دعوى العامل في اليمن على صاحب العمل الأجنبي خارج اليمن

 

دعوى العامل في اليمن على صاحب العمل الأجنبي خارج اليمن

أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

تتلخص وقائع القضية التي بت فيها الحكم محل تعليقنا في أن عامل يمني تعاقد مع شركة مركزها الرئيسي دولة مجاورة وقد تم إبرام عقد العمل في صنعاء وتم تحديد أجر العامل بعملة  تلك الدولة ، وتم تنفيذ عقد العمل بمدينة صنعاء لحساب فرع الشركة الأجنبية الواقع في مدينة صنعاء ، وبعد مضي أكثر من عامين قامت الشركة الأجنبية بالفصل التعسفي للعامل اليمني الذي قام برفع دعواه أمام اللجنة التحكيمية العمالية بصنعاء، فقام محام الشركة الأجنبية بالدفع بعدم اختصاص القضاء اليمني بنظر تلك الدعوى ، لأن الدعوى يجب أن يتم رفعها في موطن المدعى عليه ، وموطن تلك الشركة خارج اليمن حيث يقع مركزها الرئيس، واستدل المحامي بأن التعاقد قد تم بين الشركة الأجنبية وعنوانها ومقرها خارج اليمن حسبما هو مبين في ديباجة عقد العمل ، كما أن أجر العامل مذكور في عقد العمل بأن يكون بالفرنك وهو عملة تلك الدولة ولم يكن بالريال اليمني، فقام العامل اليمني بالرد على الدفع بأن عقد العمل قد تم التوقيع عليه في مدينة صنعاء باليمن وتم تنفيذه في اليمن وتم التوقيع عليه في فرع الشركة باليمن، وتمسك العامل بأن الإختصاص منعقد للقضاء في اليمن، وقد فصلت اللجنة التحكيمية في الدفع والدعوى لصالح العامل اليمني على أساس ان القضاء اليمني مختص بنظر هذا النزاع، فما كان من الشركة الأجنبية إلا أن قامت بالطعن بالإستئنافي في قرار اللجنة التحكيمية العمالية وبعد المرافعة والمداولة حكمت محكمة الإستئناف بتأييد قرار اللجنة التحكيمية، فلم تقنع الشركة الأجنبية بالحكم الإستئنافي حيث قامت بالطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي وبعد دراسة الدائرة المختصة بالمحكمة العليا لملف القضية قررت الدائرة تأييد الحكم الإستئنافي، وهذا الحكم هو محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/8/2017م في الطعن المدني رقم(58825) لسنة 1438ه ، وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه ( لما كان الطعن قد استوفى شروط قبوله شكلاً وفقاً لقرار دائرة فحص الطعون رقم (1081) بتاريخ 4/6/2016م لزم النظر في أسباب الطعن والرد عليه من حيث الموضوع، والدائرة بعد دراسة أوراق القضية وجدت أن ما ساقه الطاعن في السبب الأول من القول: بأن الإختصاص المكاني بنظر النزاع ينعقد للقضاء بجمهورية جيبوتي غير سديد، لأن الإختصاص المكاني يطلق ويراد به انعقاد اختصاص محكمة معينة في نطاق اقليمي محدد داخل الدولة أما ما أثاره الطاعن وهو ما يسمى بعدم اختصاص القانون اليمني بنظر النزاع وانه من اختصاص وقانون دولة أخرى فإنه مما يعد تنازعاً دولياً في الإختصاص وقد استند الطاعن في ذلك استناداً غير صحيح، حيث استند إلى نصوص المواد التي ذكرها من قانون المرافعات إضافة إلى أن هذا الدفع ليس من قبيل الإختصاص النوعي كما وصفه الطاعن، ولذلك فإن ما قررته الشعبة بشأن اختصاص القضاء اليمني سديد في ذاته يوافق المواد (92و78و36) من قانون المرافعات، بل أن القانون اليمني يقرر اختصاص القضاء اليمني بالنزاع توفيراً للحماية القضائية للعامل حتى ولو لم يكن للشركة الطاعنة موطن في اليمن عملاً بنص المادة (100) مرافعات لان العامل الطرف الضعيف في النزاع)

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الأصل أن ترفع الدعوى في المحكمة التي تقع ضمن اختصاصها المقر الرئيسي للشركة:

كان ينبغي أن يقوم العامل اليمني برفع الدعوى في جيبوتي موطن المدعى عليه، فالأصل أن المدعي يسعى إلى المدعى عليه في أقرب المحاكم إلى موطنه وهذه القاعدة كانت سائدة في القانون الروماني ، وأساس هذه القاعدة هو أن الأصل براءة ذمة المدعى عليه فقد يكون المدعي محقاً في دعواه  وقد يكون غير محق ولذلك يجب أن يتحمل المدعي مشقة الإنتقال إلى محاكم المدعى عليه، كما أنه ليس من المنطقي أن يستدعي المدعي خصمه إلى موطنه في حين أن موقف المدعى عليه سلبي وليس من العدل إجباره على الإنتقال إلى موطن المدعي ليدافع عن نفسه في دعوى قد يتضح في النهاية عدم صحتها، كما أن الأخذ بهذه القاعدة يؤدي إلى تحقيق مبدأ المساواة بين الخصوم فالمدعي هو الذي يختار الوقت الذي يرفع فيه الدعوى ويستطيع أن يعد مستنداته قبل رفع الدعوى ولذلك يكون في مركز أفضل من المدعى عليه، ولتحقيق المساواة بينهما يجب رفع الدعوى أمام محكمة المدعي.

الوجه الثاني: جواز قيام العامل برفع دعواه على الشركة الأجنبية أمام القضاء اليمني:

ذكرنا فيما سبق أن الأصل أن يقوم العامل برفع دعواه ضد صاحب العمل الأجنبي في المحكمة خارج اليمن حيث موطن الشركة الأجنبية المدعى عليها ، إلا أن الحكم محل تعليقنا قد صرح بأحقية العامل في اليمن في أن يرفع دعواه أمام القضاء في اليمن ، واستند الحكم إلى اعتبارات عدة ذكرها في أسباب الحكم من أهمها أن العامل طرف ضعيف أولى بالرعاية وينبغي تفسير النصوص عند الشك لصالحه، حيث فسر الحكم المادة (36) مرافعات لصالح العامل ، وقد نصت هذه المادة على أن ( موطن الشركات والجمعيات والمؤسسات القائمة أو التي في طور التصفية هو مركز إدارتها الرئيس ويعتبر مقر فرعها موطناً لها في المسائل المتعلقة به) حيث فسر الحكم هذه المادة لصالح  العامل الذي قام بالعمل تبعاً لفرع الشركة الأجنبية في اليمن، فأجاز له الحكم أن يرفع دعواه أمام القضاء اليمني في مواجهة فرع الشركة باليمن، كما أن الحكم محل تعليقنا قد فسر المادة (100) مرافعات لصالح العامل حيث نصت هذه المادة على أنه ( إذا لم يكن للمدعى عليه موطن ولا محل إقامة في الجمهورية ولم يتيسر تعيين المحكمة المختصة بموجب القواعد المتقدمة  يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي أو محل إقامته ، فإن لم يكن له موطن ولا محل إقامة في الجمهورية كان الإختصاص  لمحاكم العاصمة صنعاء) حيث قام الحكم محل تعليقنا بتفسير هذا النص القانوني لصالح العامل فأعتبر الحكم أنه حتى لو لم يكن للشركة الأجنبية المدعى عليها موطناً في اليمن  فإن الإختصاص يكون للقضاء اليمني فيحق للعامل أن يرفع دعواه ضد تلك الشركة الأجنبية ، كما قام الحكم بتفسير المادة(96) مرافعات لصالح العامل حيث نصت على أنه (في المنازعات المتعلقة بالتوريدات والمقاولات وأجرة المساكن وأجور العمل والصناع والأجراء يكون الإختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه أو للمحكمة  التي تم الإتفاق أو نفذ في دائرتها التي كان فيها موطن المدعي) فقد قام الحكم محل تعليقنا بتفسير هذا النص القانوني لصالح العامل حيث أجاز له أن يرفع دعواه ضد الشركة الأجنبية التي عمل لحسابها مع أن مقرها خارج اليمن معتمداً على أن عقد العمل قد تم تنفيذه في اليمن، والله أعلم.