الطعن في الاحكام غير المنهية للخصومة

 

 الطعن في الاحكام غير المنهية للخصومة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

صرح قانون المرافعات بعدم جواز الطعن في الاحكام غير المنهية للخصومة واستثنى من ذلك ثلاثة احكام حسبما ورد في المادة( 274)ومع ذلك فان الخصوم يطعنوا في كل الاحكام والقرارات غير المنهية للخصومة ويحققوا مقصودهم في اطالة اجراءات التقاضي  وتعقيدها حتى لو حكم القضاء بعدم تلك الطعون غير القانونية،علاوة على ان هناك خلط بين الاحكام غير المنهية للخصومة وبين الاحكام المستعجلة ومع ذلك فقد اقحمهما معاقانون المرافعات في المادة 274 فضلا عن ان الطعون في الاحكام والقرارات سبب من اهم اسباب اطالة اجراءات التقاضي ،كما ان المادة 274 مرافعات قد اطلقت على القرارات الصادرة قبل الحكم المنهي للخصومة مصطلح الاحكام وليس القرارات مما اوجد المبرر للخصوم للطعن  في تلك القرارات مع انها ليست احكاما في المفهوم لانها لاتتضمن جزما، اضافة الى أن اصدار القاضي للقرارات غير المنهية للخصومة يحتاج إلى موازنة دقيقة يقوم بها القاضي قبل اصدارها، لان الخصوم في اليمن لا يفهمون طبيعة هذه  القرارات  حيث يفسر الخصوم هذه القرارات على أنها افصاح من القاضي عن الوجهة التي سيتجه اليها في حكمه المنهي للخصومة فضلاً عن أن سوء تقدير القاضي في اصدار القرارات غير المنهية  للخصومة سبب رئيس لإطالة إجراءات التقاضي وتعقيدهاواثارة اللدد والخصام بين المتقاضيين وجر القاضي إلى تناوش الخصوم والطعن في حياد القاضي واستقلاله، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/10/2010م في الطعن المدني رقم (41540) 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم  أن المدعي رفع دعواه أمام المحكمة الابتدائية مدعياً بانه اشترى منزلاً من المدعى عليه وأنه قد تم تحرير وثيقة البيع والشراء وأن المدعي سليم وثائق ومستندات ملكية المنزل إلى البائع المدعى عليه  لاستكمال إجراءات نقل الملكية لدى الجهات المختصة باسم المدعي نظراً للثقة والصداقة القائمة بين الطرفين، ولكن البائع المدعى عليه أمتنع عن تسليمه  المنزل المشار اليه، وفي اثناء إجراءات التقاضي ، تقدم المدعى عليه بدفع بعدم قبول الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً فالزمته المحكمة بتقديم ما يدل على صحة دفعه فعجز عن ذلك ،وحينها تقدم المدعي بطلب الى رئيس  المحكمة اغلاق المنزل حتى يتم الفصل في النزاع بحكم منهي للخصومة طالما والمدعى عليه  يتعمد إطالة إجراءات التقاضي بغرض الاستمرار في  البقاء في المنزل، ،ولان المدعى عليه عجز عن تقديم أدلة الدفع، فقد قام المدعى عليه بتقديم تظلم من قرار المحكمة بإغلاق المنزل حتى صدور الحكم النهائي وقد تم تقديم التظلم في اثناء الاجازة القضائية الى  ئيس المحكمة الذي قام بالتاشير عليه واحالته الى القاضي المناوب  الذي اصدر قرارا  بإلغاء القرار بإغلاق المنزل وتمكين المتظلم من البقاء في المنزل ومنعه من التصرف في المنزل، فقام المدعي باستئناف هذا القرار محتجا بان التظلم لا يكون إلا من الأمر على عريضة وفقاً للمادة (251) مرافعات في حين أن الإغلاق قد تم بموجب قرار وليس أمرا على عريضة، وقد قبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقررت الغاء القرار المطعون فيه واعادة القضية الى محكمة أول درجة، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (وعليه فإن نظر التظلم من قبل القاضي المناوب دون أن يكون هو القاضي المختص بنظر الدعوى الأصلية يجعل القرار الصادر منه في التظلم صادراً من قاضٍ غير ذي ولاية واختصاص فلا تمنحه الولاية والاختصاص تأشيرة رئيس المحكمة) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الاستئنافي فقام لالطعن فيه بالنقض ، وقد قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت  الحكم الاستئنافي ،وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث أن المادة (274) مرافعات تنص على أنه (لا يجوز الطعن فيما تصدره المحكمة من  أحكام غير منهية للخصومة اثناء سيرها الا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة فيما عدا ما تصدره المحكمة من أحكام لوقف الخصومة أو في الاختصاص أو في الإحالة على محكمة أخرى للارتباط أو في الاحكام المستعجلة والقابلة للتنفيذ الجبري، وحيث أن محل الطعن قرار يتعلق بإغلاق المنزل موضوع النزاع لحين الفصل في الدعوى الأصلية وهو قرار غير منه للخصومة فأنه غير قابل للطعن وكان على محكمة الاستئناف أن ترفض الاستئناف لهذا السبب، ولما كان الامر كذلك فانه يتعين نقض الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : القرارات الغير منهية للخصومة  اهدافها ودورها :

القرارات الغير منهية للخصومة تؤدي دوراً موقتاً فهي عبارة عن تحضير للحكم المنهي للخصومة أو تمهد له أو تمنع الخصوم من  تغيير الادلة أو موضوع الحق المتنازع عليه أو التصرف فيه او التغيير في المراكز القانونية قبل صدور الحكم المنهي للخصومة، وهذه القرارات وقتية تهدف إلى حماية وحفظ الحق المتنازع عليه حتى صدور حكم منهي للخصومة، فهذه القرارات لا تمس موضوع الحق المتنازع عليه، فالقرار يكون وقتياً عندما لا يفصل في أصل النزاع بل يقتصر على اتخاذ بعض التدابير الاحتياطية أو العاجلة التي تهدف إلى حماية بعض المراكز القانونية الظاهرة للخصوم كالقرار الصادر بمنع التصرف في العقار أو بتعين حارس قضائي، ولا تتمتع القرارات الوقتية بحجية الأمر المقضي به ولذلك يمكن للمحكمة أن ترجع عنها اذا تغيرت الظروف التي استدعت  اصدارها.

الوجه الثاني : أهمية التقدير السليم عند اصدار القاضي القرارات غير منهية للخصومة :

اصدار القرارات غير منهية للخصومة يحتاج إلى مهارة وحرفية وتقدير سليم للقاضي مصدر القرارات حتى لا يتلمس الخصوم من القرار وجهة القاضي في القضية والحكم المنهي للخصومة مثل القرار بإغلاق المنزل المتنازع عليه في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، ولذلك فان بعض القرارات الوقتية يفهم منها الخصوم أن القاضي في طريقه  للحكم عليهم في الحكم المنهي للخصومة، ولذلك نجدهم  يواجهوا القرارات الوقتية بكل الوسائل ومنها الطعن فيها ودعوى رد القاضي ومخاصمته وتقديم الشكاوى فيه وطلب تنحيه، ويكون هذا سبباً من اسباب إطالة إجراءات التقاضي وتعقيدها، فهذا الامر ملموس في الواقع، ولذلك فأنه ينبغي على القاضي التفكير والتقدير السليم قبل اتخاذ القرارات الوقتية، ويعجبني كثيراً مسلك بعض القضاة الذين يضمنوا القرارات الوقتية الاسباب المقنعة للخصوم مع أن القانون لم يشترط ذلك.

الوجه الثالث : عدم جواز الطعن في القرارات الغير منهية للخصومة :

كانت المادة (274) من قانون المرافعات تنص على أنه (لا يجوز الطعن فيما تصدره المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة اثناء سيرها الا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها فيما عدا ما يلي : -أ- ما تصدره المحكمة من أحكام بوقف الخصومة أو في الاختصاص أو في الاحالة على محكمة أخرى للارتباط فيجوز الطعن في هذه الاحوال استقلالاً خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها وعلى محكمة الاستئناف الفصل فيها على وجه الاستعجال -ب- في الأحكام المستعجلة أو القابلة للتنفيذ الجبري ويتم الطعن فيها وفقاً للمواعيد المنصوص عليها في هذا القانون) حيث تم تعديل بعض الكلمات في هذا النص وذلك عام (2010م) حيث تم تعديل كلمة (أو في الاختصاص) إلى (أو بعدم الاختصاص) حتى يكون الطعن قاصر على القرار بعدم الاختصاص دون غيره من القرارت المتعلقة بالاختصاص ،كما تعديل كلمة (تصدره المحكمة) الى كلمة (اصدرته المحكمة) وهو تعديل طفيف لان الطعن يكون في القرارات التي قد اصدرتها المحكمة  وليس التي تصدرها، ومن خلال استقراء النص القانوني السابق ذكره نجد أنه قد قرر الاصل العام وهو عدم جواز الطعن في القرارات غير منهية للخصومة مطلقاً إلا أنه قرر جواز الطعن في بعض القرارات على سبيل الاستثناء، وهذا الاستثناء لايجوز التوسيع فيه أو القياس عليه، وهذه الحالات هي القرار بوقف الخصومة والقرار بعدم اختصاص المحكمة والقرار بإحالة القضية على محكمة أخرى للارتباط، وهناك تعليق لطيف لأستاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد ابو الوفاء على مصطلح (الأحكام غير المنهية للخصومة) الوارد في النص القانوني السابق ذكره والمنقول من نظيره المصري، حيث ذكر المرحوم ابو الوفاء (وغني عن البيان ان هذه العبارة تشمل الأحكام التمهيدية والتحضيرية والاحكام القطعية الفرعية فهي مجتمعة من  طائفة الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع، فأحكام القضاء المستعجل تنهي النزاع أمام القاضي الذي ينظر في الدعوى المستعجلة وهي دعوى منفصلة ومتميزة عن دعوى الموضوع كما أن هذه العبارة تشمل الأحكام القطعية الفرعية مع أنها قطعية فيما تفصل فيه وهذه الصفة تمنع من ادخالها في طائفة الاحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع) (نظرية الاحكام ،استاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور احمد ابو الوفاء ،ص120 ) ومن وجهة نظرنا أنه كان من الأوفق لو أن النص استعمل لفظ (القرارات غير منهية للخصومة) بدلاً من عبارة (الأحكام غير المنهية للخصومة) وهو ما نوصي به.

الوجه الرابع : ولاية القاضي المناوب في اصدار القرارات الوقتية :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن جانب من الخلاف بين اطراف القضية قد اتجه إلى مسألة مدى جواز قيام القاضي المناوب في اصدار القرارات الوقتية أو التظلم منها، وهذا يستدعي الاشارة بإيجاز بالغ إلى هذه المسألة، فنقول : أن من المسلم به أن تعيين القاضي المناوب واسناد النظر اليه في المسائل العارضة والمستعجلة  التي قد تحدث في اثناء الاجازة القضائية التي تحتاج إلى تدخل القضاء فيها عن طريق اصدار قرارات وقتية تستهدف مواجهة المسائل الوقتية الطارئة التي يترتب على عدم اصدار القرار فيها من قبل القاضي المناوب الاضرار بالمراكز القانونية للخصوم، ومن هذا المنطلق فان التظلم من هذه القرارات الوقتية اذا جانبت الصواب او الغاية المبتغاة منها فان التظلم يكون حكمه حكم القرار الوقتي من حيث نظره من قبل القاضي المناوب، فيترتب على عدم البت في التظلم من قبل القاضي المناوب تضرر المركز القانوني للمتظلم بمضي الوقت من دون فصل في تظلمه كما ان الولاية منعقدة له في اثناء مناوبته ،على ان هناك اتجاه اخر يذهب الى انه لايجوز للقاضي المناوب الفصل في التظلم من القرارات التي يصدرها قاض الموضوع وفقا لسلطته التقديرية وبمقتضي ولايته واختصاصه.

الوجه الخامس : الطعون في القرارات غير المنهية للخصومة ودورها في اطالة اجراءات التقاضي وتعقيدها :

لاريب ان هذه الطعون من اهم اسباب اطالة اجراءات التقاضي وتعقيدها في اليمن، مع ان القانون قد قرر صراحة عدم جواز الطعن فيها حسبما سبق بيانه،لان مقصود الخصوم المكايدين في الاطالة والتعقيد يتحقق عن طريق صدور احكام تقضي بعدم قبول الطعن في تلك القرارات التي تستغرق وقتا وجهدا ومالا ،ولذلك ينبغي على من يتطلع الى تسريع اجراءات التقاضي التفكير بتجاوز هذه الاشكالية ومن ذلك التفكير بعدم القبول لهذه الطعون بحكم القانون دون حاجة الى حكم قضائي، والله اعلم.