الحاق الحكم القضائي بمسودات الوقف

 

الحاق الحكم القضائي بمسودات الوقف

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

أموال الوقف في اليمن كثيرة غالبيتها ليست مذكورة ضمن مسودات الوقف التي  تحصر وتعين أموال الوقف وتتضمن بيانات ومعلومات اموال الوقف،ولذلك فان المسودات وسيلة اثبات اموال الوقف، ولان أموال الوقف غير المذكورة في مسودات الوقف تمثل غالبية اموال الوقف فهي عرضة للإعتداء عليها من قبل ضعاف النفوس الذين لا يتقون الله ولايخشون عذابه الاليم في الحياة الدنيا والاخرة الذي توعد فيه المعتدي على أموال الوقف، ولاريب ان للقضاء دور في حماية الوقف واثباته  ومن ذلك انه في اثناء نظر القضاء للإعتداءات والنزاعات على أموال الوقف قد ترد اقرارات أو أدلة تدل على أن الأرض محل النزاع أو التي وقع عليها الاعتداء من أموال الوقف ولكنها غير ثابتة في مسودات الوقف فيحكم القاضي بثبوت ملكية الوقف لتلك الأرض، فيصير الحكم في هذه الحالة شاهد ودليل على ملكية الوقف لتلك الأرض مما يستدعي ضم الحكم والحاقه بمسودات الوقف المتضمنة أموال الوقف، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/1/2013م في الطعن الشخصي رقم (46628) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أنه تم توسعة بركة عامة في أحدى القرى ينتفع بها أهل القرية جميعاً حيث تم وضع الاتربة الناتجة عن التوسعة إلى رهق  صالب مجاور للبركة، وبعد مضي عشرين سنة على التوسعة قام احد الأشخاص بتسوية الاتربة الموضوعة في الرهق المجاور للبركة وتحويل ذلك الموضع إلى أرض زراعية قام بغرسها بالقات، فقام وكيل الوقف برفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية مدعياً فيها بأن الأرض التي قام المدعى عليه بغرسها بالقات هي أرض وقف وأن المسنين من أهل القرية يعلمون بأن البركة القديمة قد تم حفرها في أرض قام أحد الأشخاص القدامى بوقفها لحفر البركة فيها حيث تم حفرها في جزء منها ثم تمت توسعة البركة لاحقاً وبقت من تلك الأرض الرهق الذي قام المدعى عليه بغرسها بالقات، وأن هذا الوقف لم يتم كتابته في وثيقة، ولكن هذا الوقف ثابت بالشهرة وقدم وكيل الوقف أو مدير الوقف الشهود الذين شهدوا بصحة ما ورد في الدعوى، وقد خلصت المحكمة الابتدائية إلى الحكم (بقبول دعوى وكيل الوقف في المنطقة بثبوت ملكية الوقف لقطعة الأرض الواقعة فوق البركة مع حق المدعى عليه استئجارها من الوقف ،وعلى وكيل الوقف اشعار ادارة الأوقاف بالمديرية والمحافظة بصورة من هذا الحكم لإلحاقها بمسودة الأوقاف بعد صيرورته نهائياً) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الشخصية قضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الشخصية أقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (أن الطاعن قد ذكر في طعنه بأن الأرض ليست من الوقف فلو كانت كذلك لكانت هناك وقفية بشأنها كما هو الحال في سائر أموال الوقف وبدلاً من ذلك فقد اعتمد الحكم المطعون فيه على شهادات شهود غير دقيقة فليست قائمة على أساس قوي، والدائرة تجد أن الشعبة قد أسست حكمها على شهادات معتبرة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول : إثبات ملكية الوقف :

مسودات الوقف هي الوسيلة الغالبة لاثبات ملكية الوقف،فهي الوسيلة  القانونية الكتابية المعتمدة أصلاً لإثبات أموال الوقف،فالمسودات  عبارة عن وثائق كالوقفيات المكتوبة وسجلات وعقود واجارات وإقرارات واتفاقيات تفيد جميعها ملكية الأوقاف للوقف المعين في تلك الوثائق المسماة بالمسودات، وقد اصبغ قانون الإثبات وقانون المرافعات على مسودات الوقف الحجية الثبوتية الكاملة، بل أن قانون المرافعات قد صرح بانها بمثابة سندات تنفيذية، ولكن الإشكاليات تظهر حينما نجد أن غالبية الأوقاف ليست مثبتة في تلك المسودات، أي أن المسودات  لاتتضمن جميع أموال الوقف في اليمن، ولمواجهة هذه الإشكالية فقد قرر قانون الوقف إثبات الوقف بوسائل الاثبات المختلفة حيث يثبت الوقف بالشهرة وبشهادات الشهود مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا، وكذا يثبت الوقف بإقرارات الأشخاص وغير ذلك، فلغرض حماية أموال الوقف من العبث والضياع فقد قرر القانون مبدأ حرية إثبات أموال الوقف، وهذا الأمر تطبيق للخصوصية التي تميز أموال الوقف بإعتبارها أموال الله تعالى.

الوجه الثاني : الأحكام القضائية كمكون من مكونات مسودات الوقف :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا لاحظنا أن الحكم قد قضى في منطوقه بإلحاق الحكم الذي اثبت ملكية الوقف للأرض محل النزاع ضمن مسودات الوقف في المديرية والمحافظة حتى يكون الحكم حجة ثبوتية تثبت ملكية الوقف للأرض محل النزاع، لان الحكم القضائي في هذه الحالة مقرر لحق الوقف الذي كان موجوداً قبل صدور الحكم، والله اعلم.