شهادة المتهم على متهم

 

شهادة المتهم على متهم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

للشهادة شروطهاوموانعها، ومن ذلك عدم قبول شهادة المتهم على متهم لورود نصوص تمنع هذه الشهادة ،لكن هذا الأصل ترد عليه استثناءات ، كما أن للأموال العامة والجرائم التي تقع عليها خصوصية من  حيث اثباته بشهادات المتهمين فيما بينهم لان هذه الجرائم لا تقع في الغالب الا من قبل عدد من  الموظفين المتمرسين الذين  يعمدون إلى طمس كافة الأدلة والقرائن التي تسهم في كشف جرائمهم،  فخصوصية جرائم الاموال العامة ومايماثلها كجرائم الفساد وغسيل الاموال  ومايماثلها تستدعي قبول شهادة المتهمين على بعضهم كما أن القوانين في غالبية العالم تشجع المتهم في هذه الحالة على إبلاغ السلطات المختصة بالجرائم بعد وقوعهم وفي الواقع القضائي، ولذلك ينبغي على القاضي ان يضع في اعتباره عند الحكم دور شهادة المتهم على متهم في بيان الحقيقة، ولا ريب أن لهذا الموضوع أهميته في الجانب التطبيقي، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4/4/2010م في الطعن الجزائي رقم (36803) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن موظفين قاما بسرقة مولد كهرباء كبير ومواسير حديد خاصة باحد مشاريع المياه العامة، فقامت نيابة الأموال العامة بتقديمم المتهمين إلى المحكمة بتهمة (سرقة مال عام منقول بالغ النصاب من حرز مثله خفي مملوك للمجلس المحلي بقصد تملك تلك الاموال وهو عبارة عن مولد كهربائي 50 كيلو وذلك بأن قاما ليلاً بنقل المولد من غرفته الخاصة بونش الى ورشة ..... بمدينة .... كما قاما  بسرقة اثنى عشرة ماسورة قطر 3 هنش بطول ستة أمتار مع عشرين مروحة وكيبل وسلك من مشروع المياه المشار اليه وذلك بقصد تملك تلك المسروقات بدون رضا صاحب المال، وقد سقط الحد الشرعي عن فعلهما لتوفر شبهة الملك المحتملة في المسروق كونه مالاً عامًا وطلبت النيابة معاقبتهما  وفقا للمواد (294 و 295 و 299 و 300) عقوبات وقد سارت محكمة الاموال العامة الابتدائية في إجراءات نظر القضية حتى خلصت إلى الحكم ( بإدانة المتهم الأول وحبسه لمدة خمسة أشهر مع وقف التنفيذ وبراءة المتهم الثاني وإعادة المسروقات إلى مشروع المياه لتشغيل المشروع الذي توقف نتيجة السرقة وعلى المجلس المحلي استلام المسروقات وسرعة تشغيل المشروع) فلم تقبل النيابة بالحكم الابتدائي فقامت باستئناف الحكم فقبلت شعبة الأموال العامة الاستئناف وقضت بتعديل الحكم الابتدائي حتى يكون منطوقه (ادانة المتهم الأول وحبسه مدة خمسة أشهر مع النفاذ والزامه بإعادة المسروقات على نفقته إلى  مقر مشروع المياه وعلى المجلس سرعة تشغيل مشروع المياه ، وادانة المتهم الثاني وحبسه مدة خمسة أشهر مع النفاذ) فلم يقبل المتهم الثاني بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض وكان عماد طعنه أن الحكم الاستئنافي قد خالف القانون حينما استند في أدانته إلى شهادة المتهم الأول ، إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقٌرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث أن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون باعتماده في حيثياته بإدانة الطاعن استنادا الى اعتراف المتهم الأول في حين أن القانون لا يعتد باعتراف او شهادة متهم على متهم آخر عملاً بنص المادة (36) إثبات، وحيث أن تحقيق الواقعة وتقدير قيمة الدليل من الاستحقاقات المقررة لمحكمة الموضوع دون تعقيب عليها من المحكمة العليا ولذلك فان ما اثاره الطاعن جدل في الموضوع) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : شهادة المتهم على مثله في القانون اليمني :

يقرر قانون الإثبات أن الأصل عدم قبول شهادة المتهم على مثله من المتهمين حيث نصت المادة (36) على انه (مع مراعاة حكم المادة (33) لا تقبل شهادة المتهم في قضية على غيره من المتهمين فيها) ومن خلال مطالعة هذا النص القانوني نجد أنه قد قرر وجوب مراعاة حكم المادة (33) إثبات ،وهذا يعني أن ما ورد في المادة (36) لا يعطل الاحكام الواردة في المادة (33) وعند الرجوع إلى المادة (33) نجد أنها قد اجازت شهادة المثل على مثله، وبموجب ذلك تجوز شهادة المتهم على مثله من المتهمين في القضية، وعلى هذا فان ما ورد في المادة (33) يعد  حكمًا  استئثنائيا مما ورد في المادة (36) ، وفي هذا الشأن فقد نصت المادة (33) على أن (تقبل شهادة المثل على مثله أذا ظن القاضي صدقها إلا أن يشتهر الشاهد بشهادة الزور أو حلف الفجور) وبناء على هذا النص فقد قبل الحكم الاستئنافي شهادة المتهم الأول على المتهم الثاني لوجود قرائن جعلت الشعبة الاستئنافية تظن صدق شهادة المتهم الأول ومن ذلك قدوم المتهمين معا غي جنح الظلام  بعد منتصف الليل واطفاء الانوار، وبعد ذلك شيوع خبر السرقة وانتشاره في الارجاء ومع ذلك لم يبادر المتهم بالإبلاغ عن الفاعل بعد شيوع خبر سرقة المشروع.

الوجه الثاني : شهادة المتهم على متهم في الفقه الإسلامي :

من المعلوم أن مصدر قانون الإثبات اليمني هو الفقه الاسلامي وتحديدا كتاب تيسير المرام للباحثين والحكام المستفاد من كتب الفقه الإسلامي ولذلك نجد ان ما ذهب اليه قانون الإثبات  يعبر عن الرأي المختار في الفقه الإسلامي الذي يقررعلى ان الاصل عدم قبول شهادة المتهم على مثله لان الشك والريبة يحيط بها من حيث ان المتهم يعد مجروح الشهادة ولانه قد يتعمد تحوير الشهادة لدفع التهمة عن نفسه ونسبتها إلى غيره، إلا أن الفقه الاسلامي يجيز قبول شهادة المتهم على مثله اذا لم يشاهد الفعل المشهود عليه الا المتهمون اولم يكن في مسرح الجريمة سواهم ففي هذه الحالة تقبل شهادة المتهم على مثله حفظاً للحقوق من الضياع لان الحقوق معصومة في الشريعة فلو لم تقبل شهادة المتهم على  مثله في هذه الحالة لضاعت الدماء والحقوق (البحر الزخار 3/132).


الوجه الثالث : التطبيقات المعاصرة لقبول شهادة المتهم على المتهم مثله :

تظهر هذه التطبيقات جلية في جرائم أمن الدولة وجرائم الاختطاف والتقطع وجرائم الفساد وغسيل الاموال والجرائم المضرة بالأموال والمصالح العامة حيث تقرر قوانين غالبية الدول جواز قبول شهادة المتهم على مثله لخطورة هذه الجرائم وحرص المتهمين فيها على اخفاء معالم هذه الجرائم وادلتها حيث ان هذه القوانين لم تكتف بقبول شهادة المتهمين على بعضهم في الجرائم المشار اليها بل ان هذه القوانيين شجعت كل من يقوم من المتهمين بالإبلاغ عن الجرائم  قبل وقوعها أو الشهادة على الفاعلين لها ومعلوم أن المتهمين المبلغين عن تلك الجرائم يكونوا لاحقًا شهودًا على المتهمين الاخرين  في تلك الجرائم، بل ان القوانين المشار اليها تعفيهم من العقوبة أو تجعل الابلاغ والشهادة  ظرفا مخففًا للعقوبة.

الوجه الرابع : سرقة المال العام لا تكون سرقة حدية لشبهة الملك :

لاحظنا من خلال عرض وقائع الحكم محل تعليقنا لاحظنا أن قرار الاتهام قد ذكر أن سرقة المال العام ليست سرقة حدية لان المال المسروق مال عام فيه شبهة الملك ، فقد اعتمد قرار الاتهام على القول الضعيف في الفقه الاسلامي الذي يقرر أن سرقة المال العام لا تكون سرقة حدية لان السارق له نصيب ولو يسير في المال العام، في حين ان سرقة المال العام أخطر من سرقة المال الخاص بالنظر إلى  المجني عليه في المال العام وهو الامة كلها وبالنظر إلى المصالح العامة المتعلقة بالمال العام المسروق، وقد قرر فقهاء المالكية بأن القول بشبهة الملك للسارق في المال العام هو  قول فقهاء السوء الذين يشرعون للسراق السرقة (الفواكة الدواني للنفراوي 2/155)، والله اعلم.