تنفيذ القصاص لايؤجل حتى يبلغ القاصر
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
القانون
هو اجتهاد ولي الأمر الذي يجب تطبيقه وتنفيذه، حيث يتم إعداد القانون بعد دراسة
اقوال الفقهاء وادلتهم والترجيح بينها وتبعاً لذلك يتم اختيار القول المناسب للأمة
ويتم تقنينه في القانون فيكون نصاً قانونيا ملزماً، والاجتهاد في المسائل الجنائية محفوف بالمخاطر، ومن ذلك الاجتهاد بتأجيل تنفيذ القصاص حتى
يبلغ القاصرون من ورثة القتيل المجني عليه، وقد تناول هذه المسألة المهمة الحكم
الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
26/11/2011م في الطعن رقم (42154) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
المحكمة الابتدائية قضت بعقوبة القصاص على المتهم بالقتل وفي الوقت ذاته قضت
بتأجيل تنفيذ العقوبة حتى بلوغ ابناء القتيل القاصرين، وقد قضت الشعبة الجزائية
بتعديل الحكم والغاء الفقرة الواردة في المنطوق التي قضت بتأجيل تنفيذ القصاص حتى
يبلغ القاصرون لانه لا سند لهذا القضاء في القانون، فقام المتهم بالطعن بالنقض غير
ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم
المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان الحكم الاستئنافي قد أيد الحكم الابتدائي في
قضائه بعقوبة القصاص الشرعي بموجب الأدلة الشرعية الصحيحة مع الغاء الفقرة الاخيرة
من منطوق الحكم الابتدائي المتعلقة بعدم تنفيذ القصاص حتى بلوغ القصار لعدم شمول
هذا القيد بنص نافذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول : تأجيل
القصاص لبلوغ القاصر في الفقه الإسلامي :
هذه المسألة محل خلاف
بين الفقهاء، حيث اختلف الفقهاء بشأنها على قولين، القول الأول : يذهب إلى عدم
جواز تأجيل القصاص اذا تحققت شروطه وموجباته وثبت بحكم شرعي، فالواجب استيفاؤه فلا
يؤجل حتى يبلغ القاصر أو يفيق المجنون، لان القصاص عقوبة والعقوبة مأخوذة من العقب
فالعقوبة تنفذ بعد الجريمة مباشرة حتى تحقق غرضها الشرعي في الردع والزجر يتم
توقيعها إضافة إلى ان تأجيل تنفيذ القصاص يكون فيه زيادة على عقوبة القصاص وهي سجن
المحكوم عليه بالقصاص حتى يبلغ القاصر الذي قد لا يعفو عن قاتل إليه أو مورثه في
غالب الأحوال فيتم استيفاء القصاص بعد مكث المحكوم عليه بالقصاص في السجن بضع سنين
، فضلاً عن ان عدم استيفاء القصاص بعد ثبوته يعطل الحكمة الشرعية من القصاص وهي
شفاء غيظ قلوب اولياء الدم وسكون ثائرتهم لان قاتل مورثهم لم ينفذ فيه حكم القصاص،
وقد اخذ قانون الجرائم والعقوبات اليمني بهذا القول، في حين يذهب القول الثاني إلى
أن :الحكم بالقصاص يتم بعد وقوع فعل القتل الموجب له اذا ثبتت موجباته وشروطه
الشرعية ولكن استيفاء القصاص حفظا لحق اولياء الدم في القصاص ولكن استيفاء القصاص
وتنفيذه لايتم حتى يبلغ القاصر، لان
القاصر اذا بلغ ربما يعفو عن القصاص وفي ذلك شبهة توجب تاجيل التنفيذ كما ان
القصاص لا يتبعض أو يتجزا فاذا كان بعض اولياء الدم بالغين وبعضهم قاصرين فلا يحق
للبالغين المطالبة باستيفاء القصاص لان حقهم في ذلك مخالط لحق القاصرين والقاصر لا
يعتد شرعاً بتصرفه وعبارته سواء بطلب القصاص او العفو والاسقاط، ولذلك يلزم تأجيل
القصاص حتى يبلغ القاصر (التشريع الجنائي الإسلامي، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ142).
الوجه الثاني : لا
يجوز تأجيل القصاص حتى يبلغ القاصر في قانون الجرائم والعقوبات :
سبق القول ان قانون
الجرائم والعقوبات قد اخذ بالقول الفقهي الذي ذهب إلى وجوب استيفاء القصاص وتنفيذه
بعد ثبوته والحكم به، وعندما تم تقنين وإعداد ومناقشة هذا القانون لا شك ان
المعنيين قد ناقشوا الآراء الفقهية المختلفة في المسألة ووقفوا على أدلة كل قول
وقاموا بالترجيح بينها في ضوء احتياجات الزمان والمكان، وقد توصل اجتهادهم إلى
الأخذ بالقول الفقهي الذي ذهب إلى استيفاء القصاص وتنفيذه بعد الحكم به وعدم
تأجيله لبلوغ القاصر وهذا ما يسمى في الفقه الإسلامي (اجتهاد ولي الأمر) وقد اخذ
في الوقت الحاضر هذا الاجتهاد شكل القانون الملزم الذي يجب على الجميع تنفيذه
والعمل بمقتضاه باعتباره اجتهاد ولي الأمر، حيث أن اقتراح مشروع القانون يتم من
قبل الحكومة في غالب الاحيان ويتولى نقاشه نواب الشعب أو وكلاء الأمة ويتم اصداره
بقرار من رئيس الدولة، ولذلك لا يجوز للقاضي أو غيره ان يجتهد على خلاف ما ورد في
النص القانوني(الفقه المقارن،ا.د.عبدالمؤمن شجاع الدين،،ص61)،وبتطبيق هذا المفهوم على مسألة استيفاء القصاص بعد ثبوته والحكم
به من غير تأجيل لبلوغ القاصر فقد ورد في قانون الجرائم والعقوبات نص صريح يقرر
عدم جواز تأجيل تنفيذ القصاص حتى يبلغ القاصر حسبما ورد في المادة (62) عقوبات
التي نصت على انه (اذا طلب الورثة البالغون الحاضرون القصاص ينفذ ولا ينتظر بلوغ
القاصر أو شفاء المجنون اذ لا ولاية لهما ولا ينتظر حضور الغائب الذي خفي مكانه
اما الغائب المعلوم مكانه فتتولى النيابة
العامة تحديد موعداً مناسباً تعلمه به فاذا لم يحضر نفذ القصاص بدون حضوره ولا حق
لهم بعد تنفيذ القصاص في المطالبة بالدية أو الأرش) وقد انطلق القانون في تقريره
لهذا النص من منطلق ان القصاص عقوبة وان كان حق اولياء الدم فيها غالب إلا ان
للمجتمع حق فيها ولذلك اجاز القانون الحكم بالقصاص بموجب الدعوى الجزائية التي
ترفعها النيابة العامة بما لها من ولاية عامة باعتبارها نائبة عن المجتمع اذا
امتنع اولياء الدم عن المطالبة بالقصاص حسبما ورد في المادة (50) عقوبات التي نصت
أيضاً على أنه (يكفي للحكم بالقصاص طلبه من أحد الورثة دون القاصرين فانه في هذه
الحالة يتم تنفيذ القصاص بناءً على طلب واصرار البالغين من الورثة فلا يؤجل القصاص
حتى يبلغ القاصر، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717