استظهار القصد في جريمة احراز وحيازة المخدرات
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء
يقع بعض اليمنيين فرائس سهلة لتجار المخدرات الذين يستعملونهم في نقل المخدرات دون ان يعلم هولاء بان المواد التي يحملونها في سياراتهم اوحقائبهم من المخدرات ودون يعلموا انهم يتعاملون مع تجار مخدرات ودون ان يعلموا ان المواد المواد التي يسلموها للغير هي مخدرات لاسيما عندما تكون المخدرات على هيئة أقراص أو كبسولات لا فرق بينهما بين الأدوية والعلاجات ، وهنا يأتي دور استظهار القصد الجنائي لمعرفة ما اذا كان المتهم يعلم ان الحبوب أو الأقراص مخدرة أم لا وما اذا كان يعلم انه يتعامل مع تجار مخدرات أم لا ، ولاستظهار القصد في جريمة احراز وحيازة المخدرات أهميته البالغة باعتبار القصد الجنائي ركن من أركان الجريمة ومن جهة ثانية بالنظر إلى حسامة العقوبة المقررة قانوناً على هذه الجريمة الخطيرة، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/12/2010م في الطعن الجزائي رقم (43178) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة قدمت المتهم الاول إلى المحكمة الجزائية بتهمة احراز وحيازة مواد مخدرة وهي كمية من الحبوب المخدرة المحتوية على مادة الأميثامين حيث تم وضعها ونقلها في سيارته وبمعيته المتهم الثاني؛ وقد دفع صاحب السيارة المتهم الثاني التهمة المنسوبة له بقوله : انه ليس له اية علاقة او صلة بالمتهم الاول او بتجارة او نقل المخدرات وانه مجرد مالك وسائق للسيارة وان المتهم الاول طلب منه ان يوصله إلى المدينة وانه لا يعرف ان المواد المضبوطة مواد مخدرة وانه حينما طلب منه المتهم الثاني ان يسلم العلاقيات التي توجد بداخلهاالمخدرات إلى ابي بدر في الفندق شك في الامر ففتح احدى العلاقيات ولاحظ ان الحبوب ليست في عبوات مثل عبوات العلاج فشك انها مخدرات وعندما اراد ابلاغ الامن تم القبض عليه في تلك اللحظة ، وقد حكمت المحكمة الابتدائية المتخصصة على المتهم الاول اليمني بعقوبة الحبس لمدة خمس وعشرين سنة وعلى المتهم الثاني السعودي الجنسية بعقوبة السجن خمس سنوات وترحيله الى السعودية واتلاف المواد المخدرة المضبوطة ومصادرة سيارة المتهم الأول ، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي ( ان الادلة متساندة قد دلت على ان المتهمين الاول والثاني قد حازا واحرزا مواد مخدرة بقصد الاتجترويجها وبيعها لاشخاص اخرين بناءً على اتفاق جنائي سابق بالتنسيق والاتصال وتبادل الرسائل هاتفياً فيما بين المتهم الأول والمتهم الثاني ولقائهما بالقرب من الحدود السعودية ثم سفرهما لشراء المواد المخدرة من وسط اليمن حيث قاما بشراء المواد المخدرة واستلامها في خمس علاقيات كوداك لون اصفر ووضعها في مقدمة الكرسي الامامي للسيارة التي يقودها المتهم الأول ؛ ككما ان الرسائل والصور في هاتف المتهم الثاني تدل على علاقته بالاشخاص الذين يقوم بالمتاجرة في المخدرات معهم وانه يقوم باستمرار في تجارة المخدرات فيما بين الحدود اليمنية السعودية علاوة على ان المتهم الثاني السعودي الجنسية قد قام بانتحال شخصية مواطن يمني حتى تمكن من الحصول على بطاقة شخصية يمنية باسم اخر وبيانات اخرى كاذبة وقام باستخدام هذه البطاقة وابرازها في النقاط الامنية وفي الفنادق اي كان ينزل اليها المتهم الثاني السعودي الجنسية) فلم يقبل المتهمان بالحكم الابتدائي فقاما باستئنافه الا ان محكمة الاستئناف رفضت استئنافهما وقضت بتأييد الحكم الابتدائي وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي ( اما قول المتهم الأول بانه لا علاقة له بتجارة المخدرات وانه كان يظن انها من حبوب المستشفى وانه سال المتهم الثاني عما بداخل الكيس فقال له : انها علاجات فالقرائن تدل على انه كان يعرف انها مخدرات ومن ذلك انتظاره للمتهم الثاني في مكان مظلم مهجور عند شراء المتهم الثاني للمخدرات وكذا مرورهما معاً بالسيارة في غير الطريق الرئيسية لتحاشي المرور بالنقطة العسكرية) فقام المتهم الاول اليمني بالطعن بالنقض فقبلت المحكمة العليا الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي ؛ وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (ان ما نعاه الطاعن في محله بخصوص عدم قيامه بحيازة المخدرات ذلك انه من خلال اقواله المدونة في محاضر جمع الاستدلالات ومحاضر التحقيق تبين ان الاتفاق بينه وبين المحكوم عليه الثاني هو نقل المتهم الثاني من الحدود السعودية الى مدينة بوسط اليمن مقابل مبلغ ألف وخمسمائة ريال سعودي وكان الغرض من نقله الى تلك المدينة هو معالجة المتهم السعودي لدى طبيب شعبي مشهور في اليمن مقيم في تلك المدينة وانه بعد وصولهما الى تلك المدينة طلب منه المتهم الثاني ان يلاقيه الى خارج المدينة وعندما وصل الى هناك قام المتهم الثاني بوضع خمسة اكياس دعاية وطلب منه التحرك الى الفندق ويسلم تلك الاكياس الى ابو بدر في الفندق الذي يقيم فيه المتهم الثاني وعندما وصل المتهم الاول الى قرب الفندق فتح احد الاكياس فرأى فيه حبوب فقال : ربما انها مخدرات فاسرع ليسلمها الى الامن ويتخلص منها وعند وصوله الى البقالة لشراء ماء وصل طقم الأمن وطلبوا منه تسليم نفسه وشافوا الحبوب داخل العلاقيات ، فمن ذلك يتضح ان الطاعن عرف انه يحمل حبوباً مخدرة بعد تحميلها لغيره واثناء قيامه بايصالها الى ابو بدر فلم يكن يعلم قبل ذلك بانها مخدرات ؛ فكان يتعين على الشعبة الاستئنافية ان تسبب حكمها التسبيب الكافي لاستظهار قصد النقل من الطاعن عند نقله لتلك المادة المخدرة ابتداءً اما تهمة النقل بقصد الاتجار فلم تدلل الشعبة على ما ذهبت اليه بأدلة سائغة واكتفت بالقول : واذا أضفنا الى ما تقدم حجم الكمية فيفهم منه قصد الاتجار؛ فهذا التعليل غير كاف اذ انه يتعين ان يكون استظهار قصد الاتجار مسبباً تسبيباً كافياً الامر الذي يتعين معه نقض الحكم واعادة القضية لنظرها مجدداً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية:
الوجه الأول : القصد الجنائي في جريمة احراز أو حيازة المخدرات :
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد ارشد الشعبة الاستئنافية باستظهار قصد المتهم الأول اليمني حتى تتم مسائلته في ضوء نتائج الاستظهار ، وهذا الامر يقتضي الاشارة بايجاز بالغ الى القصد الجنائي في جريمة احراز و حيازة المخدرات ، حيث يتحقق القصد بعلم المحرز أو الحائز للمخدرات بان ما يحرزه أو يحوزه هو من المواد المخدرة ، وهذا هو القصد العام فلم يشترط القانون توفر القصد الجنائي الخاص كنية تعاطي المخدرات أو الاتجار بها وانما اكتفي بالقصد الجنائي العام وهو علم الجاني بحقيقة المادة التي يحوزها وانها من المخدرات وتوفر أرادته في حيازتها ، فلا يجوز افتراض علم المتهم بان المادة التي يحرزها من المخدرات بل يجب اثبات علمه بطريقة قانونية ، فالقول بخلاف ذلك فيه انشاء قرينة قانونية اساسها افتراض العلم بالمواد المخدرة من واقع الحيازة وهو ما لا يمكن اقراره او القبول به قانوناً ما دام المحكمة لم تثبت وجود القصد الجنائي بأدلة واسباب كافية ، لان القصد الجنائي أو الركن المعنوي من أهم اركان هذه الجريمة فلا تقوم لها قائمة بدونه.
الوجه الثاني : وجوب استظهار القصد الجنائي في جريمة احراز أو حيازة المخدرات :
القصد أمر باطني لا سبيل لنا لمعرفة مكنون النفس وما تخفي الصدور وفي الوقت ذاته فلا يمكن مسألة الجاني الا بالوقوف على القصد الجنائي باعتباره ركنا من اركان الجريمة ، ولكن القصد وان كان في باطن الانسان الا ان هناك امارات وعلامات وقرائن ظاهرة تدل على وجود القصد الجنائي لدى الانسان ، ولذلك فقد أوجب الحكم محل تعليقنا على محكمة الموضوع استظهار القصد الجنائي لان القرائن والامارات التي استند اليها الحكم الاستئنافي كانت غير كافية حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا اضافة الى عدم وجود قرائن سابقة او مصاحبةللوقت الذي قام فيه المتهم بنقل المخدرات ، حيث كان يجب على الشعبة عدم الاكتفاء بالقرائن البسيطة التالية لوقت نقل المخدر فكان يجب عليها ان تبحث عن قرائن تدل على الاتفاق المسبق فيما بين المتهم السعودي والمتهم اليمني بشان نقل المخدر وكذا البحث في العلاقة السابقة فيما بين المتهم الأول والمتهم الثاني قبل لقائهما قرب الحدود السعودية كما ينبغي عليها معرفة حال المتهم من خلال مخاطبة الجهات المعنية عن حال المتهم الثاني والعمل أو المهنة التي يقوم بها والانشطة التي يباشرها وغير ذلك، لان المطالع الرصين يجد ان القرائن التي استند اليها الحكم الاستئنافي لم تكن كافية للحكم عليه بعقوبة السجن لمدة 25سنة !!! وطبعا هذه الاستيفاءات التي اشار اليها حكم المحكمة العليا لن تقوم بها الشعبة الاستئنافية ذاتها وانما ستتولى ذلك النيابة العامة بصفتها سلطة تحقيق واتهام .
الوجه الثالث : أهمية استظهار القصد في جريمة إحراز وحيازة المخدرات :
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد تشدد في استظهار القصد الجنائي في هذه الجريمة الخطيرة لان العقوبة التي قررها حكم محكمة الموضوع كانت سجن المتهم لمدة 25 سنة ولذلك فان القرائن والامارات التي يمكن الاعتماد عليها في حالة تقرير هذه العقوبة ينبغي ان تكون قطعية تجزم بتوفر القصد الجنائي لدى المتهم باحراز وحيازة المخدرات قبل او عند قيامه بالفعل فلا تكون القرائن قطعية الا اذا تظافرت وتساندت وتنوعت مصادر استظهارها ، فالقرائن التي اعتمد عليها الحكم الموضوعي كان مصدرها محضر جمع الاستدلالات ومحضر التحقيق ومع ذلك فان تلك القرائن المستمدة منها لم تكن كافية لتبرير ادانة المتهم والحكم عليه بالسجن لمدة 25 سنةكما انها لم تدل على وجود القصد حين الفعل اوقبله وانما دلت على وجود القصد بعد ذلك .
الوجه الرابع : حجيةالرسائل والصور والارقام الهاتفية:
لاحظنا ان حكم محكمة الموضوع قد استند ضمن الادلة على ادانة المتهم السعودي على الصور والرسائل النصية والارقام الهاتفية الموجودة في هاتف المتهم السعودي حيث استدل بها الحكم على تواصل المتهم بالتجار والاشخاص الذين سيبيع لهم المخدرات وكذا الاشخاص الذين اشتري منهم المخدرات وغير ذلك ؛ وهذا الاستدلال صحيح لان الصور والارقام والرسائل الموجودة في هاتف الشخص المعني حجة له وعليه طالما وهو طرفا فيها اي ارسلها او طلب الحصول عليها او كانت منسوبة له؛ ولكن الصور والارقام والرسائل الهاتفية تظل قرائن قابلة لاثبات عكسها؛ والله اعلم.