تغيير الاسماء من النظام العام
أ.د.عبد المؤمن شجاع
الدين
الاستاذ بكلية
الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الاسماء تفيد العلمية
أي أنها علامات تميز الاشخاص والقرى والمدن والمناطق والدول والقبائل وغيرها،
فلولا الاسماء لما عرفنا أو علمنا الفروق بين الأشخاص والأشياء، كما أن الاسماء
تتعلق بهوية الأشياء والمناطق والاشخاص، علاوة على انه تتعلق بالأسماء وتترتب
عليها آثار قانونية واجتماعية وسياسية وإدارية كثيرة، ولذلك أحاط القانون الاسماء بسياج من
الحماية حتى لا يتم التلاعب بها واستغلالها لأهداف وأغراض مضرة بالنظام العام
للمجتمع ؛ وعلى هذا الاساس فان تغيير الاسماء من النظام العام الذي لايجوز لافراد
المجتمع مخالفته؛ ولذلك فأن تعديل الاسماء وتغييرها يجب أن يخضع لإجراءات ودراسات
من قبل الجهات المختصة بالدولة حتى أن تعديل اسم الشخص أو لقبه يخضع لإجراءات
وضوابط وأحكام قضائية مع أن اسم الشخص من الحقوق اللصيقة بالشخصية إلا أن نطاق هذا
الحق يكون واسعا
عند اختيار الاسم الأصلي أما تعديله أو تغييره فلا يكون حقاً مطلقاً للأفراد فلا
يتم ذلك إلا بإجراءات واعلانات في الصحف وبموجب أحكام قضائية، وقريب من هذا تعديل
اسماء القرى أو المدن أو المحلات او المناطق بل هو أخطر من تعديل اسماء الأشخاص
فلا يملك الأفراد أن يقرروا تعديل اسم هذه القرية أو المنطقة أو الوادي أو الحقل او المزرعة، ولأهمية هذه المسائل في
الواقع العملي ولكثرة الاحتياج إليها فقد عزمنا على الإشارة إليها في هذا التعليق
الموجز على الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/1/2011م في الطعن المدني
رقم (40637) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم في أن أهل قرية اختلفوا
بشأن مسائل عدة تخص قريتهم ومن ذلك تغيير اسم القرية فكانت جماعة منهم تستعمل الاسم المعتمد لدى
الجهة المختصة في الدولة (وزارة الإدارة المحلية) وجماعة اخرى تريد تغيير اسم
القرية الى اسمها التاريخي القديم؛ فقام أهل القرية بتحكيم مجموعة من أعيان القرية
لحسم هذه المسائل بما فيها اسم القرية حتى يتم العمل بموجب الاسم الموحد للقرية ،
وسار المحكمون في إجراءاتهم حتى توصلوا إلى الحكم بتسمية القرية بالاسم القديم
التاريخي الذي كان يطلق عليها في الماضي المشرق، فلم يقبل بعض أهل القرية بحكم
المحكمين فقاموا بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة الاستئناف المختصة، وقد
قبلت محكمة الاستئناف دعوى البطلان، وجاء من ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (أن تعديل
أو تغيير اسماء الوحدات الإدارية أو تعديل التقسيم الإداري على مستوى المديريات
فما دون منوط بأجهزة السلطة التنفيذية ذات العلاقة وفقاً للدستور والقوانين
النافذة وأن ذكر تغيير اسم القرية في المعاملات غير الرسمية تنفيذاً لحكم التحكيم
مخالف للمادة (7) من قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2000م) فلم يقنع الطرف
الآخر من أهل القرية بالحكم الاستئنافي
فقاموا بالطعن بالنقض أمام المحكمة العليا التي قضت بعدم جواز تعديل أو تغيير اسم
القرية من قبل المحكمين او قبل اهل انفسهم؛ وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا. (أن ما ورد في
حكم التحكيم في بند (6) وهو تغيير اسم القرية يتعلق بالنظام العام فلا يجوز
التحكيم فيه فلا يكون للمحكمين بشأن هذا الموضوع سلطة أو ولاية حتى ولو طلب الخصوم
من المحكمين الفصل فيها ولو تم ذكرها في وثيقة التحكيم لأن التحكيم في هذه المسألة
محظور وفقاً للمادة (5) من قانون التحكيم ذلك أن تسمية الوحدات الإدارية أو تعديل
تلك التسمية أو تغييرها منوط بجهة الإدارة ممثلة في السلطة التنفيذية ولذلك فأن ما
قضى به حكم التحكيم في البند رقم (6) كان غير ذي محل ولا يكون من شأنه تقرير حق أو
انشائه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: فوضى الاسماء في اليمن:
للأسف الشديد فأن مصطلح (فوضى الاسماء في اليمن) مصطلح صحيح 100% حيث يتم
التعامل مع اسماء الأشخاص والأشياء والمناطق كما لو أنه ليس لها أية اثار شرعية وقانونية واجتماعية وسياسية؛ فتجد
أن الأشخاص يغيرون اسمائهم والقابهم وبياناتهم من غير رقيب ولا حسيب ؛ وكذلك اسماء
القرى والمناطق والأماكن، واذكر حينما كنت رئيساً للمكتب الفني بوزارة العدل
فقداقترحنا على وزير العدل حينذاك توجيه تعميم إلى المحاكم يتضمن ضوابط واجراءات
تعديل الأشخاص وتغييرهم لاسمائهم او القابهم حيث
صدر ذلك التعميم بالفعل وحينها قامت الدنيا وقعدت بحجة أن حق الانسان في
الاسم من الحقوق اللصيقة بالشخصية وأنه لا ينبغي للدولة أن تتدخل او تراقب تعديل
او تغيير الاسماء والالقاب باعتبار الاسم من الصق الحقوق اللصيقة بالشخصية وقد قمت
حينها بالرد على هؤلاء عن طريق صحيفة القضائية فأوضحت لهم أن وزارة العدل حينما ت
اصدرت ذلك التعميمً لم لتعطيل الحق في الاسم وإنما سعت لتنظم هذا الحق ؛ فاستعمال الأشخاص لحقوقهم كافة يحتاج
إلى تنظيم حتي لاتعارض الحقوق وتتصادم المصالح
؛ وهذا من أساسيات واجبات الدولة أن تنظم استعمال الحقوق وأن تضع الضوابط
والإجراءات التنظيمية للحقوق وإلا فأن استعمال الحق في الاسم سيتم بطريقة فوضوية
طالما وليس هناك تنظيم له، وفوضى استعمال
الاسماء وتعديلها في اليمن ليست حكراً على اسماء الاشخاص بل أنها سمة عامة في
اسماء الشوارع والحارات والمناطق والأحياء والقرى والمحلات والعزل التي يتم
التعامل معها بعشوائية دون ادراك اومعالجة للاثار الشرعية والقانونية المترتبة على
تعديل اسماء المناطق حيث لايلتزم الافراد باستعمال الاسماء المعتمدة من الدولة في
معاملاتهم وتصرفاتهم (مثلاً شارع الرياض/شارع هايل) و (شارع
العدل/شارع ابن الأمير) وهكذا في كل اسماء المناطق في اليمن بأسرها، وقد أشار
الحكم محل تعليقنا إلى وجوب استعمال الاسماء الرسمية المعتمدة من الدولة في
المعاملات والمكاتبات والتصرفاتالتي يباشرهاالافراد.
الوجه الثاني: الغرض من تسمية الاشخاص والأشياء والأماكن والمناطق:
من المعلوم أن الغرض من تسمية الاشخاص والأشياء والمناطق هو العلمية بمعنى
العلامة التي تميز الأشخاص عن بعضهم وتميز
المناطق والأشياء عن بعضها حتى يكون كل شخص وكل شيء وكل منطقة معلومة علماً
نافياً للجهالة في اي معاملة او تصرف؛ وهذا حق لكافة افراد المجتمع وليس حقاُ
شخصياً لصيق بالشخصية ؛فمن حق الكافة أن يعلموا اسماء غيرهم وأسماء المناطق
والأماكن ومن حق الناس جميعاً أن تكون هذه الاسماء مستمرة ومستقرة ومعتمدة من
الدولة وتبعا لذلك حتى تكون المراكز
االقانونية لافراد المجتمع مستقرة
أيضا.
الوجه الثالث: استعمال الاسماء في العقود والتصرفات والمعاملات والوثائق:
مع أن اسم الانسان حق لصيق بشخصيته ومع أننا لا نهتم بأهمية اسماء المناطق
والأماكن القريبة والبعيدة منا إلا أننا نستعمل هذه الاسماء والمسميات في كل
العقود والتصرفات والمعاملات والوثائق والمستندات فلا تخلو وثيقة من اسماء أشخاص
وألقابهم ومكان ميلادهم واسماء الأراضي والعقارات ومكان وجودها ومسميات حدودها بل
أن للأراضي اسماء ومسميات تميزها عن
الأراضي المجاورة لها، وعلى هذا الأساس فأن الاسماء لها أهمية بالغة في صحة
وسلامة العقود والتصرفات والوثائق والمستندات وان صحة الاسماء واستقرارها توفر
الثقة والاستقرار لتلك المحررات وان التغيير العشوائي للاسماء التي وردت في تلك
المحررات يفتح الباب واسعا للنزاعات مستقبلاً بين افراد المجتمع .
الوجه الرابع: بعض الآثار الشرعية والقانونية والاجتماعية المترتبة على تغيير الاسماء من غير إجراءات نظامية:
لا يتسع المجال في هذا التعليق الموجز للإشارة إلى كل الآثار المترتبة على
تعديل الاسماء عشوائياً، ولذلك فسوف نكتفي بالإشارة إلى بعض هذه الآثار ومنها
التشكيك في العقود والتصرفات التي ترد فيها تلك الاسماء التي يتم تعديلها في وقت
لاحق لتحرير تلك العقود فمثلاً: تخيل أنك اشتريت أرضاً اسمها (رعد) من البائع
(سعيد علي ) وتم تدوين هذه البيانات في وثيقة الملكية وبعد فترة ثم تغيير اسم
الارض إلى (وعد) وتغيير اسم البائع إلى (علي سعيد) وهكذا في العقود والتصرفات
فلاشك أن تعديل الاسماء هو الفوضى بعينها، ومن المحزن أن أحد زملاء الدراسة
الجامعية من محافظة إب قام بتعديل لقبه إلى لقب لإحدى القبائل الواقعة إلى شرق
العاصمة كي تكون له مكانة اجتماعية الا انه
تم قتله جوار الجامعة انتقاما لثأرات قبلية حصلت في تلك الفترة بين قبائل
شرق صنعا التي حمل زميلنا لقب احداها ، ويحذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
تغيير الاسماء في الحديث الصحيح (من أدعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) اما اثار تغيير الاسماء على المواريث
والقسمة فحدث ولاحرج حيث تستغرق اجراءات تصحيح الاسماء وقتا طويلا لان الغالبية
لايهتمون باجراءات تعديل الاسماء في حينه .
الوجه الخامس: ضوابط تعديل اسماء الأشخاص وألقابهم:
سبق القول بأن وزارة العدل قد أصدرت تعميماً إلى المحاكم المختلفة تضمن
التوجيه بعدم تغيير اسماء الأشخاص والقابهم إلا بعد الإعلان في صحيفة رسمية واسعة
الانتشار عن طلب الشخص تعديل اسمه، ومع أن هذا التعميم كان خطوة في الاتجاه الصحيح
إلا أن بعض الاشخاص الذين يقومون بتعديل اسمائهم أو ألقابهم قد يكون لغرض غير
مشروع لايعرفه وقت صدور الحكم بتغيير الاسم ؛ فمثلا قد يكون الغرض من ذلك الدخول ضمن ورثة او شراكة او الاستيلاء على ارض
او حق او الهروب من عقوبة أ الهروب من التزام شرعي كنفقة أو غرم عاقلة أو للحصول
على معاش تقاعدي بغير حق......ألخ، ولذلك فأننا نوصي بأن يقوم القاضي قبل إصدار
حكمه باستفصال طالب تعديل اسمه عن غرضه من تعديل الاسم واللقب وأن يتم إثبات ذلك
في الحكم حتى لا يستعمل الحكم في الأغراض الأخرى، علماً بأن دولاً كثيرة تدخل
النيابة العامة في دعاوى تعديل الاسماء حتى تستطيع النيابة العامة بحكم صلاحياتها
الواسعة في التحقيق تستطيع الوقوف على الغرض الحقيقي لتعديل الاسم أو اللقب
للحيلولة دون استعمال الحكم في غير الغرض المحدد فيه.
الوجه السادس: تغيير الاسماء من النظام العام:
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد قرر أنه لا يجوز لأهل
القرية تعديل أو تغيير اسمها المعتمد في سجلات الدولة أو تدوين غير هذاالاسم
المعتمد في معاملاتهم لأن ذلك من اختصاص الدولة باعتبار ذلك من النظام العام فلا يجوز لإفراد المجتمع
الاتفاق على خلافه أو التحكيم بشأنه لأن ذلك من النظام العامجقانون التحكيم ينص
صراحة على عدم جواز التحكيم في مسائل النظام العام، لأن الدولة بأجهزتها ومؤسساتها
المختلفة هي المختصة وحدها بتنظيم استعمال الاشخاص للأسماء في معاملاتهم
ومكاتباتهم وتصرفاتهم بحيث لا يترتب على تعديل الاسماء وتغييرها المساس بالحقوق
والمصالح العامة والخاصة، فالدولة وحدها هي المعنية بتغيير الاسماء حيث تتلقي طلبات
الأفراد والجماعات ومقترحاتهم بتعديل اسمائهم أو اسماء قراهم أو غيرها وتتولى
الدولة بمؤسساتها المختلفة دراسة الآثار المترتبة على تعديل الاسم واتخاذ
الإجراءات والتدابير المناسبة للحيلولة دون المساس بحقوق الناس.
الوجه السابع: فوضى تعديل الاسماء وعلاقتها بمنازعات الأراضي في اليمن:
ذكرنا في تعليقات سابقة أن أكثر النزاعات والخلافات في اليمن متصلة مباشرة
بالأراضي حيث أوصلها بعض الباحثين إلى نسبة75 في المائة
من النزاعات، ولهذه الظاهرة
اسبابها المختلفة منها اسلوب صياغة العقود العقارية وتوثيقها وتسجيلها، ومن هذه الاسباب
إيضاً تعديل اسماء الأراضي والتلاعب في مسمياتها لاسيما في أراضي وعرصات البناء
التي لم تعد أراضي زراعية لها معالمها وحدودها ومسمياتها الواضحة، فمثلاً كل أراضي
مدينة صنعاء عدا صنعاء القديمة أراضي زراعية لها مسمياتها التي تطلق على كل أرض
على حدة والتي تميزها عن غيرها. ولكل أرض حدود وهي عبارة عن أراضي لها
مسمياتها إيضاً، فاسم الأرض واسماء
الأراضي المحادة لها تميز كل أرض على حدة حتى لا يحصل النزاع والخلاف بشأنها،
فعندما تحولت هذه الأراضي إلى عرصات بناء وضاعت معالمها ومسمياتها انفجرت الخلافات
على الأراضي كما انه يحدث في الغالب
تغيير متعمد ومقصود لمسميات كثير من الأراضي توطئة لمنازعة اصحابها، وهذا إيضاً
حاصل في كثير من المدن والقرى ولذلك فأن أي معالجات لظاهرة النزاع على الأراضي يجب
أن لا يغيب عن بال المعنيين مسألة التلاعب والتعديل لأسماء الأراضي والأماكن والاشخاص؛
والله اعلم.