إشكالية الشفعة في البيوت المتلاصقة

 إشكالية الشفعة في البيوت المتلاصقة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

البيوت القديمة في المدن والقرى اليمنية متلاصقة يسند بعضها بعضا بل ان جدرانها وسقوفها مشتركة في كثير من الحالات، ولان هذه البيوت متلاصقة فان البيت الواحد قد يلاصق بيتين أو اكثر وعند بيع البيت الملاصق الأكثر من بيت يطلب ملاك البيوت الملاصقة له يطلبوا الشفعة لوجود سببها  في حين ان النص القانوني يقرر ان الشفعة لا تقبل التجزئة أي لا يمكن تقسيم البيت المشفوع فيه بين طالبي الشفعة إضافة الى ان تقسيمه يؤدي الى خلطة أكبر، وقد تناول هذه الإشكالية الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/10/2018م في الطعن رقم (60274)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مالك احد البيوت الملاصقة قام ببيع بيته فقام جيرانه الملاصقة بيوتهم لبيته قاموا بطلب الشفعة من المشتري إلا أن الجيران اختلفوا بشأن الأحق منهم بالشفعة حتى وصل الخلاف إلى المحكمة الابتدائية التي توصلت إلى الحكم بأحقية احدهما فقام الأخر باستئناف الحكم فقضت  الشعبة المدنية بأحقية الجارين معا في الشفعة في البيت وتقسيمه بينهما  مناصفة حيث يكون لكل واحد منهما ناصفة البيت الملاصقة لبيته، فقام الطرفان بالطعن بالنقض في الحكم حيث قبلت الدائرة الطعن وقضت بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبمناقشة الدائرة للمناعي المثارة من الطاعنين طرفي القضية تبين انها مؤثرة وتقوم على اساس وسند من القانون، لان الحكم المطعون فيه لم يتقيد بالقوانين النافذة وتطبيق احكامها فقدخالف المادة (1277) مدني التي تنص على ان الشفعة لا تقبل التجزئة ...الخ، فما قضى به الحكم المطعون فيه في العين المشفوعة لم يكن موفقاً لان وحدة العين تقتضي تحقق السبب بكامل العين وحيث ان سبب الشفعة هو اتصال ملك الشفيع بالعين إتصال خلطة في أصلها او في حق من حقوقها فان اسباب الشفعة تختلف اسبابها في القوة طبقاً لما نص عليه القانون، وحيث ان الحكم المطعون فيه استند فيما قضى به إلى اشتراك البيوت في الطريق والملاصقة بين البيوت الثلاثة مع انه لا شفعة في الجوار الأمر الذي يلزم معه قبول الطعنين موضوعاً ونقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى الشعبة مصدرة الحكم لنظرها مجدداً والفصل فيها على ضوء دعوى الشفعة واسبابها القانونية والادلة الثابتة والتحقق من كل ذلك) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الاوجه الاتية : 

الوجه الأول : الشفعة في البيوت المشتركة : 

يشترك الورثة في البيوت القديمة حيث يتوزع الورثة غرف البيت كما قد يكون لبعضهم بضعة اذرع في غرفة واحدة كما قد يكون البيت مقسماً بينهم جزافاً كربع البيت أو ثلثه وهكذا، ففي هذه الحالة لا خلاف بين الفقهاء بشأن جواز الشفعة في هذه الحالة لمضار الخلطة والاشتراك، كما أن هذا الاشتراك والخلطة سبب من أسباب الشفعة وفقاً للمادة (1257) مدني. 

الوجه الثاني : شفعة الجوار والبيوت المتلاصقة : 

حصر القانون المدني في المادة (1257) اسباب الشفعة في الخلطة الشائعة في أصل العين وفي حق الشرب وفي حق الطريق، وبناءً على ذلك فلا شفعة في الجوار في القانون المدني اليمني، فلا يجوز للجار ان يطلب الشفعة لمجرد أن بيته مجاور للعين المبيعة، بما في ذلك الجار الملاصق للدار، لان مجرد الجوار ليس سبباً للشفعة، وأصل هذا النص القانوني الذي المانع للشفعة بسبب الجوار في البيوت هو إختيار فقهي لإمام اليمن الامام احمد بن يحيى حميد الدين رحمه الله الذي اختار القول الذي منع الشفعة في الدور المتجاورة او الملتصقة طالما قد تفرقت طرقها، ونخلص من هذا الوجه إلى القول : بان مجرد تلاصق البيوت ليس سبباً كافياً لطلب الشفعة لان القانون النافذ لم يقرر ذلك. 

الوجه الثالث : الشفعة في البيوت المتلاصقة اذا اشتركت في الطريق : 

اذا كان الشارع مسدودا يؤدي فقط إلى منزلين أو ثلاثة أو كان مدخل البيوت أو حوشها مشتركا  يجوز للجار ان يطلب الشفعة اذا باع جاره بيته للغير، اما اذا كان الشارع نافذاً او كانت البيوت التي ابوابها مفتوحة على الشارع كثيرة فلا شفعة، لأن المادة (1257) مدني قد قررت ان الشريك المخالط على الشيوع في الطريق له حق الشفعة، وهذا يعني ان تكون الطريق مملوكة للشركاء وليست شارعاً عاماً لان ملكية الشوارع العامة للدولة وفقاً لقانون اراضي وعقارات الدولة. 

الوجه الرابع : الشفعة في البيوت الملاصقة اذا كانت الجدران او الاخشاب أو السقوف مشتركة : 

في البيوت القديمة المتلاصقة تكون جدرانها مشتركة حيث تستند سقوف واخشاب البيوت على الجدران المشتركة، ففي هذه الحالة يجوز طلب الشفعة للخلطة والاشتراك في الجدران والسقوف، وقد ناقش المرحوم العلامة الدكتور عبد الرزاق السنهوري هذه المسألة في كتابه الوسيط باستفاضة عند حديثه الممتع عن الشفعة في الشقق بمصر، فقد ذكر السنهوري رحمه الله : ان صاحب الشقة له ان يشفع في الشقة التي تعلو شقته مباشرة أو التي تحتها مباشرة بل تكون له الأولوية في الشفعة من الشقة من جانبيها إلا أن التلاصق الرأسي أقوى من التلاصق الجانبي(الوسيط،ج6ص181)، اما الدكتورة هدى النمر فتذهب إلى عدم جواز الشفعة في العقارات المتلاصقة كالشقق لانه ليس هناك مصلحة جديرة بالحماية بل ان تقرير الشفعة في الشقق والبيوت المتلاصقة يؤدي إلى إحجام الناس عن شراء البيوت والمنازل المتلاصقة، إضافة إلى ان تقرير الشفعة في هذه الحالة سيؤدي حتماً إلى تشجيع الملكيات العقارية الكبيرة واضمحلال الملكيات العقارية الصغيرة، وما ذهبت اليه د.هدى النمر قريب مما ذهب اليه الأمام احمد حميد الدين في منع الشفعة في الدور، وقد المح الحكم محل تعليقنا إلى جواز الشفعة اذا كانت الجدران مشتركة لان الاشتراك في الجدران اشتراك في مكونات أصل العين، وقد اشار الحكم إلى كيفية الترجيح إذا تحقق سبب الاشتراك في أكثر من بيت ملاصق عن طريق ترجيح السبب الأقوى في هذه الحالة فيكون السبب أقوى اذا كان احد الجيران جدار منزله مشترك مع البيت المطلوب الشفعة فيه يكون السبب أقوى من صاحب البيت المشترك في الطريق فقط ويكون السبب إذا اشتركا في الطريق والجدار معا كما يكون السبب أقوى إذا كانت مساحة الجدار المشترك أكبر من مساحة الجار الآخر المشفوع فيها بمساحة اكبر من مساحة الجار الاخر،ويكون السبب أقوى اذا اشترك البيتان في الجدران  والاخشاب  وكذا إذا اشتركا في الجدران الملاصقة لطوابق المنزلين كلها، وقد احال الحكم محل تعليقنا القضية إلى الشعبة للفصل في القضية لترجيح السبب القوي في الشفعة وتقرير حق الشفعة له. 

الوجه الخامس : عدم تجزئة الشفعة : 

كان سبب نقض الحكم الاستئنافي هو قضاؤه بتجزئة الشفعة حيث قضى بقسمة العقار المشفوع فيه مناصفة بين الجارين اللذين بيتيهما ملاصقان للبيت المشفوع فيه ،لان هذا القضاء يخالف المادة (1277) مدني التي تنص على ان (الشفعة لا تقبل التجزئة فيلزم الشفيع طلب الشفعة في العين المشفوعة كلها الا اذا تعددت العين المشفوعة وقام سبب الشفعة بواحد من افرادها) فقد طلب كل واحد من الشفيعين الشفعة في البيت كاملاً لتحقق سبب الشفعة بالنسبة لكليهما إلا ان الحكم الاستئنافي قضى لكل واحد منهما  بنصف البيت، فهذا الحكم قضاء بتجزئة الشفعة وتعطيل مقصودها التي هي دفع مضار الخلطة والاشتراك حيث ان الحكم الاستئنافي قد اوجد خلطة جديدة أكبر واكثر مما كانت عليه بين الشفيعين والبيت المشفوع فيه ،في حين انه كان المرجو من الشفعة ازالة الخلطة التي كانت قائمة على تلاصق الجدران فقط، والله أعلم.



الاسعدي للطباعة ت : 772877717