طرق الاحتيال في القانون اليمني

 

 طرق الاحتيال في القانون اليمني

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في كثير من الاحيان يكون للألفاظ والمصطلحات المتداولة تأثير على المصطلحات القانونية حيث يتم اعتماد المصطلحات المتداولة وتغليبها في التطبيق العملي، والشواهد في هذا المجال كثيرة ومن ذلك جريمة الاحتيال حيث يتصور غالبية الناس ان التعاقد على شيء اذا لم يتم الحصول على الشيء محل العقد يكون ذلك احتيالاً دون اعتبار لطرق الاحتيال المحددة في القانون التي لا تقوم لجريمة الاحتيال قائمة الا اذا تحققت تلك الطرق، كما ان قانون الجرائم والعقوبات قد انفرد في عديم التجريم والعقاب للشروع في جرائم الاحتيال حيث فتح الباب واسعا امام واسعا النصابين والمحتالين لاستعمال مهاراتهم وقدراتهم الاجرامية في هذا المجال طالما ان الامر لايتعدي الشروع  ولذلك نلاحظ كثرة جرائم النصب والاحتيال؛اضافة الى ان هناك تداخل في اليمن بين مفاهيم النصب  والاحتيال   ومفاهيم الفهلوة والمغالطة والتذاكي والشطارة والرجالة!!! فلاتكاد تجد فارقا بين هذه المفاهيم الهلامية المتداخلةولذلك فان الامر يحتاج الى توعية عن طريق بيان القضاء التطبيقي بالنسبة لطرق الاحتيال ونظرة القضاء لها، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/2/2011م في الطعن الجزائي رقم (43529) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة قدمت احد الاشخاص امام المحكمة الابتدائية بتهمة الاحتيال حيث توصل المتهم بغير حق الى الحصول على فائدة مادية لنفسه وهو مبلغ مليون ونصف مليون ريالا بالاستعانة بطرق احتيالية وذلك بأن أوهم المجني عليه بانه سوف يقوم ببيعه ارضية في احدى مناطق المدينة حيث قام المتهم بأخذ المبلغ المذكور من المجني عليه تحت تأثير ذلك الايهام  وبرضاء المجني عليه واستند قرار الاتهام الى المادة (310) عقوبات، وامام المحكمة رد المتهم بانه مجرد ساعي فقط لبيع الارض وان المجني عليه قد استدرجه للتوقيع على أوراق لا يعلم مضمونها لأنه أمي، وبعد ان سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر القضية توصلت الى الحكم ببراءة المتهم، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي (ان المحكمة تجد ان الواقعة المنسوبة للمتهم لا يعاقب عليها القانون لانعدام الركن المادي لان القانون يشترط في الركن المادي لجريمة الاحتيال في المادة (310) عقوبات ان يكون التوصل للفائدة المادية بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب) مثل اتخاذ اسم كاذب أو صفة كاذبة وبالرجوع إلى ملف القضية تجد المحكمة ان المجني عليه يعلم ان الارض ملك والد المتهم وهو ما اكده في اقواله امام المحكمة وفي محاضر التحقيق ويعلم المجني عليه ان والد المتهم حي يرزق وانه المالك الوحيد للأرض وله وحده سلطة القرار ببيع الارض ومع ذلك اقدم المجني عليه على الشراء من المتهم وهو على علم بذلك قابلاً للنتيجة فقد قال المشتري المجني عليه بانه قبل شراء الارض بمشاكلها اضافة الى ان المجني عليه يعلم ان المتهم لا توجد لديه وكالة من والده ببيع الارض ومع ذلك قام بالشراء من الولد ولذلك فلم تجد المحكمة ان المتهم قد استعمل ايةطريقة او وسيلة من وسائل الاحتيال او الايهام) فلم يتم قبول الحكم الابتدائي من جانب النيابة العامة والمجني عليه المدعي بالدعوى المدنية التبعية حيث قاما باستئناف الحكم، وقد قبلت الشعبة الاستئنافية الجزائية الاستئناف حيث قضت بإلغاء الحكم الابتدائي وادانة المتهم بجريمة الاحتيال ومعاقبته بالحبس لمدة ستة اشهر مع وقف التنفيذ والزامه بتسليم المبلغ الذي قبضه من المجني عليه) وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي (والشعبة تجد ان الحكم الابتدائي قد جانب الصواب عندما قضى بنفي النصب والاحتيال على المستأنف ضده لعدم وجود الركن المادي في الفعل لان محكمة اول درجة لم  تستطع ان تتبين ماهو الركن المادي غير الموجود في القضية مع ان المستأنف قد احضر اربعة وعشرين سنداً تفيد ان المتهم استلم المبالغ المدونة فيها مقابل ارضية في.... مساحتهاثلاث لبن كما ان المجني عليه قدم شاهدين اكدا ان المستأنف ضده استلم المبلغ مقابل بيع ارضيته وحيث ان المستندات المرفقة بالملف تدل ان المتهم قد استلم مليون ونصف مليون ريال من ثمن الارض) فلم يقبل المتهم بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه بالنقض حيث قبلت الدائرة الجزائية الطعن وقضت بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد نعى الطاعن على الحكم الاستئنافي المطعون فيه بأنه قد خالف المادة (310) عقوبات حيث لم تتحقق في الواقعة اركان وشروط الجريمة، والدائرة تجد ان ما نعاه الطاعن في محله ذلك ان الشعبة لم توضح الطرف او الاساليب الاحتيالية التي استخدمها المتهم المذكور والتي تعد احدى صور الركن المادي لجريمة الاحتيال وفقاً لنص المادة (310) عقوبات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الاوجه الأتية :

الوجه الأول :ماهية طرق الاحتيال حسبما ورد في المادة (310) عقوبات :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد نقض الحكم الاستئنافي لأنه لم يبين طرق الاحتيال التي توسل بها المتهم واشار الحكم الى ان المادة (310) عقوبات قد اشترطت لقيام جريمة الاحتيال ان يتوسل المتهم بطرق احتيالية حتى تقوم جريمة الاحتيال وتتم معاقبته بالعقوبة المقررة على ارتكاب الجريمة فالمادة (310) عقوبات وان اشترطت توفر طرق الاحتيال فقد اشارت الى تلك الطرق حيث نصت هذه المادة على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بالغرامة من توصل بغير حق الى الحصول على فائدة مادية لنفسه او لغيره وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب) أو اتخذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة) وقد قضت محكمة النقض المصرية بان جريمة الاحتيال لا تتحقق بمجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة الا اذا كان قائلها قد صاحب الكذبة بمظاهر خارجية توحي للمجني عليه بصدق تلك الادعاءات الكاذبة فتحمل المجني عليه لتسليم المال الى الجاني، ونلاحظ على النص القانوني السابق انه لم يحدد ماهية الطرق الاحتيالية أو نوعها او اسلوبها؛ولاريب ان القانون يهدف من ذلك الى التوسع في  الافعال التي تعد من قبيل الطرق الاحتيالية وقد سلك القانون اليمني في ذلك مسلك القانون المصري والايطالي والسويسري، والطرق الاحتيالية لا يمكن حصرها الا انه يجب ان تكون الطريقة الاحتيالية على درجة من الترتيب والتنظيم الذي يجعل الحيلة تنطلي على متوسط الذكاء ، فالطريقة الاحتيالية لا تتحقق بها جريمة الاحتيال الا اذا كان من شأنها خداع المجني عليه وجعله يقوم بتسليم ماله الى الجاني، فمن يزعم بقدرته على شفاء الامراض او يوهم الناس بقدرته على الاتصال بالجن أو قدرته على الارشاد الى شيء مفقود او استخراج كنز في باطن ارض او منزل تتحقق في فعله جريمة الاحتيال (جرائم  النصب والاحتيال، د.عبدالحميد المنشأوي،ص52).

الوجه الثاني : طريقة الاحتيال في شراء العقارات :

صرح الحكم محل تعليقنا بان الواقعة المدعى انها احتيال كانت بمناسبة توسل المتهم ببيع العقار للحصول على مال المجني عليه أي انه حصل على مال المجني عليه عن طريق ايهامه ببيع عقار ابيه الى المجني عليه، ولذلك فمن المناسب الاشارة بإيجاز الى طرق الاحتيال فما يتعلق ببيع العقار حيث يشترط في هذه الحالة لقيام جريمة الاحتيال ان يكون العقار غير مملوك للجاني وان يكون المجني عليه غير عالم بان العقار ليس ملكاً للجاني، وقد قضت محكمة النقض المصرية  بأنه : اذا كان دفاع المتهم  بعدم توفر عنصر الاحتيال لان المجني عليه حين تعاقد معه كان يعلم انه غير مالك لماتم التعاقد بين الطرفين عليه فان حكم محكمة الموضوع اذا أدان المتهم بجريمة الاحتيال على اساس ان التصرف في مال لا يملكه المتهم فان هذا الحكم يكون قاصر البيان في الاسباب التي بنى عليها. (جريمة النصب، د.عبد الحميد المنشأوي،ص27) ، وعلى هذا المفهوم فان الواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا لم تتحقق فيها الطريقة الاحتيالية لان المجني عليه كان يعلم ان الارض ملك لوالد المتهم وان تلك الارض موجودة بالفعل وان الارض عليها مشاكل وان الارض معروضة للبيع بحالتها أي بمشاكلها ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم الاستئنافي والزام الشعبة الاستئنافية ببيان طريقة الاحتيال اللازمة لإدانة المتهم.

الوجه الثالث : عدم تجريم القانون اليمني للشروع في جريمة الاحتيال وتوصيتنا للجهات المعنية :

من خلال الدراسة العميقة للمادة (310) عقوبات يمني يظهر بجلاء تام ان القانون اليمني هو القانون الوحيد الذي لا يجرم ولا يعاقب على الشروع في جرائم الاحتيال والنصب بخلاف قوانين العالم اجمع التي تعاقب على الشروع في هذه الجريمة الخطيرة، لان اغلب الوقائع التي تتم في الواقع العملي التي يتم اكتشافها وضبطها هي شروع في جرائم النصب والاحتيال خاصة في المجتمع اليمني الذي تتداخل فيه طرق النصب والاحتيال بمفاهيم الثقافة الفاسدة التي افرزت مفاهيم الشطارة والتذاكي والفهلوة والمغالطة وأكل اموال الناس وان هذه المفاهيم من قبيل الشطارة والرجالة في حين ان هذه المفاهيم متداخلة مع الطرق الاحتيالية، ولذلك فان القانون حينما لم يعاقب على الشروع في جرائم النصب والاحتيال يكون قد اغرى النصابين والمحتالين على الاستمرار في نشاطهم الاجرامي لان القانون لا يسألهم عن الشروع والبدء في ارتكاب جرائم النصب والاحتيال، ولذلك فإننا نوصي المقنن اليمني بإعادة النظر في المادة (210) عقوبات وتضمينها تجريم وعقاب الشروع في النصب والاحتيال مثلما هو مقرر في قوانين مربع نص: الأسعدي للطباعة / ت 772877717العام قاطبة فلماذا انفرد القانون اليمني في هذه المسألة !!! ، والله اعلم.