حق هيئة الأراضي في إلغاء عقود الإيجار المخالفة

 

حق هيئة الأراضي في إلغاء عقود الإيجار المخالفة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

أراضي الدولة لها خصوصيتها التي ينبغي مراعاتها في كل التصرفات التي تقع عليها سواء من قبل هيئة اراضي الدولة أو من الاطراف الاخرى التي تتعامل مع الهيئة بشأن اراضي الدولة، فهيئة أراضي الدولة باعتبارها الجهة المسئولة قانوناً عن تنفيذ قانون أراضي الدولة والادارة الحسنة لتداول واستثمار أراضي الدولة تسعى الهيئة إلى تحقيق الاهداف المقررة في قانون أراضي الدولة في سبيل تحقيق الوظيفة الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية لاراضي وعقارات الدولة المحددة في القانون، ولذلك فان عقود الايجار التي تبرمها هيئة الأراضي مع المستثمرين وغيرها لا يكون هدف تحقيق الربح فقط مثل القطاع الخاص وإنما هدفها الاساسي هو قيام المستثمر المستاجر بتنفيذ المشروع الاستثماري المحدد في عقد الايجار بإعتباره الغرض من عقد الإيجار، مع ان قانون الأراضي قد نص صراحة   على ان القيمة الإيجارية لأراضي الدولة يجب ان لا تقل عن القيمة الإيجارية للأراضي الاخرى إلا أن هدف هيئة الأراضي من التأجير للمستثمرين بصفة أساسية هو تحقيق نهضة عمرانية واستثمارية لتحقيق الرفاه الاقتصادي في المجتمع،ولذلك فان هيئة الأراضي تخصص بعض اراضي الدولة المشاريع الاستثمارية ، ومن هذا المنطلق فقد قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بأحقية هيئة اراضي الدولة في فيه عقد إيجار أراضي الدولة اذا خالف المستأجر المستثمر الغرض المحدد في عقد الإيجار، وقد صدر هذا الحكم في جلسة 5/12/2012م في الطعن رقم (44848)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان هيئة الاراضي قامت بتأجير احد المستثمرين أرض واسعة بغرض إقامة  مجمع سياحي عليها منها فندق خمسة نجوم باعتبار هذا المشروع من المشاريع الاستثمارية وفقا لقانون الاستثمار إلا ان المستثمر قام بتقسيم الأرض وتأجيرها من الباطن لاخرين الذين استغلوا الأرض في مشاريع هامشية غير استثمارية، فقامت هيئة الاراضي بالغاء عقد التأجير للمستثمر الذي قام برفع دعوى ادارية طلب فيها الغاء قرار الهيئة بفسخ عقد التأجير إلا أن المحكمة الابتدائية رفضت الدعوى لثبوت مشروعية وقانونية قرار الهيئة باعتبار المستأجر قد خالف عقد الإيجار وقانون الأراضي وقانون الاستثمار، فلم يقنع المستأجر بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه حيث قبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت بالغاء الحكم الابتدائي لانه قد ثبت للشعبة ان العقد المبرم فيما بين الطرفين هو عقد ايجار عادي يحق للمستأجر بموجبه ان ينتفع  بالارض المؤجرة بالطريقة  المناسبة له، فقامت هيئة الأراضي بالطعن بالنقض في الحكم فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان الحكم المطعون فيه قد تجاهل إقرار المطعون ضده الصريح بان الغرض من عقد الايجار له هو اقامة مشروع استثماري وهو بناء مجمع سياحي يتضمن انشاء فندق خمسة نجوم، فهذا الاقرار يدحض اسباب الحكم المطعون فيه ،فذلك الاقرار حجة قاطعة، كما ان الحكم لم يناقش النصوص القانونية من قانون اراضي الدولة وقانون الاستثمار التي خالفها المطعون ضده) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : تشجيع الاستثمار في قانون أراضي الدولة :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان الأرض التي قامت هيئة أراضي الدولة بتأجيرها إلى المستثمر كانت ارض مخصصة للمشاريع الاستثمارية ضمن سعي الهيئة لتنفيذ القانون الذي يهدف إلى تلبية احتياجات الدولة من الأراضي اللازمة لقيام الدولة بوظائفها المختلفة بما في ذلك تشجيع انشاء المشاريع الاستثمارية، ولهذا الغرض فان هيئة الأراضي تقوم بتخطيط وإعداد وتجهيز الاراضي المناسبة وتخصيصها للمشاريع الاستثمارية لغرض تشييد مشاريع ذات طابع استثماري طبقاً لأحكام قانون الاستثمار حسبما ورد في المادتين (40 و 42) من لائحة قانون أراضي الدولة، وبهدف تشجيع الاستثمار تقوم هيئة الاراضي بتأجير الأراضي اللازمة والمناسبة لإنشاء المشاريع الاستثمارية التي يحتاجها المجتمع، وعلى هذا الاساس تظهر اهمية الغرض من تأجير اراضي الدولة المخصصة بغرض إقامة المشاريع الاستثمارية حيث يجب على المستثمر الالتزام بالغرض المتفق عليه مع هيئة الأراضي، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الاستئنافي لانه تجاهل إقرار المستثمر المستأجر بانه قد استأجر ارض الدولة المخصصة بغرض إنشاء مشروع استثماري عليها ولكنه لم يلتزم بذلك.

الوجه الثاني : علاقة قانون الاستثمار بقانون اراضي الدولة بشأن تأجير أراضي الدولة للمشاريع الاستثمارية :

قانون الاستثمار هو القانون الخاص الذي يحدد المشاريع الاستثمارية وشروطها والمزايا التي تتمتع بها المشاريع الاستثمارية، وهو القانون الذي يحدد الاولوية في المشاريع الاستثمارية التي تحتاجها البلاد، فقانون الاستثمار هو الذي يبين ما اذا كان المشروع من قبيل الاستثمار أم لا، فإذا كان المشروع مشروعاً استثمارياً وفقاً لقانون الاستثمار فان هيئة اراضي الدولة تقوم بالتأجير لإنشاء هذا المشروع الذي يعتبره قانون الاستثمار من المشاريع الاستثمارية، وقد اعتبر قانون الاستثمار كل الانشطة الاقتصادية من قبيل المشاريع الاستثمارية باستثناء بعض المشاريع التي نص القانون على انها ليست من قبيل المشاريع الاستثمارية حسبما هو مبين في المادة (1) من قانون الاستثمار، فالمشاريع التي لا تعد بموجب هذه المادة من المشاريع الاستثمارية هي ( 1- استكشاف واستخراج النفط والغاز والمعادن التي تحكمها اتفاقيات خاصة -2- صناعة الاسلحة والمواد التدميرية -3- الصناعات التي تؤدي إلى اضرار بالبيئة والصحة -4- أعمال المصارف والبنوك -5- تجارة الأموال والاستيراد والجملة والتجزئة) فكل مشروع غير ما تم ذكره في هذه المادة يعد مشروعاً استثمارياً، وبناءً على هذا النص فقد قامت هيئة الأراضي بتأجير الأرض المخصصة للمستثمر المستأجر لإنشاء مجمع سياحي على الأرض المخصصة بما في ذلك إنشاء فندق خمسة نجوم، فهذا المشروع وفقاً لقانون الاستثمار مشروع استثماري إلا أن المستأجر قد خالف قانون الاستثمار فقام بالمتاجرة بالأرض المؤجرة له والإتجار بالأموال لا يكون مشروعاً استثمارياً حسبما ورد في المادة (1) من قانون الاستثمار المشار اليها سابقاً، ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بان المستأجر لأرض الدولة المخصصة قد خالف قانون الاستثمار وفي الوقت ذاته فقد خالف المستأجر لأرض الدولة المادتين (40 و 42) من لائحة أراضي الدولة التي صرحت بأن تأجير أرض الدولة المخصصة يكون لإنشاء المشاريع الاستثمارية وليس للمتاجرة بها.

الوجه الثالث : عقد تأجير أرض الدولة للمشاريع الاستثمارية :

تقوم هيئة أراضي الدولة بإعداد وصياغة عقد تأجير أراضي الدولة المخصصة للمشاريع الاستثمارية، حيث تتضمن هذه العقود التزامات المستأجر المستثمر ومن ضمنها استعماله للأرض المؤجرة في إقامة وإنشاء المشروع الاستثماري المذكور في العقد والمتفق عليه، وبموجب عقد الإيجار يجب على المستأجر الالتزام بذلك لان القانون المدني أوجب على المتعاقدين تنفيذ التزاماتهم بحسن نية وان العقد ملزم للمتعاقدين باعتباره شريعة المتعاقدين، وبتطبيق هذا المفهوم على القضية التي حسمها الحكم محل تعليقنا نجد ان عقد التأجير المبرم فيما بين هيئة الأراضي والمستأجر كان ينص على ان الغرض من تأجير الأرض هو قيام المستأجر بإنشاء مجمع سياحي على الأرض المخصصة بما في ذلك إنشاء فندق سياحي خمسة نجوم.

الوجه الرابع : احقية هيئة الأراضي في فسخ عقد الإيجار اذا خالف المستثمر الغرض من التأجير :

قضى بذلك الحكم محل تعليقنا لان المستأجر المستثمر حينما قام بالبيع والشراء والتأجير للأرض المؤجرة له خالف عقد الإيجار الذي حدد الغرض من الإيجار ومنع المستثمر من تأجير الأرض للغير حيث نص العقد على حق هيئة الأراضي في فسخ العقد اذا خالف المستأجر، كما انه يحق للهيئة فسخ العقد في هذه الحالة بمقتضى المادتين (40 و 42) من لائحة أراضي الدولة  لان المادتين المشار اليهما صرحتا بان تأجير اراضي الدولة المخصصة يكون لإنشاء المشاريع الاستثمارية وليس للبيع والشراء والتأجير فيها، وكذا يحق لهيئة الاراضي فسخ العقد بموجب المادة (1) من قانون الاستثمار الذي نص على ان اعادة التأجير أو البيع أو المتاجرة في الأراضي ليست من المشاريع الاستثمارية، كما يستند حق الهيئة في فسخ عقد الايجار في هذه الحالة إلى قانون تنظيم العلاقة فيما بين المؤجر والمستأجر حيث نصت المادة (49) منه على انه (لا يجوز للمستأجر ان يستعمل العين المؤجرة إلا في الغرض الذي أعدت له أو تم الاتفاق عليه) وكذا نصت المادة (59) من القانون ذاته على عدم جواز قيام المستأجر بتأجير الأرض من الباطن، والله اعلم.