحكم لذلك, فالفقه الاسلامي يقرر ان الشخص الذي يصدر منه الخطأ يكون مسئولا عن فعله الذي وقع على وجه الخطأ طالما وقد تسبب هذا الخطأ في الحاق الضرر بغيره من العباد, حيث ان مجال تطبيق الحديث النبوي (رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) يتعلق برفع الاثم عمن صدر منه الخطأ وذلك مقصور على العقاب الالهي المقرر على الفعل لو فرضنا انه وقع عمدا, ونستطيع القول ان الفقه الاسلامي متفق على ان من صدر منه فعل الخطأ مسئول عن أي ضرر يلحق بالغير جراء فعل الخطأ ويتأسس فعل قول الفقه الاسلامي على ان الشخص الذي يصدر منه الخطأ لم يتأمر بالأوامر والنواهي الشرعية التي امرته بأخذ الحيطة والحذر والاحتراس والتوقع للأخطار والمضار التي قد يسببها لغيره حتى ولو لم يتعمدها ومن هذه الاوامر قوله تعالى (وخذوا حذركم) التي اكد عليها القران الكريم ثلاث مرات توكيدا عليها حتى يلتزم بها المسلم الا ان من يصدر من الخطأ لم يلتزم بها بل ان بعض الفقهاء ويقررون ان من صدر منه الخطأ اثم في حق الله تعالى والا لما قرر الله سبحانه وتعالى الكفارة على القاتل خطأ وهي كفارة كبيرة تتدرج الى الصيام شهرين متتابعين مع ان القتل وقع على سبيل الخطأ, ولذلك فان نطاق الخطأ في الفقه الاسلامي واسع جدا قياسا بالقانون فضلا عن اكثر وضوحا من القمن القانون بل ان فكرة القصد الاحتمالي تجد اساسها في رؤية الفقه الاسلامي للخطأ التي اوجبت على المسلم اخذ الحيطة والحذر وتوقع المخاطر والاضرار, وعند تطبيق فكرة الخطأ في الفقه الاسلامي على ما قرره الحكم محل تعليقنا نجد انه موافق لأحكام الفقه الاسلامي حيث ان السائق الذي خرج عن خط سيره الى الخط المعاكس عمدا وذلك ممنوع عليه لاحتمال اصطدامه بمركبات اخرى ولذلك فان هذا السائق قد ترك واجب الاحتراس والحذر ولذلك يستحق العقاب الذي قرره الحكم مع انه لم يرد النتيجة التي حصلت جراء فعله, ونلاحظ ان الفقه الاسلامي لا يعترف بفكرة توزيع المسئولية او تبعات الحادث على غير من صدر منه الخطأ بخلاف ما هو شائع في اليمن .

الوجه الثاني : ماهية الخطأ في القانون :

من المقرر في ان الخطأ يقع حينما يعتري الفاعل الطيش او الهوى الجامح مثل السرعة الزائدة او حينما يخالف التفاعل التوجيهات او التعليمات مثل توجيهات وتعليمات المرور التي تمنع التجاوز في اماكن معينه من الطريق والتي تحدد السرعة في الطريق بمختلف مستوياتها وكذا التي تضع اشارات معينة منها اشارات التجاوز المسموح وغير المسموح, وعند مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد وافق القانون حينما قرر ان السائق المتجاوز الى الخط المعاكس يتحمل كافة نتائج الحادث ولو لم يكن يقصد وقوع النتيجة المتمثلة في الحادث المروري وهو الاصطدام بمركبة اخرى كانت تسير في اتجاهها الصحيح ومع انه قد لحقت بسيارة السائق المخالف للتعليمات اضرار باهضه الا ان الحكم التفت عن ذلك ولم يحكم له بأي مبلغ, ولذلك فان هذا الحكم قصر المسئولية على السائق الذي صدر منه الخطأ دون السائق الاخر.

الوجه الثالث : اشكالية تطبيق فكرة الخطأ وسوء تطبيقها في اليمن :

تتداخل مفاهيم مغلوطه كثيرة تسهم في سوء تطبيق فكرة الخطأ حيث يتم التجاوز عن الخطأ وعدم مسائلة الشخص الذي يصدر منه الخطأ, في تطبيق الخطأ يترتب عليه عدم المسائلة عن الخطأ او التساهل في تحميله تبعات ومسئوليات الخطأ الصادر منه خاصة وانه يصعب في احيان كثيرة التصرف على قصد ونية الفاعل وما اذا كان يقصد اتيانه او اخطأ فيه وقد افضى هذا الامر الى اهدار الاموال العامة والخاصة بل واهدار الدماء حيث ان من يأتي فعلا مخالف للقانون يدعى انه صدر منه على سبيل الخطأ والثقافة العامة السائدة تشجعه على ذلك – ويدعم هذا الاتجاه الفاسد استدلال مخالف وفاسد وفهم مغلوط للنصوص الشرعية مثل الاستدلال بقوله تعالى (وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت به قلوبكم) فهناك من يستدل بهذا على خلاف ما هو مقرر عند علماء التفسير والاصول الذين قرروا ان المقصود بالجناح في هو الاثم او المسئولية الدينية (ديانة) اما حقوق الدولة او العباد فلا تسقط المسئولية الادارية والجزائية والمدنية عمن يصدر عنه فعل الخطأ في حين ان هناك من يحاول الاستدلال بهذه الآية على انها مسقطة للمسئولية عن كل من يصدر منه الفعل الخطأ سواء المسئولية الدينية او الجزائية او المدنية او الادارية ومثل ذلك الاستدلال بالحديث النبوي (رفع عن امتي الخطأ والنسيان ...الخ) السابق ذكره, ومن جهة ثانية فان هناك اتجاه فيما يتعلق بالمسئولية عن حادث السير او الحادث المروري يذهب ان الخطأ مفترض من جانب قائد السيارة مطلقا فلا يجوز له اثبات انه لم يصدر منه الخطأ حتى لو كان احد من المشاة قد تعمد الانتحار والقى بنفسه امام السيارة التي يقودها السائق الذي كان يسير بالسرعة المحددة ولم يخالف تعليمات المرور وارشاداته فهذا الفهم مخالف ايضا لأحكام الشريعة الاسلامية والقانون التي حددت المفهوم الشرعي والقانوني للخطأ السابق بيانه، والله اعلم.