الشفعة والاستشفاع

 

الشفعة والاستشفاع

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الاستشفاع بحسب القانون لا يحتاج إلى طلب كما هو الحال في الشفعة ولذلك فان الشفعة والاستشفاع لهما أثر لايختلف، لكن اجراءات الاستشفاع تختلف عن الشفعة هذا ما تناول الحكم محل تعليقنا إضافة إلى قضاء الحكم محل تعليقنا بان المال المشفوع فيه يتم تقسيمه بين الشافعين  على أساس الرؤوس وليس المساحات المملوكة لكل شافع إذا كان الشافعون متساوين في سبب الشفعة، لذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22/12/2014م في الطعن رقم (56131) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان امرأة اشترت نصيب اختها في المال الشائع بينهما وبين اخيها فطلب الأخ الشفعة من اخته المشترية التي افادت أمام المحكمة الابتدائية بان البيع قد تم فسخة، إلا أن المحكمة الابتدائية توصلت إلى ان الفسخ ماهو الا حيلة من الأخت المشترية على اخيها الشافع، وقضت المحكمة بثبوت الشفعة للأخ الشافع وحده، فقامت الأخت المشترية باستئناف الحكم الابتدائي حيث قضت الشعبة المدنية بتعديل الحكم الابتدائي وتقسيم المبيع مناصفة بين الاخت المشترية واخيها الشافع، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (وحيث ان محكمة أول درجة قد ثبت لديها نفاذ المبيع وصحة طلب الشفعة إلا انها قد اغفلت حق المستأنفة في الاستشفاع لانها احد الخلطاء في الملك للموضع المشفوع فيه وتتساوى في سبب الشفعة مع الشفيع المستأنف ضده حيث لا خلاف بين الطرفين على ذلك  فالموضع المشفوع ما زال على الشيوع بين الأخ واخته ولذلك واستناداً إلى نص المادة (1258) مدني وتحقيقا لمقاصد الشريعة ومبادئ العدالة والانصاف فان الشبعة تقضي بقسمة العين المشفوعة بين المستأنفة والمستأنف ضده) فلم يقبل الأخ الشافع بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( اما ما اثاره الطاعن من أن الحكم الاستئنافي قد قضى للمستأنفة بالشفعة وهو قضاء بما لم يطلبه الخصوم لان الاخت  لم تطلب ذلك من الشعبة وذكر الطاعن ان الشعبة قد اخطأت في استنادها الى (1258) مدني إذ لا يمكن قسمة الشفعة بينه وبين اخته بالتساوي  لانها انثى لها نصف ما له، والدائرة تجد ان ما ذكره الطاعن ليس في محله لان الثابت ان الشعبة قد قضت بتعديل الحكم الابتدائي وقسمة العين المشفوعة بين الأخ واخته مناصفة لان الاخت لها حق الاستشفاع لانها احد الخلطاء في ملكية الموضع المشفوع فيه ولذلك فالأخت تتساوى مع اخيها في سبب الشفعة لان الشفعة تكون بحسب الرؤوس وليس مقدار النصيب حسبما قررت المادة (1258) مدني، ولذلك فان الحكم الاستئنافي قد جاء صائباً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية الاستشفاع وحكمه :

الاستشفاع هو مبادرة الشخص الذي له حق الشفعة أي الذي  تحقق له سبب الشفعة مبادرته بشراء الأرض المشفوعة حتى يتقي الضرر الذي قد يحصل له إذا قام  المالك ببيعها للغير، حيث يبادر المستشفع بشراء الأرض المخالطة لحقه في الأصل أو السقي أو الطريق اتقاءً لقيام مالكها ببيعها للغير، فبدلاً من انتظاره حتى يقوم مالكها ببيعها للغير شيقوم المستشفع بشراء الأرض بداية، ولذلك اطلق الفقهاء والقانون اليمني على هذا التصرف (الاستشفاع) وفي هذا المعنى نصت المادة (1268) مدني على انه (لا تبطل الشفعة بشراء الشفيع لنفسه ما له فيه الشفعة لان شراءه استشفاع ولا يحتاج إلى طلب أو حكم ولا تبطل الشفعة بشراء المشتري الشفيع ما له فيه شفعة بوكالة أو ولاية ويطلب نفسه مالم يضف الموكل ولا يحتاج في طلب نفسه إلى شهادة أو مرافعة ولا يسلم المبيع إلى نفسه وإنما يملكه بالحكم أو تسليم الموكل) فهذا النص قام بتعريف الاستشفاع واشار إلى ان الاستشفاع لا يحتاج إلى تقديم طلب من المستشفع لانه قد افصح عن ارادته بتملك العين عن طريق قيامه بشرائها، وهذا ما يظهر الفرق بين الاستشفاع والشفعة، فالشفعة لا ترتب اثرها الا بطلبها من الشفيع، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد حكم للمشترية بنصف الأرض المشفوعة حكم لها بالشفعة مع انها لم تطلب الشفعة لان المرأة في هذه الحالة مستشفعة وليست طالبة شفعة.

الوجه الثاني : الشفعة تكون على عدد الشافعين وليست بحسب الأنصبة الشرعية أو مقدار حق الشفيع في أصل المال:

كان الطاعن في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا متمسكاً بان المستشفعة امرأة ينبغي ان يكون نصيبها في الأرض المشفوعة على أساس قواعد الميراث (للذكر مثل حظ الانثيين) في حين ان الحكم محل تعليقنا قضى بان الشفعة تكون على أساس الرؤوس عندما يتساوى الشافعون في سبب الشفعة كالخلطة أي ان الشافع في هذه الحالة يستحق من العين المشفوعة بحسب عدد الاشخاص الشافعين وليس بحسب المساحات المملوكة لهم أو انصبتهم في الميراث، أي ان  اذا كان عدد الشافعين أثنين فان الأرض المشفوعة تقسم بينهما مناصفة واذا كانوا ثلاثة فتقسم بينهم اثلاثاً واذا كانوا أربعة فتقسم بينهم ارباعاً وهكذا، وهذا القضاء يتفق تماماً مع ما ورد في المادة (1258) مدني التي نصت على أنه (اذا تساوى الشفعاء في الطلب قدم صاحب السبب الاقوى على الترتيب المبين في المادة السابقة واذا تساووا في الطلب والسبب قسمت الشفعة على رؤوس الشفعاء)، والله اعلم.