اختيار المحكم لمحكمين اخرين يبطل الحكم

 

اختيار المحكم لمحكمين اخرين يبطل الحكم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

التحكيم الاختياري أساسه ارادة واختيار الخصوم للمحكم الذي يعني قبول الخصوم بالحكم الذي يصدره بعد نظره للخصومة، فاذا قام المحكم من تلقاء نفسه باختيار محكمين آخرين واشراكهم في اجراءات  التحكيم  واصدار الحكم  فان ذلك يكون خارجاً عن ارادة واختيار الخصوم مما يجعل حكم التحكيم باطلاً، وهذا ماقضى به الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/12/2014م في الطعن رقم (56128) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الخصوم اختاروا محكماً فرداً للفصل في الخلاف الحاصل فيما بينهم بشأن أراضي زراعية، وفي جلسة التحكيم  قال المحكم الفرد : اني قد اخترت إلى جانبي الوالد الشيخ ... والوالد الشيخ ... وذلك للفصل في النزاع وعندئذ لم يوافق أو يعترض الخصوم على ذلك الاجراء وسار المحكمون الثلاثة في إجراءات نظر الخصومة التحكيمية حتى انتهوا إلى اصدار حكم التحكيم بتوقيعاتهم الثلاثة، فتقدم احد الخصوم امام محكمة الاستئناف بدعوى بطلان حكم التحكيم ذكر فيها ان المحتكمين قد اختاروا محكماً واحداً حسبما هو ثابت في وثيقة التحكيم وانهم لم يفوضوه باختيار غيره إلا أن المحكم المختار قد قام من تلقاء نفسه باختيار المحكمين الاخرين ،وقد قضت الشعبة المدنية بقبول دعوى البطلان، فقام الخصم الاخر بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن واقرت  الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان الطاعن قد ذكر ان الحكم الاستئنافي لم يناقش دفاعه بان اختيار المحكمين الاخرين قد تم بحضور ورضاء الطرفين من غير اعتراض او ممانعة، والدائرة تجد ان هذا النعي في غير محله، لان المقرر قانوناً ان سلطة محكمة الاستئناف عند نظر دعوى البطلان تقتصر على مراقبة ومعرفة ما اذا كان الحكم قد صدر وفقاً للقانون وحيث ان الحكم المطعون فيه قد استند في الغاء حكم التحكيم إلى ان وثيقة التحكيم قد حددت محكماً واحدا فقطً بينما صدر حكم التحكيم محل دعوى البطلان عن ثلاثة مما يجعل حكم التحكيم باطل،اً فهذا القضاء متفق وحكم المادة (53) تحكيم التي اجازت طلب إبطال حكم التحكيم اذا تم تشكيل لجنة  التحكيم بصورة مخالفة لاتفاق التحكيم، لان الثابت من وثيقة التحكيم ان الطرفين قد حكما وفوضا المحكم الفرد ... لحل الخلاف والنزاع الحاصل بينهما وبموجب وثيقة التحكيم كان ينبغي على ذلك المحكم ان يصدر حكم التحكيم بتوقيعه وحده دون غيره لانعقاد الولاية له في اصدار الحكم  دون غيره إلا أن حكم التحكيم قد صدر عن لجنة تحكيم مكونة من ثلاثة بصورة مخالفة لاتفاق التحكيم وهذا التسبيب كاف لوحده لإبطال حكم التحكيم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الوضعية القانونية لوثيقة التحكيم :

وثيقة التحكيم التي تتضمن اختيار المحكم هي اسناد الولاية للمحكم أو المحكمين المختارين، وبدونها لا تكون للشخص أية ولاية في نظر الخصومة التحكيمية أو الحكم فيها، ومن خلال تلك العلاقة الوثيقة بين اتفاق التحكيم وولاية المحكم، فاذا لم يكن هناك اتفاق تحكيم يتضمن اختيار المحكم فان الحكم في هذه الحالة يكون منعدماً، كما ان قانون التحكيم قد اشترط ان تكون وثيقة التحكيم مكتوبة فيترتب على عدم كتابتها بطلان حكم التحكيم، وعلى هذا الاساس فان القانون ذاته قد حدد الشكل القانوني لوثيقة التحكيم وهو الكتابة، فلا إعتبار للاتفاق الشفوي أو التراضي الشفوي على اختيار المحكم أو المحكمين، وعند تطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن الطاعن بالنقض كان متمسكاً بان اطراف التحكيم كانوا حاضرين عند اختيار المحكم الفرد للمحكمين الاخرين وانهم لم يعترضوا على ذلك أو يمانعوا بل ان اجراءات التحكيم قد تمت بمشاركة وحضور اطراف التحكيم وبحضور المحكمين الذين اختارهم المحكم الفرد، وان اطراف التحكبم لم يعترضوا طوال فترة إجراءات نظر الخصومة التحكيمية، وموقف الخصوم أو اطراف التحكيم وسكوتهم بمثابة موافقة ضمنية على اختيار المحكمين الاخرين، لكن الحكم محل تعليقنا قضى بعدم صحة هذا الفهم طالما والقانون قد اشترط الشكل القانوني لوثيقة اختيار المحكمين وهو الكتابة اضافة الى أنه لم يرد في وثيقة التحكيم مايدل على أن المحتكمين قد فوضوا المحكم الفرد باختيار المحكمين .

الوجه الثاني : تعديل وثيقة التحكيم ووقته :

طالما والتحكيم أساسه اختيار وارادة المحتكمين فانه يحق للمحتكمين او اطراف التحكيم ان يقوموا بتعديل وثيقة التحكيم بما في ذلك اختيار محكمين اضافيين إلا أن هذا التعديل يجب ان يتم كتابة  عملاً بمبدأ توازي الشكل القانوني، فطالما ان القانون قد اشترط الشكل الكتابي لاتفاق التحكيم فان التعديل لذلك الاتفاق يجب ان يكون كتابي وفي وثيقة ملحقة بالوثيقة السابقة أو ان يتم إثبات التعديل في باطن الوثيقة الاصلية أو ظاهرها فليس من المقبول أن  يتم التعديل في محضر جلسة التحكيم فقد لاحظت حوالي ست حالات كان يتم فيها تعديل وثيقة التحكيم عن طريق إثبات التعديل في محضر جلسة التحكيم، وهذا غير صحيح من وجهة نظرنا، لان وثيقة التحكيم ينبغي ان تكون سابقة على إجراءات التحكيم فوثيقة التحكيم مثلها في هذا الامر مثل قرار تعيين القاضي الذي يجب ان يكون سابقاً لنظر القضية.

الوجه الثالث : مدى تأثير عدم اعتراض اطراف التحكيم على الإجراء المخالف لوثيقة التحكيم :

ذكرنا فيما سبق ان الطاعن بالنقض كان متمسكاً بان الطرف الأخر في التحكيم لم يعترض أو يمانع من قيام المحكم الفرد باختيار محكمين اخرين وان حق الطرف او الخصم الاخر يسقط اذا لم يتم التمسك في حينه عملاً بنص المادة (9) تحكيم التي نصت على أنه (اذا لم يعترض الطرف الذي يعلم بوقوع مخالفة لأحكام هذا القانون أو لشرط من شروط اتفاق التحكيم ويستمر رغم ذلك في إجراءات التحكيم دون تقديم اعتراضه في الميعاد المتفق عليه أو في اقرب وقت يسقط حقه في الاعتراض ويعتبر متنازلاً عنه مالم تكن المخالفة على وجه لا يجيزه الشرع) وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان المخالفة لوثيقة التحكيم بقيام المحكم الفرد باختيار محكمين اخرين لا تتحصن بعدم الاعتراض عليها في حينه وان ما ورد في هذا النص القانوني لا يسري على هذه المخالفة لصلتها بالنظام العام واساس التحكيم الذي يقوم على حرية الاطراف في اختيار المحكمين  والتعبير عنه بالشكل الذي حدده القانون وهو الكتابة لوثيقة التحكيم أو  تعديلها كتابة، والله اعلم.