التظلم الاداري لا ينزع الولاية العامة للمحكمة

 

التظلم الاداري لا ينزع الولاية العامة للمحكمة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

السلطة القضائية هي السلطة الدستورية صاحبة الولاية والاختصاص في الفصل في الدعاوى فتلك هي وظيفة القضاء، كما ان حق التقاضي ورفع الدعاوى امام القضاء أيضاً حق دستوري وقانوني مقرر لكل مواطن له صفة ومصلحة، وعلى هذا الاساس اذا قرر أي من القوانين الحق للمواطن المظلوم في التظلم الاداري امام أي جهة من جهات الادارة العامة من أي قرار او اجراء من الاجراءات المخالفة فان ذلك لا يصادر حق المواطن في اللجوء الى القضاء للمطالبة أو للدفاع عن حقه باعتبار القضاء هو صاحب الولاية العامة في الفصل في الخصومات كافة، وهذا المبدأ قرره الحكم محل تعلقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/5/2011م في الطعن المدني رقم (44494) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شركة مقاولات تقدمت الى المحكمة الابتدائية بدعوى مفادها ان لجنة المناقصات قد ارست المناقصة العام لاحد المشاريع على العطاء الاقل منه والاقل في المواصفات حيث اختصم المقاول المدعي لجنة المناقصات والمزايدات ومكتب وزارة .... والمقاول الذي رست عليه المناقصة؛ وفي مواجهة هذه الدعوى دفع المدعى عليهم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لان الهيئةالعليا للمناقصات هي الجهة المختصة قانونا بالنظر في اية تظلمات او طعون او مطالبات بالتعويض عن مخالفة اجراءات المناقصات او اية تجاوزات بحسب ما نصت المادة (77) من قانون المناقصات حيث نصت تلك المادة على ان الهيئة العليا للمناقصات هي الجهة المختصة بنظر الشكاوى والتظلمات في اجراءات المناقصات، وقد سارت المحكمة في اجراءات نظر الدعوى حتى توصلت الى الحكم برفض الدعوى لان قانون المناقصات قد حدد الجهة المختصة بنظر قضايا ومنازعات المناقصات، فلم تقبل شركة المقاولات المدعية بالحكم الابتدائي فقامت باستئنافه إلا أن الشعبة المدنية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي ؛فلم تقنع شركة المقاولات بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه لم يكن موافقاً من حيث النتيجة للشرع والقانون بتأييده للحكم الابتدائي حيث ان الثابت ان النزاع قد اقتصر على مدى اختصاص او عدم اختصاص المحكمة بنظر هذه الخصومة فقد قضت محكمة اول درجة وثاني درجة بان الاختصاص ينعقد للجهة صاحبة المشروع هيئة المناقصات وفقاً للمادة (77) من قانون المناقصات والمزايدات بيد ان استناد المحكمتين الى تلك المادة لم يكن في محله ؛فقد اعطت هذه المادة ومن قبلها المادة (1) من القانون ذاته الحق لأي شخص يلحقه الضرر جراء تقديمه للعطاء ان يتظلم الى الجهة ذاتها بيد ان ذلك لا يمنعه من اللجوء الى المحكمة ذات الولاية العامة بنظر القضايا والحكم في جميع الدعاوي اياً كانت قيمتها او نوعها وفقاً للمادة (89) مرافعات فلا تثريب على الشركة الطاعنة حينما رفعت دعواها ابتداءً امام محكمة أول درجة؛ فكان الواجب على المحكمة ان تنظر الخصومة وفقاً للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية التظلم الاداري :

التظلم وسيلة ادارية اجازها القانون للمظلوم او المتضرر من قرارات الادارة العامة واجراءاتها ان يطلب منها  إعادة النظر في تلك القرارات والاجراءات غير المشروعة والغاء تلك القرارات المخالفة، وقد يتم تقديم التظلم الى المسئول الذي اصدر القرار المتظلم منه أو السلطة الاعلى من ذلك المسئول، وللتظلم اجراءات ومواعيد واجراءات للفصل فيه حيث يصدر في التظلم قرار اداري برفضه او قبوله كما انه من الشائع في اليمن ان تهمل الادارة العامة تظلمات المواطنين وشكاويهم وهو الغالب ، وفي حالة التفات الادارة الى بعض التظلمات فانها تقرر دائما رفض تلك التظلمات نتيجة القناعات المسبقة لدى مسئول الادارة العامة بالإضافة الى حرص المسؤولين على الدفاع عن قراراتهم واجراءاتهم او قرارات واجراءات مرؤوسيهم المخالفة.

الوجه الثاني : التظلم الاداري بين الجبر والاختيار :

المقصود بهذا بيان ما اذا كان سلوك المواطن طريق التظلم الاداري اجباري ام اختياري؛ حيث ان هذه المسألة كانت جوهر الخلاف في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، فمن خلال الرجوع الى القوانين والبحوث ذات الصلة بهذا الموضوع نجد ان التظلم الاداري طريق اختياري للمواطن المتظلم او المظلوم من القرارات والاجراءات الادارية المخالفة فله ان يسلك هذا الطريق او لا يسلكه مثلما له الحق ايضا  في تقديم الدعوى امام المحكمة المختصة الذي يكون اختيارياً وليس جبرياً.

الوجه الثالث : حق التقاضي امام المحاكم والقضاء :

سبق القول بان حق التقاضي حق مكفول لكل مواطن بموجب احكام الشريعة والدستور والقانون، وبموجب ذلك يحق للمواطن ان يتقدم بدعواه امام القضاء ؛ ولان هذا الحق مكفول على هذا النحو فلا يجوز تعطيل هذا الحق أو منع المواطن من استعمال هذا الحق او الحيلولة دون مباشرته لهذا الحق كما لا يجوز اجبار المواطن على التخلي عن هذا الحق واللجوء الى التظلم الاداري.

الوجه الرابع : الولاية العامة للحاكم في الفصل في كافة الدعاوى :

من المقرر وفقاً لاحكام الشريعة والدستور والقانون ان القضاء او المحاكم هي صاحبة الولاية العامة في الفصل في كافة الدعاوى والخصومات وقد صرح الدستور وقانون السلطة القضائية وقانون المرافعات بالولاية العامة للمحاكم وانه يجب عليها قبول كافة الدعاوى والطلبات طالما وقد توفرت فيها الشروط القانونية فاذا لم تقبل المحاكم هذه الدعاوى فانها تكون منكرة للعدالة فيخضع القاضي للعقاب والمسائلة بموجب القانون، فوظيفة القضاء هي الفصل في الدعاوى فهو صاحب الولاية العامة والاختصاص العام.

الوجه الخامس : حق المواطن في اختيار طريق التظلم او الدعوى :

ذكرنا فيما سبق ان التظلم حق للمواطن وليس واجباً وكذلك الحال بالنسبة لحق المواطن في الدعوى فهو ايضا حق وليس واجباً على المواطن وبموجب ذلك فالمواطن باعتباره صاحب الحق في الدعوى والتظلم ان يختار اياً من الطريقين، ويذهب بعض المؤلفين الى انه يجوز للمواطن المظلوم او المتضرر ان يجمع بين الطريقين غير انه من الافضل للمواطن في هذه الحالة ان يسلك طريق التظلم فان اصدرت الادارة العامة قرارها برفض تظلمه تقدم بعدئذ امام القضاء.

الوجه السادس: عدم جدية وجدوى نظام التظلم والشكاوى والاقتراحات في اليمن:

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا ظل المقاول مكافح ومنافح عن حقه الطبيعي في التقاضي امام المحكمة صاحبة الولاية العامة وهذا يدل ويكشف عن خوف المواطن من سلوك طريق التظلم الاداري لقناعته بعدم جدوى التظلم لعدم اهتمام الادارة وجديتها في نظر التظلمات من القرارات والاجراءات المخالفة علاوة على ان الادارة  اذا قدر لها ان تنظر في تلك التظلمات فانها تدافع باستماتة عن قراراتها واجراءاتها المخالفة لوجود القناعات المسبقة لديها عن صحة وسلامة القرارا والاجراءات التي سبق لها اتخاذها اضافة الى ان الادارة تدافع عن المسئولين الذين اتخذوا القرار اوالاجراء المخالف، وهذا الامر  بدوره يكشف عن ردائه طريق التظلم وفي الوقت ذاته فانه يكشف عن عدم اهتمام الادارة العامة بالتظلمات اوالشكاوى اوالاقتراحات التي يرفعها المواطنون اليها ؛فصناديق الشكاوى والتظلمات والاقتراحات ومن بعدها ارقام الشكاوى والاقتراحات والتظلمات تدل على ان المواطنين لا يتعاملون معها ولا يستجيبون للدعوات الصادقة للتفاعل معها لان تجارب المواطنين السابقة في هذه الجانب تدل على ان الادارة لا تهتم بتظلمات ومظالم وشكاوى المواطنين واقتراحاتهم.

الوجه السابع : دعوة وتوصية صادقة للحكومة لتفعيل وترشيد نظام التظلمات والشكاوي والاقتراحات:

 مع الاهمية البالغة للشكاوي والتظلمات والاقتراحات باعتبارها قناة من اهم قنوات التواصل فيما بين الحكومة او الادارة العامة والمواطنين ومع اهمية هذه المسائل في ترشيد اعمال الحكومة وحوكمتها وشفافيتها وتجويد وتحسين اعمالها الا ان هذا الجانب مهمل تماماً ، ولذلك فإننا نوصي مخلصين بإيجاد الية رقابية على تفاعل الادارات العامة مع تظلمات واقتراحات ومظالم المواطنين، وان شاء الله سوف نعد بحثاً موجزاً في هذا الشأن في القريب العاجل ان شاء الله، والله اعلم.