جريمة الغش في تحصيل الرسوم
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من المقرر وفقاً
للدستور والقانون أن فرض الرسوم وتحصيلها يكون بموجب قانون يصدر بهذا الشأن ،كما
أنه من المقرر ان القانون يحدد أوجه وإجراءات التحصيل للرسوم ويقرر عدم الصرف من
الإيرادات أو تجنيبها وجوب توريدها إلى الخزينة العامة اولا باول باعتبارها
إيرادات عامة للخزينة العامة فليست خاصة بالجهة التي تتولى تحصيلها، ومع وجود هذه
النصوص الآمرة إلا أن جهات كثيرة تتساهل في تطبيق هذه النصوص القانونية ولاتلتزم
بها، مما يتسبب في اهدار الاموال العامة، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق
على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
24/4/2013م في الطعن الجزائي رقم (47007) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم أن مدير هيئة حكومية قام بتأجير أجهزة قياس صلاحية مياه الابار لبعض
المواطنين مقابل مبالغ مالية لم يتم توريدها إلى الخزينة العامة كما قام بفرض رسوم
على 12 بئر مياه خاصة بواقع مأتي ألف ريال على كل بئر وقام بصرف تلك المبالغ ولم يقم بتوريدها إلى الخزينة العامة بحسب ما
يقرر القانون، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم ببراءة المتهم، وقد ورد ضمن
أسباب الحكم الابتدائي أنه (تبين للمحكمة أن المتهم لم يقم بإضافة الأموال إلى
أمواله الخاصة كما أنه لم يقم بالتصرف فيها لحسابه وإنما قام بصرفها مكافأت
ونثريات للموظفين الذين قاموا بتنفيذ الاعمال التي تم تحصيل المبالغ مقابلها)
فقامت النيابة العامة باستئناف الحكم إلا أن الشعبة الجزائية قضت بتأييد الحكم
الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (ان المتهم قد ابرز أمام الشعبة
الوثائق التي تدل على أن السئولين السابقيين له
في الهيئة كانوا يقومون بتحصيل الرسوم والمبالغ على اختبار مياه الابار
وكذا المبلغ الثابت عن كل بئر بنفس الطريقة التي قام بها المتهم كما كان المسئولون السابقون يقومون بصرفها بنفس
الطريقة) فقامت النيابة العامة بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة
الجزائية أقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (بعد
الاطلاع على مشتملات الملف فقد تبين للدائرة أن الطعن قد قام على سند من القول
ببطلان الحكم الاستئنافي لعدم ايداع مسودته وعدم تلاوة موجز اسبابه عند النطق به
وعدم مناقشة المحكمة للأدلة المؤكدة لارتكاب المتهم الافعال المسندة له ومن ذلك
تقرير جهاز المحاسبة، الا أنه تبين للدائرة وجود مسودة الحكم في ملف القضية وتم
النطق بالحكم في جلسة علنية وفقاً لما هو ثابت في محضر الجلسة ومن ثم لا مجال
للنعي ببطلان الحكم المطعون فيه لعدم ايداع المسودة أو لعدم تلاوة موجز اسبابه لان
الأصل أن الإجراءات قد روعيت، اما النعي ان الشعبة مصدرة الحكم لم تناقش أدلة
الاتهام فهذا النعي مخالف للثابت في اسباب حكمي محكمتي الموضوع الدالة على ان كل
الادلة الموضوعية التي تم طرحها نوقشت باستفاضة واحاطة تامة) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : الغش في تحصيل الرسوم في القانون :
يجرم قانون الجرائم
والعقوبات هذا الفعل، بموجب المادة (164) التي تنص على أن (يعاقب بالحبس مدة لا
تزيد على ثلاث سنوات كل موظف عام له شأن في تحصيل الرسوم أو الغرامات أو العوائد
أو الضرائب أو نحوها طلب أو اخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق مع علمه
بذلك فاذا استولى على ذلك لنفسه ولم يوردها للخزينة العامة يعاقب بالعقوبة المقررة
في المادة (162) ) ومن خلال استقراء هذه المادة نستنتج الاتي :
1- لقيام جريمة الغش في
تحصيل الرسوم ينبغي ان يكون المحصل أو الموظف له اختصاص او صلة او علاقة بتحصيل
الرسوم او نحوها حيث يستغل الموظف هذه
الوضعية أو الصفة في تحصيل مبالغ غير مستحقة بغش الاشخاص وايهامهم بان القوانين
والانظمة توجب عليهم دفع تلك المبالغ، وقد افلت الموظف المتهم في القضية التي
تناولها الحكم محل تعليقنا افلت من
العقوبة لانه ليس له شأن في تحصيل الرسوم أو الضرائب، وهذه ثغرة يجب على المقنن
اليمني معالجتها أو سدها.
2- تقع جريمة الغش في الرسوم سواء اخذ الجاني
اموالاً غير مستحقة أصلاً أي ليست مقررة بموجب القانون أو انها مقررة في القانون
إلا أن الجاني اخذ اكثر مما هو مقرر في القانون الناظم، وعند تطبيق هذا النص على
القضية التي تناولها هذا الحكم نجد أن الموظف المتهم قد قام باخذ مبالغ من اصحاب
الابار ليست مقررة بموجب قوانين وانما بموجب اعراف سائدة في الجهة التي يعمل بها
في حين ان ذلك العرف مخالف للنظام والقانون، وقد كان هذا العرف سبباً من الاسباب
التي استند اليها حكم محكمة الموضوع ببراءة المتهم.
3- هذه الجريمة لا تقع الا من موظف عام، فذلك ركن
مفترض لقيام هذه الجريمة، فاذا تخلف هذا الركن فلا تقع هذه الجريمة، وان قامت
جريمة اخرى وهي جريمة النصب والاحتيال.
4- علم الموظف بأن المال
الذي يأخذه غير مستحق بموجب القوانين النافذة او انه اكثر من المبلغ المستحق، فاذا
تخلف العلم فلا سبيل لقيام جريمة الغش في تحصيل الرسوم ، ولهذا الأمر فقد افلت
المتهم من العقوبة بسبب هذا الشرط، ولذلك فإننا نوصي المقنن اليمني بأن يستبعد
كلمة (مع علمه بذلك) في النص القانوني السابق ذكره.
5- الفرق بين جريمة الغش
في تحصيل الرسوم وجريمة الارتشاء يظهر هذا الفرق في ان جريمة الغش في تحصيل الرسوم
تقع من الموظف المختص أو المكلف بتحصيل الرسوم او الذي له علاقة بعملية التحصيل،
فالجامع المشترك بين الجريمتين هو انهما من الجرائم التي تقع من الموظفين العامبن
كما أن الموظف فيهما يطلب أو ياخذ غير
المستحق الا أن الفرق بينهما ان الارتشاء
يقع من الموظفين غير المختصين بتحصيل الرسوم، ولذلك فاذا قام بطلب او اخذ المبلغ
موظف غير مختص بالتحصيل فان الفعل يكون ارتشاء وليس غش في تحصيل الرسوم.
6- قد يعاقب الجاني في
جريمة الغش في تحصيل الرسوم بالعقوبة المقررة لجريمة الاختلاس أذا قام بالاستيلاء
على المبالغ غير المستحقة التي قام بتحصيلها، لان الحد الاعلى لعقوبة الاختلاس
أكثر من ضعف نظيره في جريمة الغش في تحصيل الرسوم، فالحد الاعلى لعقوبة الغش في
تحصيل الرسوم هو الحبس الذي لا تزيد مدته
على ثلاث سنوات في حين ان الحد الاعلى لعقوبة الاختلاس هو الحبس الذي لا
تزيد مدته على سبع سنوات.
الوجه الثاني : إيداع مسودة الحكم :
كانت النيابة قد
استندت في طعنها بالنقض إلى أن الشعبة الاستئنافية لم تقم بإيداع مسودة الحكم عند
النطق به ولذلك فان حكمها باطل عملاً بالمادة (375) إجراءات التي نصت على أنه (يجب
في جميع الأحوال ان تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة من القضاة الذين
اشتركوا في اصداره عند النطق بالحكم والا كان باطلاً) وقد ذكر الحكم محل تعليقنا
في أسبابه انما ذكرته النيابة ليس صحيحاً لان مسوّدة الحكم موجودة في الملف
المرفوع إلى المحكمة العليا، في حين أن القانون قد اشترط أن يتم الإيداع حين أو
عند النطق بالحكم حسبما قررت المادة (375) إجراءات السابق ذكرها، ولذلك نجد القضاة
في فرنسا ومصر وغيرهما يصرحون بعد النطق
بالحكم مباشرة بإيداع المسوّدة في الملف حبث يوجه القاضي الأمر الى أمين السر بصوت
مرتفع بوضع المسوّدة داخل ملف القضية ويرى
القاضي الجمهور الحاضرين الجلسة مسودة الحكم عند تسليمها إلى أمين السر لايداعها ،
بل أن دولاً كثيرة تقرر قوانينها على قيام
القاضي بإيداع نسخة من المسوّدة في ملف خاص بالمسودات يكون بعهدة رئيس المحكمة للتأكد بما لا يدع مجالاً
للشكل ان الحكم لم يتم النطق به إلا من واقع مسوّدة موجودة قبل النطق بالحكم،
باعتبار المسوّدة هي الحكم الذي يتم اشهاره أو اعلانه عن طريق النطق به علانية.
الوجه الثالث : تلاوة منطوق الحكم مع اسبابه في جلسة علنية :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن النيابة العامة قد ذكرت في طعنها أن الحكم الاستئنافي معيب لانه لم تتم تلاوته مع اسبابه علانية، وقد رفض الحكم محل تعليقنا هذا الطعن لان محضر جلسة النطق بالحكم يدل على أن الشعبة قد قامت بالنطق بالحكم علانية وتم إثبات منطوق الحكم مع موجز الاسباب في محضر الجلسة، عملاً بنص المادة (371) إجراءات التي نصت على أن (ينطق القاضي بالحكم بتلاوة منطوقه مع موجز لأسبابه على الاقل ويكون النطق به في جلسة علنية ولو كانت الدعوى قد نظرت في جلسة سرية) ومن خلال استقراء هذا النص نجد انه قد اجاز للقاضي على سبيل الاستثناء بان يكتفي بتلاوة موجز الاسباب، وهذا يعني أنه اذا كانت الاسباب طويلة تستغرق قراءتها وقتاً طويلا فيجوز للقاضي على سبيل الاستثناء ان يكتفي بتلاوة ملخص كل سبب على حدة أي أنه يجب عليه ان يذكر الأسباب كل سبب يلخص على حدة وليس خلاصة الاسباب التي تغفل بعض الاسباب أو تكتفي بذكر الاسباب المهمة فقط (المرصفاوي في قانون الإجراءات الجزائية، أ.د. حسن صادق المرصفاوي ص1254)، والله اعلم.