العلامة التجارية المترجمة حرفيا ونصيا
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة
صنعاء
لكل اسم اوعلامة تجارية معنى ومدلول، والاهم
من ذلك شكل العلامة وكيفية نطقها وكتابتها وتأثير ذلك في اذهان جمهور المستهلكين ،
والقوانين والتشريعات الوطنية والدولية تمنع تقليد العلامات وتسجيل العلامات
المقلدة اذا كانت العلامة المقلدة مشابهة للعلامة الأصلية إلى القدر الذي يحدث
الالتباس والخلط بين العلامتين الأصلية والمقلدة عند جمهور المستهلكين للسلع
والمنتجات ، ولكن هل تعد ترجمة العلامة الأصلية من لغتها الأصلية الى لغة اخرى
تقليداً لها ؟ طبعاً المقصود بذلك العلامات التي تتضمن اسماء مثل ( تويوتا ، جيب ،
باندول ، جالكسي ، روثمان ...وغيرها) بمعنى هل ترجمة الاسم أو العلامة التجارية
يحدث الالتباس والخلط لدى جمهور المستهلكين بين الاسم الأصلي والاسم المترجم له ؛
وهل هناك فرق بين الترجمة الحرفية وبين الترجمة النصية للعلامة؟، والحكم محل
تعليقنا مفخرة للقضاء اليمني حيث تناول هذا الحكم الفرق بين الترجمة الحرفية
والترجمة النصية للعلامة وتاثير ذلك على التشابه بين العلامات التجارية ، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن
الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/10/2011م في الطعن
التجاري رقم (46194) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
شركة عراقية تقدمت الى وزارة الصناعة اليمنية طالبة منها تسجيل العلامة التجارية
لها واسمها (المجرة) (Magarra) التي توضع على منتجات الشركة
من الشوكولاتة فقامت الشركة المالكة لعلامة (جالكسي )بالاعتراض على تسجيل تلك
العلامة (Magarra)
لانها ترجمة نصية لمعنى علامة (Galaxy) التي توضع
ايضا على منتجات الشوكولاته ، فقبلت وزارة
الصناعة اعتراض الشركة المالكة لعلامة ( جالكسي) على تسجيل الشركة العراقية لعلامة
(المجرة) على اساس ان كلمة (المجرة) في اللغة العربية هي معنى كلمة (جالكسي) في
اللغة الانجليزية ؛ فقامت الشركة العراقيةبرفع طعن في قرار وزارة الصناعة بقبول
الاعتراض على تسجيل علامتها (المجرة) وذلك امام المحكمة التجارية الابتدائية وقد
اختقمت الشركة العراقية في هذا الطعن كلا
من وزارة الصناعة والشركة المالكة لعلامة
جالكسي ، وذكرت الشركة العراقية في دعواها
ان قرار وزارة الصناعة معيب لان لم يبين اوجه التشابه بين العلامتين المجرة
وجالكسي بحسب ما ورد في المواد (88 و 89 و 90) من قانون الحق الفكري الذي كان
نافذاً في اثناء رفع الطعن مع ان التشابه
بين العلامتين معدوم من حيث عناصرهما ومن حيث نغمة الصوت أي ان التشابه معدوم
شكلاً ولفظا؛ً وان الترجمة التي قصدها القانون هي التي تؤدي الى اختلاط العلامتين
لدى جمهور المستهلكين بحيث يصعب على الجمهور التفرقة بين العلامتين وهذا الامر غير
موجود بالنسبة لعلامتي المجرة وجالكسي وهذا الامر يجعل قرار وزارة الصناعة باطلاً
لان من شروط العلامة التجارية توفر صفة الذاتية المميزة لها وصفة الجدة النسبية
وعدم سبق استخدامها وهذه الشروط متوفرة بالنسبة لعلامة المجرة فالمجرة من اسماء
الكواكب باللغة العربية كما ان علامة المجرة العربية من العلامات الفارقة التي
تختلف عن كلمة جالكسي اللاتينية فمن السهل لجمهور المستهلكين التفرقة بين العلامتين ؛ كما ان المقصود بالتشابه في القانون الذي يقع نتيجة الترجمة : هو ان تكون الكلمة المترجمة مشابهة
لحروف الكلمة التي تمت ترجمتها حيث تؤدي الى تشابه بين العلامتين حين النطق بهما وهذا ما لم يحصل بين كلمتي المجرة وجالكسي
إضافة الى انتفاء الضرر بالشركة المالكة لعلامة جالكسي حيث ان المنتجات التي تحمل
علامة المجرة كانت تباع في الاسواق خلال
المدة الماضية جنب إلى جنب مع المنتجات التي تحمل علامة جالكسي فلم يحدث أي ضرر
لعلامة جالكسي أو حدوث خلط أو التباس بينهما لدى الجمهور إضافة الى ان علامة المجرة
مسجلة في دول كثيرة منها سوريا ولبنان
والعراق ؛وقد ردت الشركة المالكة لعلامة (جالكسي) على الدعوى او الطعن: بان علامة
(المجرة) هي ترجمة نصية لعلامة جالكسي كما ان المظهر العام لتلك العلامة مشابه
لجالكسي؛ وبعد ان سارت المحكمة الابتدائية في إجراءات القضية توصلت الى الحكم (
بتأييد القرار الاداري بقبول اعتراض الشركة المالكة لعلامة (جالكسي) على تسجيل
العلامة المشابهة لعلامتها وهي علامة المجرة) وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي :
انه من خلال المطالعة للقرار الاداري الصادر من وزارة الصناعة بقبول اعتراض الشركة
المالكة لعلامة جالكسي على تسجيل علامة (المجرة) فقد تبين للمحكمة ان القرار قد
استند الى ان علامة جالكسي مسجلة في دول كثيرة ومتداولة في الاسواق العالمية
والمحلية وذلك يعني انها علامة مشهورة وان علامة المجرة ما هي الا ترجمة حرفية
لكلمة جالكسي وان الشركة صاحبة علامة المجرة تستعمل هذه العلامة على نفس الفئة
والسلعة التي تستعمل فيها علامة جالكسي ولذلك ينطبق عليها الحظر المنصوص عليه في
المادة (89) من قانون الحق الفكري ، كما ان قول الشركة مالكة علامة (المجرة) بان
المقصود بالترجمة في القانون ليست ترجمة معنى الاسم باللغة العربية وانما الترجمة
الحرفية لحروف العلامة اي تحويل الحروف الانجليزية الى حروف عربية مثل ترجمة GALXY الى جالكسي
وان علامة المجرة مسجلة في الدول الاخرى مثل العراق وسوريا ولبنان فان هذا
الاستدلال يخالف ما ورد في القانون اليمني الذي قرر ان الترجمة الحرفية من قبيل
التشابه بين العلامات كما ان الحكم الصادر في بيروت لصالح مالكة علامة المجرة من
محكمة بيروت في لبنان لا حجية له بالنسبة للقضية المنظورة امام القضاء اليمني ،
علاوة على ان اتفاق معنى العلامتين يوجد التشابه بين العلامتين ويودي الى الخلط
بينهما عند الجمهور الذي يظن انه طالما ومعنى العلامتين واحد فان المنتجين الذين
توضع عليهما العلامتين قد أنتجته شركة واحدة .؛)، فقامت الشركة مالكة المجرة
باستئناف الحكم الابتدائي الا ان محكمة الاستئناف رفضت الاستئناف وقضت بتأييد
الحكم الابتدائي ، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان مناعي المستأنفة على
الحكم الابتدائي ليست في محلها لان علامة جالكسي مشهورة ومسجلة في اليمن ولان
علامة المجرة ما هي الا ترجمة حرفية لكلمة جالكسي فمعنى الكلمتين واحد يحدث الخلط
والالتباس لدى الجمهور ) فلم تقبل الشركة المالكة لعلامة المجرةبالحكم الاستئنافي
فقامت بالطعن بالنقض في الحكم امام المحكمة العلياالتي قبلت الطعن ونقضت الحكم
الاستئنافي ؛وفد ورد ضجمن اسباب حكم المحكمة العليا (فان محكمة الاستئناف قد خالفت
نص المادة (89) حق فكري فالقانون اليمني لم يقل بان الترجمة قرينة قانونية قاطعة
وانما قال وأكد صراحة بان الترجمة المقصودة في هذه المادة هي الترجمة التي يمكن ان
تحدث لبساً وبالتالي فان الترجمة التي لا يمكن ان تحدث لبساً تكون مقبولة التسجيل
وقد ارفقت الطاعنة احكاما صدرت في كل من
مصر وسوريا ولبنان وفلسطين قضت بقبول تسجيل علامة الطاعنة على اساس الفهم المشار
اليه لمعنى الترجمة المذكورة في النصوص
القانونية إضافة الى ان المادة (6) مكرر
من اتفاقية باريس قد قررت على ان (تتعهد دول الاتحاد سواء من تلقاء نفسها او بناءً على طلب صاحب الشأن برفض أو إبطال
التسجيل ويمنع استعمال العلامة الصناعية أو التجارية التي تشكل تشابها أو تقليداً أو ترجمة اذا كان من شأن ذلك
ايجاد لبس بين العلامتين، فترجمة معنى العلامة لايحدث الالتباس المقصود) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه
الآتية :
الوجه الأول : الترجمة الحرفية للعلامة التجارية :
الترجمة الحرفية للعلامة التجارية : هي ترجمة
الحروف التي تتكون منها العلامة في اللغة الانجليزية أو غيرها الى اللغة العربية ، فالترجمة تكون للحروف فقط مثل ترجمة
علامة MARS
إلى مارس ، وترجمة علامة GALAXY الى جالكسي ، وترجمة علامة panadol الى بنادول
وترجمة علامة solpadeine الى سولبادين ، فعند التأمل في الترجمة الحرفية
للحروف التي تتكون منها العلامة نجد ان رسم الحروف يتغير عند ترجمتها من لغة الى
لغة لكن نطقهما يكون واحدا تقريبا؛ ومعلوم
ان النطق هو أهم عنصر من عناصر
تشابه العلامات لان المستهلك عندما يشتري المنتج أو السلعة ينطق بطلبها باسمها في لغته أو باللغة الاصلية
وعندئذ يحدث الخلط والالتباس بين العلامتين الأصلية وترجمتها.
الوجه الثاني : الترجمة النصية لمعنى العلامة التجارية :
الترجمة النصية لمعنى العلامة التجارية هو
البحث عن معناها في لغتها الأم ثم ترجمة هذا المعنى الى اللغة العربية مثل البحث
عن معنى علامة GALAXY باللغة الانجليزية فيظهر ان
معنى هذه الكلمة الانجليزية بلغتها الانجليزية هو المجرة وهي مجموعات من المجموعات
الاجرام السماوية ، فترجمة هذه الكلمة المكونة للعلامة الى اللغة العربية هو كلمة
(المجرة) ؛ ومثل ذلك ايضا ترجمة معنى
الكلمة المكونة لعلامة MARS بلغتها الأم الانجليزية فنجد
انها تعني كوكب (المريخ) فتتم ترجمتها الى العربية بكلمة (مريخ) ومثل ترجمة علامة panadol من معناها
الانجليزي وهو رقاص الساعة الحائطية الذي يتحرك يمينا وشمالاً فتكون ترجمة معناها
الى العربية هو الرقاص وهكذا الحال في باقي العلامات ، ومن خلال المطالعة لوقائع
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان النزاع كان بشان ما اذا كانت ترجمة
معنى العلامة يؤدي الى الخلط والالتباس عند جمهور المستهلكين فيما بين العلامة
الأصلية وترجمة معناها الى العربية ، ومن خلال ذلك لاحظنا ان حكم المحكمة العليا
قد قضى بان ترجمة معنى العلامة ليس فيه مشابهة للعلامة الأصلية لان الجمهور عندما
يطلبون السلعة ويسمونها يسموها باسمها المكتوب عليها وليس بمعنى الاسم ؛ واجتهاد
المحكمة العليا اجتهاد سديد موافق لروح القانون والواقع؛ في حين ذهبت الشعبة
الاستئنافية الى مذهب مغاير حسبما ورد في الحكم ، ولكن السديد ما ذهبت اليه
المحكمة العليا.
الوجه الثالث : موقف القانون من ترجمة العلامة التجارية :
كان قانون الحق الفكري النافذ حينما قامت
صاحبة علامة (المجرة) برفع طعنها أو دعواها امام المحكمة الابتدائية كان هذا
القانون قد نص في المادة (89) فقرة (ج) على انه ( يجب ان تكون العلامة متميزة
بصورة جوهرية عن غيرها من العلامات وبناءً على لا تقبل للتسجيل – ج – العلامة
المطابقة كلياً أو جزئياً أو المقلدة أو المترجمة لعلامة مشهورة أو لاسم تجاري
معروف للغير بحيث يمكن ان يؤدي استعمال العلامة المطلوب تسجيلها الى اختلاط الأمور
لدى الجمهور) ومن خلال استقراء هذا النص نجد انه قرر ضابطً فيما يتعلق بمدى تأثير
ترجمة العلامة حيث قرر ان ترجمة العلامة لا يكون فيه مشابهة للعلامة الأصلية الا
اذا ترتب على الترجمة تشابه العلامة المترجمة مع العلامة الأصلية بحيث يؤدي ذلك
الى خلط والتباس لدى جمهور المستهلكين للمنتجين اللذين يحملا العلامة الأصلية
والعلامة المقلدة ، وقد اشار الحكم محل تعليقنا الى هذه المسألة حسبما ورد في
اسباب حكم المحكمة العليا ولذلك قضى حكم المحكمة العليا بان ترجمة معنى العلامة
ليس فيه تشابه ، كذلك قررت اتفاقية باريس في المادة (6) مكرر على ان
(تتعهد دول الاتحاد برفض أو إبطال تسجيل ومنع استعمال العلامة الصناعية أو
التجارية التي تشكل نسخاً أو تقليداً أو ترجمة اذا كان من شان ذلك ايجاد لبس لدى
جمهور المستهلكين) ومن خلال استقراء هذه المادة نجد أيضاً ان الضابط في تحديد
التشابه بين العلامة الأصلية والعلامة المترجمة لها هو مدى وقوع التباس لدى جمهور
المستهلكين ، وقد استند حكم المحكمة العليا الى هذا النص حينما قضى بان ترجمة معنى
العلامة الأصلية ليس فيه تشابه مع العلامة الأصلية لان ذلك لا يحدث الالتباس والخلط
بين العلامتين، والله اعلم.