اللجوء إلى التحكيم يقطع ميعاد تقديم الشكوى الجزائية

 

اللجوء إلى التحكيم يقطع ميعاد تقديم الشكوى الجزائية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اجاز قانون التحكيم للأشخاص التحكيم في المسائل الجنائية التي يجوز التصالح فيها، ولذلك يلجاء الافراد إلى التحكيم في تلك المسائل، واحياناً تفلح محاولات التحكيم واحياناً أخرى لا تفلح  هذه المحاولات، وفي هذه الحالة الأخيرة يكون اللجوء إلى التحكيم قاطعاً لميعاد تقديم  الشكوى الجزائية حيث يحق للمجني عليه ان يتقدم إلى النيابة العامة طالباً تحريك الدعوى الجزائية على أساس ان اللجوء الى التحكيم يقطع ميعاد تقديم الشكوى إلى النيابة، ولأهمية هذه المسألة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/1/2015م في الطعن رقم (56103) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان ثلاثة اشخاص قاموا بإطلاق النار على جماعة اخرى ثم اشتبكت الجماعتان فقام شخص من الجماعة التي تم اطلاق النار عليها قام بطعن احد افراد الجماعة التي اطلقت النار، وبعد ذلك قامت الجماعتان بتحكيم هيئة محكمين للفصل في الموضوع، حيث توصلت هيئة التحكيم إلى الحكم على الأشخاص الذين اطلقوا النار بهجر على واحد منهم رأس بقر وكذا الحكم بهجر رأس بقر على الشخص الذي قام بطعن غيره وكذا الحكم بالأرش عن الاصابات  التي لحقت بالمشتبكين، فتقدمت الجماعة التي اطلقت النار بدعوى بطلان حكم التحكيم أمام الشعبة المدنية التي قضت بقبول دعوى البطلان وبطلان حكم التحكيم لجهالته، ولانه قد حكم جزافاً بالهجر والارش دون ان يبين الحكم الجنايات التي لحقت بكل شخص على حدة ثم  تحديد ارشها كما قضى الحكم الاستئنافي بان ميعاد تقديم  الشكوى من الجني عليهم إلى النيابة لازال قائما ،ً لان اللجوء إلى  التحكيم يقطع تقادم ميعاد تقديم  الشكوى حيث يتم  استئنأف ميعاد تقديم الشكوى من تاريخ صدور الحكم الاستئنافي، فقامت الجماعة التي اطلقت النار بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي على أساس ان التحكيم لا يقطع ميعاد تقديم الشكوى، إلا أن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة ان أسباب الطعن غير وجيهة فهي  لا تحتاج إلى مناقشة عدا ما ورد في السبب الأول المتعلق بحكم المادة (29) إجراءات التي حدد القانون فيها ميعاداً محدداً لرفع الشكوى فيما هو منصوص عليه في المادة (27) إجراءات وانه ليس في المادة (29) ما يجيز اعتبار الاتفاق على التحكيم قاطعاً للميعاد المذكور، وهذا احتجاج غير موفق  لان الامور القاطعة للمواعيد محددة في نصوص قانونية متعددة، فلجوء طرفي النزاع الجزائي إلى التحكيم هو لجوء إلى القضاء لان التحكيم وسيلة قانونية للفصل في الخصومات، ولذلك فان القضية بعد الاتفاق على التحكيم وخلال الفترة التي يتم استغراقها للفصل في القضية من قبل المحكمين ثم الفصل في دعوى البطلان هذه المدة تكون قاطعة  لميعاد تقديم الشكوى ،ولذلك فان صدور حكم الاستئناف ببطلان حكم التحكيم يكون ايذانا باستئناف احتساب ميعاد تقديم الشكوى) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : جواز التحكيم في المسائل الجنائية التي يجوز فيها التصالح :

اجازت الفقرة (د) من المادة (5) تحكيم اجازت التحكيم في المسائل الجنائية التي يجوز فيها التصالح حيث نصت المادة (5)  تحكيم على أنه (لا يجوز التحكيم فيما يأتي : د- سائر المسائل التي لا يجوز فيها الصلح) فيفهم من هذا النص انه يجوز التحكيم في المسائل الجنائية التي يجوز فيها الصلح، ومن المعلوم أنه يجوز الصلح في  الديات والارش في الشريعة الاسلامية بإعتبار الدية والأرش وأن كانا من العقوبات إلا أنه يتم تسليمها إلى المجني عليه أو اولياء الدم على أساس أن حق المجني عليه أو اولياء الدم في هذه الجرائم  غالب على الحق العام، وكذا يجوز التحكيم في جرائم الشكوى المنصوص عليها في المادة (27) اجراءات التي نصت على أنه (لا يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجزائية أمام  المحكمة إلا بناءً على شكوى المجني عليه أو من يقوم مقامه قانوناً في الأحوال الأتية :  -1- جرائم القذف والسب وافشاء الاسرار الخاصة والاهانة والتهديد بالقول أو بالفعل أو الايذاء الجسماني البسيط مالم تكن الجرائم وقعت على مكلف بخدمة عامة اثناء قيامه بواجبه او بسببه -2- في الجرائم التي تقع على الأموال فيما بين الأصول والفروع والزوجين والأخوة والأخوات -3- في جرائم الشيكات -4- في جرائم التخريب والتعييب واتلاف الأموال الخاصة وقتل الحيوانات بدون مقتضى أو الحريق غير العمدي وانتهاك حرمة ملك الغير وكذلك في الأحوال الاخرى التي ينص عليها القانون) وهذا النص يشير إلى ان هناك جرائم اخرى ينص عليها لا يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى الا بموجب شكوى.

الوجه الثاني : ميعاد تقادم الشكوى الجزائية :

قرر القانون عدم جواز تحريك الدعوى الجزائية إلا بموجب شكوى يقدمها المجني عليه في الجرائم المشار اليها في المادة (27) إجراءات السابق ذكرها، وحتى لا يكون ميعاد تقديم الشكوى مطلقاً فقد حدد قانون الإجراءات الجزائية ميعاداً لذلك حيث نصت المادة (29) إجراءات على أن (ينقضي الحق في الشكوى فيما هو منصوص عليه في المادة (27) بعد مضي أربعة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة أو بارتكابها أو زوال العذر القهري الذي حال دون تقديم الشكوى ويسقط الحق في الشكوى بموت المجني عليه).

الوجه الثالث : العذر القاطع لميعاد تقديم الشكوى :

كان موقف الطاعن في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ان التحكيم ليس قاطعا لميعاد تقديم  الشكوى لأن التحكيم غير منصوص عليه في المادة (29) إجراءات السابق ذكرها نصت فقط على العذر القهري فقط وتبعاً لذلك لا يكون التحكيم عذراً يقطع ميعاد التقادم، في حين قضى الحكم محل تعليقنا بان اللجوء إلى التحكيم يقطع التقادم وان لم يرد ذكره في المادة (29)اجراءات، لان التحكيم وسيلة قانونية قررها القانون للفصل في جرائم الشكوى وتبعاً لذلك فان مدة نظر القضية لدى هيئة التحكيم ثم مدة نظر دعوى بطلان حكم التحكيم من قبل محكمة الاستئناف تكون هذه المدة قاطعة للتقادم حيث يجوز للمجني عليه الذي سبق له التحكيم يجوز له ان يتقدم بشكواه إلى النيابة العامة فتكون هذه الشكوى مقبولة، ومن وجهة نظر الحكم محل تعليقنا أن أسباب انقطاع ميعاد تقديم  الشكوى منحصرة في العذر القهري المنصوص عليه في المادة (29) إجراءات السابق ذكرها، فالتحكيم يقطع ميعاد تقديم الشكوى ولو كان الاتفاق عليه يقع اختياراً وليس قهراً، فقد اشار الحكم محل تعليقنا في تسبيبه إلى ان التحكيم يقطع ميعاد الشكوى ولو لم يرد ذكره في المادة (29) إجراءات لان القانون قد اجاز اللجوء إلى التحكيم ولذلك فانه يقطع ميعاد تقديم  الشكوى، اضافة الى ان التحقيق الاداري مع المتهم من قبل السلطة الادارية يقطع أيضاً ميعاد الشكوى، والله اعلم.