المساقي حينما تكون وسيلة للاستيلاء على المراهق العامة
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من اهم مقومات
استعادة النشاط الزراعي لدوره في المجتمع معالجة الاشكاليات التي تتسبب في اثارة
النزاعات والخلافات بين المزارعين التي تصرفهم عن اعمالهم وتستغرق الكثير من
اموالهم وجهودهم واوقاتهم والاكثر من ذلك ان هذه الخلافات قد تؤدي في احيان كثيرة
الى فتن ومفاسد عظيمة كالقتل والثارات ؛
ومن الاشكاليات التي تثير النزاعات والخلافات بين الفلاحين في اليمن مساقي الاراضي
الزراعية التي تصل الى ما يقارب 35% من اجمالي الخلافات بين المزارعين كما ان هذه
المساقي قد تكون وسيلة يتوسل بها بعض المزارعين المحتالين للاستيلاء على المراهق
العامة كالجبال والهضاب والأكام , ومن هذا المنطلق اخترنا التعليق على الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/1/2011م
في الطعن المدني رقم (41716) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم ان احد الفلاحين تقدم امام المحكمة الابتدائية المختصة بدعوى مفادها ان
الفلاح المجاور له في ارضه قد قام بقطع المسقى المملوك للمدعي النازل الى املاكه
من الجبل وهذا المسقى عادة مستمرة يصب الى ارضه منذ اربعين عاما حسبما ورد في
الدعوى, وقد رد المدعى عليه بان المدعي هو المعتدي على مجاري الماء التابعة لأملاكه النازلة من الجبل وان المدعي قد احدث مسقى من الجبل الى ارضه اثناء غياب
المدعى عليه خارج اليمن حيث قام المدعي
مستغلا وظيفته لأنه شيخ قام بهدم المسقى
التابع للمدعى عليه واستحداث مسقى له وقد ابرز المدعى عليه مذكرة من مدير عام
المديرية مختومة بختم المديرية تتضمن انه قد تم التصالح فيما بين الطرفين بنظر
مدير المديرية على ان تكون الهيجة العليا
تبقى على حالها للشيخ فلان بن فلان بحكم الزمن والفترة الطويلة دون اعتراض من احد
ومن سبق الى مباح فهو اولى به اما الهيجة السفلى فتكون للمدعي بحكم قربها من
املاكه, وقد حكمت المحكمة الابتدائية بعدم قبول دعوى المدعي والزامه بإزالة المسقى
الذي احدثه في الوادي والهيجتين النازلتين من الجبل ومنع المدعي من قطع الوادي وله
الحق ان يسقي ملكه من السائلة العظمى دون قطعها كاملا ودون اضرار بالمدعي عليه,
فقام المدعي باستئناف الحكم امام محكمة الاستئناف التي قبلت استئنافه وحكمت
باستحقاق المستأنف لما هو ثابت عليه وهي الهيجة العليا وما ينزل منها من مياه
الامطار المؤدية الى املاكه واستحقاق المستأنف ضده للهيجة السفلى وما ينزل منها من
مياه الامطار المؤدية الى املاكه وامتناع كل طرف من التعدي على املاك الاخر, فقام المستأنف والمستأنف ضده بالطعن في
النقض امام الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي رفضت الطعنين وقد جاء في اسباب
حكم المحكمة العليا (ان الطاعنين قد اثارا امام المحكمة المسائل التي سبق لهما
التصالح بشأنها حسبما ورد في مذكرة مدير المديرية, وحيث ان الطعن بالنقض للمرة
الثانية فانه يحق للمحكمة الفصل فيما تبقى من الموضوع فحيث ان الحكم الاستئنافي قد
الغى الحكم الابتدائي بكل فقراته دون الالتفات الى ما قضى به في فقرته الرابعة
التي الزمت المدعي ان يمتنع عن قطع السائلة العظمى وله ان يسقي املاكه من تلك
السائلة دون ان يقطعها او يضر بالمدعى عليه ولما لهذه الفقرة من اهمية في انهاء
النزاع بين الطرفين ومنع تجدده في المستقبل فان الدائرة تقضي بلزوم بقائها) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم على الوجه الاتي :
الوجه الاول : الوضعية القانونية للهيجة والسائلة العظمى والمسقى في القانون اليمني :
الهيجة والسائلة العظمى والمسقى مصطلحات وردت في الحكم محل تعليقنا, وذلك يقتضي الاشارة الى المعنى المقصود بكل مصطلح من هذه المصطلحات كما يأتي :
1- الهيجة : من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان المقصود بالهيجة هو تعرج منحدر من جبل او هضبة على شكل قوس مفتوح ينحدر الى اسفل وهو غير مزروع حيث تصب السيول المتجمعة منه الى الاراضي التي تليه, والهيجة بهذا المفهوم تندرج ضمن المراهق العامة المملوكة للدولة حيث نصت المادة (2) من قانون اراضي وعقارات الدولة على ان المراهق العامة هي (الجبال والاكام والمنحدرات التي تتلقى مياه الامطار وتصريفها, وتعد في حكم المراهق العامة السوائل العظمى التي تمر عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية) فهذا النص صريح في ان الهيجة تندرج ضمن المراهق العامة وتسري عليها الاحكام التي تسري على المرافق العامة ومن ذلك ان المراهق العامة من اراضي وعقارات الدولة وفقا للمادة (6) من قانون اراضي الدولة التي نصت على ان (يعد من اراضي وعقارات الدولة الخاضعة لأحكام هذا القانون ما يلي (- و- المراهق العامة) وعلى هذا فان الهيجة باعتبارها من المراهق العامة فهي ملك للدولة وتبعا لذلك لا يجوز التصرف في الهيجة او تمليكها وفقا للمادة (5) من قانون اراضي الدولة التي نصت على انه (لا يجوز التصرف في املاك الدولة العامة باي نوع من انواع التصرفات الا اذا زالت عنها صفة المنفعة العامة بمقتضى قانون خاص او قرار من مجلس الوزراء او زالت عنها صفة المنفعة العامة بالفعل) علما بان الهيجة من الاملاك العامة التي لها صفة المنفعة العامة لأنها غير مزروعة فتنمو فيها الحشائش والاشجار فينتفع بها عامة الناس بالرعي والاحتطاب وقلع الاحجار وغير ذلك, ولان الهيجة من المراهق العامة, اضافة الى ان المادة (41) من قانون الاراضي قد نصت على ان (تعتبر كافة المراهق العامة مملوكة بالكامل ملكية عامة للدولة) وعلى سبيل الاستثناء من ملكية الدولة لكافة المراهق فقد نصت المادة (42) على انه استثناء من احكام المادة السابقة تعد من ملحقات الاراضي الزراعية المراهق الملاصقة لها اذا كان معدل ارتفاع الرهق لا تزيد نسبة انحداره على 20% درجة او في حدود هذه النسبة اذا زاد معدل ارتفاع الرهق عن ذلك ويبدأ احتساب نسبة الانحدار من الحد الفاصل بين الرهق والاراضي الزراعية الملاصقة له) وبموجب المادة (43) من القانون ذاته فلا يتقرر حق ملكية الرقبة لملاك الاراضي الملاصقة للمراهق العامة طبقا لأحكام المادة السابقة الا من وقت زوال حقوق الانتفاع المشتركة للجوار في هذه المراهق .
2- السائلة العظمى : عند استعراضنا للنصوص والاحكام القانونية بشأن المراهق العامة الذي تندرج من ضمنها الهيجة على النحو السابق بيانه في الفقرة (1) من هذا التعليق نجد ان السائلة العظمى تندرج ايضا ضمن المراهق العامة وانها من ضمن الاملاك العامة التي تعد مملوكة بالكامل للدولة, وتبعا لذلك فان النصوص السابق ذكرها عند تناولنا للهيجة تسري على السائلة العظمى سواء بسواء فلا حاجة لإعادة سرد تلك النصوص هنا خشية الاطالة والتكرار الا انه من المقرر بالنسبة للسائلة العظمى انها تظل كلها ملكا للدولة ولا يحق لأصحاب الاراضي الملاصقة لها تملك أي جزء او حيز منها فأقصى ما يحق لهم هو السقي منها وان يضعوا لهم مساقي لا تقطع السائلة ولا تصل الى منتصفها .
3- المساقي : وهي سواقي الماء التي يحدثها الملاك لجلب ماء المطر الذي يسيل في المراهق العامة الى مزارعهم وتسمى في بعض المناطق (الشريج) وبعضها يطلق عليه اسم (المشرب) وهذه المساقي يقوم الملاك اما بحفرها او بناء سواند لها حتى يتجمع الماء ويجري فيها في اتجاه المزرعة, وهذه المساقي من فعل الملاك المجاورين للمراهق العامة وليست صبابات رأسية او عمودية يصب فيها المطر في انحداره الطبيعي المعتاد الى الارض من غير ان يصنع له الانسان سواقي يوجه السيل الى اتجاه معين او مزرعة معينة, ووفقا لقانون اراضي وعقارات الدولة لا يجوز للملاك احداث السواقي في المراهق العامة الا اذا زالت حقوق الانتفاع المشتركة في هذه المراهق, لان المراهق العامة معدة بطبيعتها للمنفعة العامة لكل اهل القرية او المنطقة فاذا قام المالك المجاور بأحداث السواقي فيها فانه سوف يترتب على ذلك الانتقاص من ملكية الدولة للمراهق العامة كما ان ذلك سيؤدي حتما الى انتقاص الانتفاع العام بالمراهق العامة, واذا قام احد الملاك بوضع هذه السواقي في المراهق العامة فأنها لا ترتب له حقا لان احكام التقادم لا تسري على اراضي وعقارات الدولة وفقا للمادة (7) من قانون اراضي الدولة التي نصت على انه (لا تسري على اراضي وعقارات الدولة احكام التقادم حتى ولو لم تكن مقيدة في سجلات المصلحة او السجل العقاري)
الوجه الثاني : احداث المساقي والاستيلاء على المراهق العامة :
المراهق العامة
بحسب تعريفها السابق هي حاضنة الموارد العامة حاضرا ومستقبلا وهي حق عام للامة
كلها فالاستيلاء عليها او تمليكها يعني مصادرة حاضر الامة ومستقبلها ,ولان المراهق
العامة على هذا القدر من الاهمية فان النفوس الانانية تتطلع للاستيلاء عليها
بوسائل شتى منها احياء الاراضي الموات بدون ايجار من الدولة بالإضافة الى احداث
المساقي التي تكون في الغالب من قبيل الاعمال التمهيدية للاستيلاء على المراهق
العامة مثلما حدث في القضية محل تعليقنا .
الوجه الثالث : اصطناع الخلافات للاستيلاء على المراهق العامة :
لاحظنا في القضية التي تناولها الحكم محل تعلقينا كيف احتال المدعي والمدعى عليه للاستيلاء على المراهق العامة حيث توصلا الى تقاسم انحدار الجبل وهو مرهق عام حيث اختلف المدعي والمدعى عليه على تلك المراهق العامة الهيجة العليا والهيجة السفلى حيث قاما بعرض خلافهما على مدير المديرية حيث تصالحا بنظره وبختم وتوقيع المديرية وقد تضمن هذا التصالح تقاسم المراهق العامة واستنادا الى هذه الوثيقة توصل المدعي والمدعى عليه لاحقا الى حكم قرر تنفيذ تلك الوثيقة المتضمنة تقسيم الجبل بينهما الهيجة العليا للمدعي والهيجة السفلى للمدعى عليه , مثلهما في ذلك مثل المتهبشين على الاراضي حينما لا يجدون وثيقة ملكية يفتعلوا النزاع بينهم في محاولة للحصول على محرر يصبغ الشرعية على حيازتهم او بسطهم على اراضي الغير ,وهذا تصديقا للمثل اليمني (اذا تعارك السراق انتبه على حقك) ولذلك يجب كل من يقوم بالتحكيم والحكم والصلح في المساقي ان يخطر هيئة الاراضي لان المساقي دائماتمتد الى المراهق العامة التي تكون بحكم القانون املاكا عامة، والله اعلم.