رقابة محكمة الاستئناف على تحقق المصلحة في الدعوى

 

رقابة محكمة الاستئناف على تحقق المصلحة في الدعوى

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

المصلحة هي الشرط الاصيل لقبول الدعوى وبموجب ذلك يجب على القاضي الابتدائي ان يتحقق بداية من توفر هذا الشرط في الدعوى باعتباره الشرط الأصيل لقبول الدعوى بدايًة فان لم يتم ذلك فيجب على الشعبة الاستئنافية عند اتصالها بالقضية ان تراقب ما اذا كانت محكمة اول درجة قد تحققت من ذلك ؛ لان محكمة الاستئناف محكمة موضوع ولان الاستئناف يعيد طرح النزاع امامها بكل وقائعه واجراءاته ، ولا ريب ان للتحقق من شرط المصلحة في الدعوى أهمية بالغة في تحقيق مبدأ الاقتصاد في إجراءات التقاضي ومبدا عدم الهدر الاجرائي ليس هذا فحسب بل لذلك أهميته في تحقيق العدالة وتمكين المتقاضين من حقوقهم في الوقت المناسب لان العدالة البطيئة ظلم؛كما ان هذا الامر يساهم في الحد من ظاهرة بط اجراءات التقاضي واطالتها التي تثير حفيظة الناس على القضاء في اليمن ، وسوف يظهر الحكم محل تعليقنا أهمية التحقق من المصلحة في الدعوى، فهذا الحكم صدر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/4/2010م في الطعن المدني رقم (35228) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن فرع هيئة أراضي الدولة قام بتسليم أرض من أراضي الدولة الى فرع مؤسسة حكومية لإنشاء مبنى لها حيث قامت تلك المؤسسة باستلام الارض وتسويرها وحيازتها وبناء غرفتين وبوابة للسور ثم قامت نقابة بتنفيذ أعمال اشافية في مشروع تابع للمؤسسة الحكومية ومقابل تلك الاعمال قامت المؤسسة بالتنازل عن الأرضية المشار اليها إلى النقابة لإقامة مبنى لفرع النقابة وبعد ذلك قام فرع هيئة الأراضي باستكمال إجراءات التنازل بين الجهتين ومنح النقابة الوثائق اللازمة ؛وبعد ذلك تقدم مواطن بدعوى أمام المحكمة الابتدائية اختصم فيها فرع هيئة الأراضي والنقابة وادعى أن فرع هيئة الأراضي قد قام بتأجيره الأرض ذاتها المشار اليها ؛ فقامت النقابة وفرع هيئة الأراضي بالرد على الدعوى بأن المدعي لا صفة ولا مصلحة لان الارض من اراضي الدولة  والهيئة المختصة قامت منذ مدة بصرف الارض للمؤسسة الحكومية إلا أن المحكمة الابتدائية قضت بأحقية المدعي بالارض محل النزاع وقنوع النقابة عن الأرض المدعى بها؛ فقام فرع هيئة الأراضي والنقابة باستئناف الحكم حيث تمسكا بعدم صفة ومصلحة المدعي المستأنف ضده ولكن الشعبة الاستئنافية رفضت عريضة الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي فقام فرع هيئة الاراضي والنقابة بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أمام الدائرة المدنية التي قبلت الطعن وقررت نقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد في حكم المحكمة العليا (وفي الموضوع فقد تبين للدائرة من خلال الاطلاع على أوراق القضية أن المطاعن الواردة في طعن النقابة وهيئة الأراضي تتلخص في أن الأرض المصروفة هي أرض الدولة وأن القانون قد حدد طرق وإجراءات التصرف والانتفاع في اراضي الدولة وان الأرض محل النزاع كانت مصروفة  منذ مدة للمؤسسة الحكومية وأن المدعي ليس له صفة ومصلحة، ومن خلال الدراسة للأوراق فقد وجدت الدائرة أن تلك المطاعن في محلها فقد صرح الحكم المطعون فيه في ص8 : ان الأرض محل النزاع هي في الأصل جزءاً من املاك الدولة كان قد تم صرفها لمكتب ... وقد اشار الحكم الى ان ذلك المكتب كان قد قام بتسويرها ثم تنازل بها إلى نقابة.... مقابل الأعمال الإضافية التي قامت النقابة في مبنى....؛ ولذلك فقد كان ينبغي على الشعبة ان تقوم بإعمال رقابتها على كيفية فهم وتعامل الحكم الابتدائي للواقع والقانون حسبما تقرر المادة (288) مرافعات فكان ينبغي عليها ان تتحقق من الصفات والمصلحة في جانبي الادعاء والدفاع بدءاً من  إنعقاد الخصومة ابتدائياً ثم تتدرج إلى الفصل في الموضوع بحسب القانون الموضوعي الناظم للنزاع وهو قانون أراضي وعقارات الدولة حتى تستظهر الشعبة من ذلك مدى سلامة المسار الاجرائي والنتيجة التي خلص اليها الحكم الابتدائي؛ إلا أن الشعبة قد جانبها الصواب فوقعت في الاخطاء ذاتها التي وقع فيها الحكم الابتدائي حيث ان المدعي معترف انه حصل على عقد انتفاع بالأرض محل النزاع  بعد وقت من صرفها لمكتب ...، ولذلك فانه من البين ان الحكم قد خالف المواد ( 75 و 185 و 186 و 187 و 188) مرافعات؛ لان الدفع بانعدام الصفة والمصلحة متعلق بالنظام العام وقد تمت اثارته في مرحلتي التقاضي فلم يتم الفصل فيه بأسباب سائغة حسبما اشترط القانون في النصوص المشار اليها ولذلك فان الدائرة لا تجد بداً من نقض الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية المصلحة كشرط لقبول الدعوى :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان جوهر النقاش فيه هو رقابة محكمة الاستئناف على تحقق المصلحة كشرط من شروط قبول الدعوى، وذلك يقتضي الاشارة بإيجاز بالغ إلى المصلحة كشرط لقبول الدعوى، فالمصلحة هي المنفعة التي يحصل عليها المدعي من التجائه إلى القضاء، او هي الباعث على رفع الدعوى؛ وقد تتفق المصلحة والصفة في شخص مدعي الحق إلا انه لا يمكن اعتبار المصلحة والصفة شرطاً واحد لقبول الدعوى لان لكل واحد منهما كيانه الخاص، ولذلك فان المصلحة شرط جوهري واساسي من شروط إقامة الدعوى فان اذا لم يتحقق هذا الشرط فان الدعوى تكون غير مقبولة ؛وبتطبيق هذا المفهوم على الحكم محل تعليقنا فان الأرض التي قام فرع هيئة الأراضي بتسليمها لانشاء مبنى فرع النقابة عليها كان قد سبق لفرع هيئة الأراضي ان  قام  بصرفها إلى مكتب المؤسسة الذي تنازل عنها  الى النقابة لاحقا؛ً كما ان فرع هيئة الأراضي يؤكد صحة وسلامة التصرفين صرف الأرض لمكتب المؤسسة وتنازل المؤسسة للنقابة، ومن هذه الجانب فالمدعي لا علاقة له ولا مصلحة بهذين التصرفين حتى يدعي بعدم صحتهما امام المحكمة المدنية، كما أن عقد الانتفاع الذي يتمسك به المدعي قد صدر لاحقاً للتصرف الصادر من هيئة الأراضي للمؤسسة الحكومية ولذلك فان هذا العقد لا محل له في الأرض التي سبق صرفها لجهة حكومية، ومن جانب ثالث فان هذا العقد لم يتم تطبيقه على تلك الأرض تحديداً فربما أن ذلك عقد في أرض أخرى كما ورد في دفاع فرع هيئة الأراضي، وقد ضمنت النقابة وفرع هيئة الأراضي ردهما على دعوى المدعي الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم تحقق المصلحة إلا أن محكمتي الموضوع لم تبحث هذه المسألة ولم تحققا هذا الدفع حتى تتأكد من حقيقة الدفع طبقاً للقانون، ولذلك فقد قضى حكم المحكمة العليا بنقض الحكم المطعون فيه، ولو حققت محكمة الموضوع هذا الدفع لظهرت لها حقيقة الأمر ومدى وجود شرط المصلحة في الدعوى من عدمه.

الوجه الثاني : تحقق محكمة الموضوع من توفر شرط المصلحة واهمية ذلك :

أكد الحكم محل تعليقنا أكثر من مرة على أن محكمة الموضوع معنية وملزمة بالرقابة على شرط المصلحة للتحقق من توفر هذا الشرط لتعلق ذلك بالنظام العام؛ وذلك يعني أنه ينبغي على محكمة الموضوع من تلقاء ذاتها التصدى لهذه المسألة وان تتحقق من توفر شرط المصلحة في الدعوى ؛فلا يتم قبول الدعوى اذا تخلف هذا الشرط حيث نصت المادة (75) مرافعات على ان لا تقبل أي دعوى لا تكون لصاحبها مصلحة ؛ وهذا نص قانوني صريح يمنع قبول الدعوى التي لا تتحقق فيها المصلحة، والجهة المختصة بالامتناع عن قبول الدعوى هي المحكمة ؛ولذلك فالواجب عليها التحقق من وجود شرط المصلحة، وفي هذا السياق ولان تحقق المصلحة في الدعوى من النظام العام فقد اجاز القانون ابداء الدفع بعدم القبول أمام درجتي التقاضي حسبما ورد في المادة (187) مرافعات، ومعلوم ان الدفع بعدم القبول من أهم اسبابه عدم توفر المصلحة في الدعوى؛ لان الدعوى لا تقبل الا اذا تحققت المصلحة فيها حسبما سبق بيانه ، ولذلك فانه من الواجب على محكمة الموضوع التحقق من توفر شرط المصلحة لضمان تحقيق مبادئ قضائية سامية مهمة منها مبدأ الاقتصاد في إجراءات التقاضي ومبدأ عدم الهدر الاجرائي وتمكين المتقاضين من حقوقهم بإجراءات سليمة وسريعة وسهلة، ولذلك يقرر شراح قانون المرافعات أنه يتوجب على القاضي من تلقاء ذاته ان يتأكد اولا من ولايته واختصاصهً ثم يتدرج إلى التأكد من صفات ومصالح الخصوم المتقاضين، ولعدم الاهتمام والعناية بهذين الجانبين نجد أن بعض القضايا تطول إجراءاتها وبعد ذلك يظهر أن الاحكام الصادرة فيها قد صدرت من قاضي لا ولاية له أو لا اختصاص أو ان تلك الاحكام قد صدرت في دعاوي لم تتحقق فيها مصالح المدعين (نظرية الدفوع، لأستاذنا المرحوم، أحمد أبو الوفا، ص170).

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717

الوجه الثالث : رقاب ةمحكمة الاستئناف على تحقق شرط المصلحة في الدعوى:

يتحدد هذا الدور في مظاهر عدة ابرزها مبدأ الاستئناف يعيد طرح النزاع برمته الذي يعني أن كل الأدلة والدفوع والوقائع والطلبات يعاد طرحها امام محكمة الاستئناف ومن ذلك الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم توفر شرط المصلحة كما أن تطبيق هذا المبدأ يقتضي أن تبحث محكمة الاستئناف كيفية اتصال محكمة أول درجة بالقضية بمعنى أخر مدى تحقق شروط قبول الدعوى ومن أهمها شرط المصلحة، وقد قرر قانون المرافعات مبدأ أن الاستئناف يعيد طرح النزاع حسبما ورد في المادة (188) مرافعات إضافة إلى ان رقابة محكمة الاستئناف على مدى تحقق المصلحة  يتأسس أيضاً على المادة (187) مرافعات التي تقرر جواز تقديم الدفع بعدم قبول الدعوى امام درجتي التقاضي، علاوة على أنه من وظائف محكمة الاستئناف استدراك النقص في الاحكام الابتدائية، ومحكمة الاستئناف باعتبارها محكمة موضوع جديرة بمباشرة الرقابة على تحقق شرط المصلحة في الدعوى لانها محكمة موضوع تستطيع بذاتها التحقق والتدقيق والبحث والمناقشة للتأكد من تحقق ذلك الشرط ؛ولذلك ذكر القانون جواز ابداء الدفع بعدم القبول امام درجتي التقاضي أي امام محكمتي الموضوع مع أنه من الدفوع المتعلقة بالنظام العام والدفوع المتعلقة بالنظام العام يجوز اثارتها حتى أمام محكمة النقض؛ والله اعلم.