الوقف على الحضرات والموالد
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية
الشريعة والقانون جامعة صنعاء
موضوع الوقف على الحضرات
والموالد من المسائل الخلافية بين اهل اليمن في الوقت الحاضر, حتى ان قانون الوقف
النافذ قرر صراحة منع هذا الوقف, وما زال الجدل والنقاش بشأن هذا الموضوع مستمرا
في اوساط الفقهاء والقضاة والباحثين المعاصرين ؛ ولذلك نجد انه من المناسب تسليط
الضوء على هذا الموضوع من خلال التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/3/2011م في الطعن الشخصي (42131) لسنة
1432هـ وتتلخص وقاىع القضية التي تناولها
هذا الحكم ان احد المواطنين اوقف في عام
1293هـ احد المواضع الزراعية على الحضرة ونفقاتها حسبما ورد في الوقفية؛ وبعد مضي
اكثر من مائة واربعين عاما على صدور تلك
الوقفية تنازع احفاد الواقف على الموضع الموقوف ؛ حيث قام بعض الاحفاد بمنازعة
حفيد الواقف الناظر على ذلك الوقف وطلبوا من المحكمة المختصة ابطال ذلك الوقف عملا
بما ورد في قانون الوقف النافذ الذي يمنع الوقف على الموالد والحضرات الا ان
المحكمة الابتدائية المختصة رفضت ذلك وحكمت (بان تظل الارض الوقف حسبما اشترط الواقف
لأنه من الاوقاف القديمة التي لم يبطلها قانون الوقف الجديد) فلم يقبل المدعون
بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه امام
محكمة الاستئناف التي قبلت الاستئناف وقضت (بتقرير بطلان الوقفية المؤرخة ربيع
الاول 1293هـ) وقد جاء في اسباب الحكم الاستئنافي (انه تبين عدم جواز ذلك الوقف
لتضمنه الوقف على الحضرة ودفع تكاليفها من عائدات الوقف ؛ وهذا الوقف هو الذي
منعته المادة (39) من قانون الوقف النافذ) فلم يقبل ناظر الوقف على الحضرة فبادر
بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي قبلت الطعن ونقضت
الحكم الاستئنافي وجاء في اسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة ان الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه
مخالفته للمادة؛ 46من قانون
الوقف التي منعت
ابطال الاوقاف القديمة؛ فالوقف على الحضرة محل النزاع قد كان قبل اكثر من
مائة واربعين عاما ولذلك فان الدائرة تجد ان ما نعى به الطاعن في هذه المسألة صحيح
ومؤثر فيما قضى به الحكم الاستئنافي لمخالفته للمادة (46) من قانون الوقف مما
يستوجب قبول الطعن موضوعا) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في
الاوجه الاتية :
الوجه الاول : ماهية الوقف على الحضرة :
من خلال مطالعة بعض الوقفيات على الة نجد ان هذه الوقفيات تتضمن ان
الواقف قد اوقف وحبس ارض كذا او موضع كذا بان تكون وقفا لله تعالى لا يباع ولا
يشترى وان تنفق غلاته على اقامة المولد والحضرة وان يكون ثوابها لروح الواقف
والنبي صلى الله وعلى اله وسلم وقد يضيف الواقف في الوقفية والى روح الولي الصالح
فلان بن فلان والى ارواح والدي الوقف واسلافه, وقد يحدد الواقف في الوقفية اوقات
الحضرة مثل تاريخ ميلاد النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم او في جمعة رجب او في
اول رجب او في منتصف شعبان؛ وقد يكون
تاريخ الحضرة يوم ميلاد ولي من الاولياء, ومن النادر ان يذكر الواقف التكاليف التي
يتم صرفها في اقامة الحضرة التي اوقف عليها.
الوجه الثاني : ماهية الحضرة الموقوف عليها :
من خلال مطالعة بعض الوقفيات على الحضرات ومن خلال مشاهدة بعض الحضرات التي تقام في الواقع العملي بناء على تلك الوقفيات نجد ان
: الحضرة : هي عبارة عن اقامة وليمة في يوم معين حدده الواقف ولهذا اليوم
دلالته الدينية عند الواقف مثل يوم
ميلاد النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم او الرجبية او الشعبانية او
العلوانية اوالبدرية وغيرها يتم فيها ذبح ثور او بقرة او شاة واطعام الفقراء
وتقديم القات او القهوة للحاضرين والقيام بالذكر الجماعي في اثناء مقيل او سمر
الحاضرين ويتم احضار نشاد يقوم بترديد القصيد مدحا للنبي صلى الله عليه وسلم او
ذكر مولده وسيرته بما يسمى (المولد الشريف) فالحضرة والمولد عبارة عن اذكار جماعية
يقوم خلالها الحاضرون بقراءة ايات اوسور من القران الكريم بالاضافةالى سورة
الفاتحة وسورة الاخلاص ويذكرون في اثناء الحضرة ان ثواب الذكر في هذه الحضرة
مهدى الى روح الواقف والنبي صلى الله عليه
وسلم وارواح الاولياء وغيرهم الذين حددهم الواقف في وقفيته.
الوجه الثالث : الخلاف الفقهي بشأن الحضرات والموالد والذكر الجماعي :
لهذا الخلاف اهميته في التعليق على هذا الحكم ولمعرفة موقف قانون الوقف
اليمني من ذلك, فالخلاف الفقهي بشان هذا الموضوع لم يظهر الا في العصر الحديث ؛
حيث اختلف العلماء المعاصرون بشان ذلك على قولين :
القول الاول : اقامة الحضرات والموالد امر جائز شرعا, لأنها قد كانت تتم
في العصور الاسلامية المختلفة ولم ينكرها منكر ؛ كما انها من قبيل الذكر الجماعي
الذي يشجع الناس على ذكر الله ؛ حيث ينشط فيها الذاكرون على الذكر بل ويحفظ العوام
سور وايات من القران الكريم بالاضافة الى حفظ الادعية والاذكار الشرعية كما انهم يتعضعون بالمواعظ التي تلقي في هذه
الحضرات فالذكر والدعاء عبادة فلايكون
بدعة ؛ اضافة الى ان الحضرات والموالد تضفجي روحانية لا تكون موجودة في حالة الذكر
الفردي ؛ ولذلك فقد كان للحضرات والموالد تأثير بالغ في دخول اقوام كثيرة في دين
الله افواجا لا سيما في الهند وماليزيا وإندونيسيا ووسط اسيا وقارة افريقيا حيث
كان هؤلاء يتأثرون بالروحانية التي تضفيها الحضرات والموالد, اضافة الى ان الحضرات
لا تعني حضور روح النبي المولد او الحضرة وانما تعني حضور الذاكرين لجلسة الذكر.
القول الثاني : اقامة الحضرات والموالد بدعة لم تكن في عهد النبي صلى
الله عليه وعلى اله وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين كما ان الذكر لله من افضل
القرب الى الله ولكنه نافلة لا ينبغي اشهارها او التجمع لأدائها, اضافة الى ان
الذكر عبادة والزيادة فيها او ادائها على خلاف التشريع يجعلها بدعة, وقد تأثر
قانون الوقف اليمني بهذا القول في منعه الوقف على الحضرات والموالد.
الوجه الرابع : موقف قانون الوقف من الوقف على الموالد والحضرات :
اتجه قانون الوقف في هذه المسألة في اتجاهين الاتجاه الاول منع الوقف على الحضرات والموالد الذي قد يتم من تاريخ سريان القانون النافذ 1992والاتجاه الثاني عدم المساس بالأوقاف على الموالد والحضرات التي قد تمت قبل نفاذ القانون, حيث نصت المادة (39) على انه (لا يصح الوقف على الحضرات واحياء الليالي والموالد والاولياء والقبور وانارتها وتشييدها, اما الاوقاف القديمة منها المعنية من الحكومة للمصالح فتستمر اقرارا لما سبق ومالم يعين في المصالح يصرف فيه) ومن خلال استقراء هذا النص نجد انه صرح باستثناء الاوقاف القديمة من المنع حتى لو كانت على الموالد والحضرات طالما وانها لا زالت مستمرة ولم تندرس حيث ذكر النص عبارة (ولم يعين في المصالح يصرف فيه) وقد استند الحكم الاستئنافي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا استند الى هذا النص في تقريره بعدم صحة الوقفية على اقامة الحضرة, ولم يكن فهمه لهذا النص صحيح, وفي الاتجاه ذاته الذي يقرر صحة الوقفيات القديمة على الحضرات جاءت المادة (46) التي نصت على ان (الاوقاف الاهلية القديمة التي لا تتفق شروطها مع الشروط المنصوص عليها في هذا القانون اذا كانت قد صدرت فيها احكام شرعية بصحتها اوكان الورثة تراضوا عليها او مضى عليها اربعون عاما تبقى على ما هي عليه ولا تنقضي الا بتراضي اهل المصرف او اغلبهم بحسب الاستحقاق واوفرهم صلاحا ويقدم من خلال الجهة المختصة للحاكم لتحقيقه والاذن بنقض الوقف اذا تحققت المصلحة) واضافة الى النصين السابقين فان المادة (93) من قانون الوقف قد نصت على ان (يعمل بهذا القانون من تاريخ صدوره) الذي يعني عدم جواز تطبيق المنع الواردفي هذا القانون باثر رجعي على الاوقاف السابقة على صدوره ومنها الوقف على الحضرات والموالد، والله اعلم.