إثبات الملكية بفواتير الماء والكهرباء
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تنظم
القوانين واللوائح وتحدد الاستدلال بكل مستند أو محرر أو وثيقة ،فهناك مستندات
يحددها القانون لإثبات الزواج وهناك مستندات يحددها القانون لإثبات الشخصية وهناك
مستندات يحددها القانون لإثبات الملكيةزهكذا، فالقوانين واللوائح والنظم تحدد
وسائل إثبات الملكية وهي عقود البيع والشراء للأراضي وهناك قرينة قانونية قررها
القانون المدني يستدل منها على أن كل بناء قائم على الارض تابع في ملكيته امتلك الارض،لكن هناك
حالات كثيرة يقوم فيها الأشخاص بالبناء
على أرض الدولة أو ارض الوقف أو أرض يستأجرها الشخص الغير فيكون الأرض ملكا لشخص
في حين يكون البناء القائم عليها ملكا لشخص آخر
فعندئذ تثور إشكالية إثبات ملكية البناء القائم على الأرض في هذه الحالة،
فقد تناول الحكم محل تعليقنا هذه المسألة،وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 2/1/2012م في الطعن رقم (46994)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم ان امرأة قامت بالبسط على جزء من أرض الدولة وقامت ببناء سكن لها عليها ولم
يكن لديها أي مستند ملكية أو انتفاع بالأرض أو موافقة من هيئة أراضي الدولة وقد
قام زوجها بإدخال خدمات الماء والكهرباء والمجاري إلى المسكن باتفاقيات مع مؤسسة
المياه والكهرباء باسم الزوج فكانت فواتير الماء والكهرباء تصدر باسم الزوج
فاختلفت الزوجة مع زوجها فتقدمت الزوجة إلى المحكمة الابتدائية بدعوى إخلاء فرد
الزوج على الدعوى: بان المسكن ملكه وانه الذي بسط على أرض الدولة وقام ببناء
المسكن عليها واستدل الزوج على ملكيته بفواتير الماء والكهرباء، وقد توصلت المحكمة
الابتدائية إلى الحكم بقبول الدعوى والزام
الزوج بإخلاء العين والزام الزوجة بتصحيح حيازتها لأرض الدولة عن طريق قيامها
باستئجار الأرض من هيئة الأراضي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (انه لا تناكر
بين الطرفين بشأن البسط على أرض الدولة وعدم وجود مستندات لدى الطرفين تثبت ملكية
أو عقد انتفاع صادر من هيئة الأراضي، وحيث ان الزوجة قد قدمت امام المحكمة شهود
اثبتوا ان الزوجة هي التي قامت بالبسط على الأرض وبناء المسكن عليها فإنها الاحق
بالمنزل إلا ان البسط بغير اذن المالك وهي هيئة الأراضي عمل غير مشروع مما يلزم
على المدعية تصحيح هذا الأمر، اما استدلال المدعى عليه بفواتير الماء والكهرباء
على تملكه المنزل محل النزاع فتلك الفواتير لا تصلح لإثبات ملكيته) فقام الزوج
باستئناف الحكم إلا أن الشعبة قضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع الزوج فقام
بالطعن بالنقض غير ان الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما قول الطاعن بان المطعون ضدها عجزت عن تقديم
وثيقة ملكيتها او إجارتها لمحل النزاع فان ذلك النعي في غير محله لان الثابت ان
المدعية قدمت امام محكمتي الموضوع شهادات الشهود التي تثبت احقيتها في حيازة الأرض
محل النزاع فقد اجمع شهود المدعية على حيازتها وبسطها على الأرض محل النزاع وإنها
التي قامت ببناء المسكن على تلك الأرض، أما احتجاج الطاعن بفواتير الماء والكهرباء
على انها مستندات رسمية فان هذا الاحتجاج محل نظر فان استدلاله بتلك الفواتير مبني
على غير ذي اساس لان فواتير الماء والكهرباء ليست حجة في إثبات الملكية) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : المستندات الدالة على صحة حيازة الشخص لأرض الدولة :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد ان الأرض التي تم البسط والبناء عليها من أراضي الدولة غير
المخططة(العشوائية) ولذلك فالبسط على أراضي الدولة جريمة يعاقب عليها بموجب قانون أراضي الدولة كما ان البسط على
أرضةالدولة لا يكسب حقاً كالحيازة والثبوت بالتقادم، لان أراضي الدولة لاتسقط
ملكيتها بالتقادم ولا يكتسب الحائز لها حقاً عليها بالتقادم، ولذلك فان المتمسك
بحق على أرض الدولة ينبغي ان تكون لديه مستندات صادرة من الجهة المختصة قانونا وهي
هيئة أراضي الدولة وان يحصل على عقد انتفاع او تأجير أو تمليك بحسب ماقرره قانون
أراضي الدولة ولائحته التنفيذية والنظم المتبعة في الهيئة، ولذلك لاحظنا ان الحكم
محل تعليقنا قد قضى بإلزام المحكوم لها بان تقوم بتصحيح حيازتها للأرض عن طريق
هيئة الأراضي للحصول على الوثيقة المناسبة التي
تجعل حيازتها للأرض مشروعة.
الوجه الثاني : إثبات واقعة البسط على أرض الدولة :
من خلال مطالعتنا
للحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بأحقية المدعية استنادا إلى ثبوت قيامها ببناء
المسكن على أرض الدولة وهذه الواقعة واقعة
مادية تم إثباتها بشهادة الشهود ضماناً
الحق في البناء القائم على أرض الدولة
ولتقرير احقية المدعية في تصحيح وضعها وليس تقرير حق للمدعية على أرض
الدولة، وقد تم إثبات واقعة البسط والبناء بالشهود لان ذلك ليس إثبات ملكية ولكنه
إثبات واقعة مادية، فلو كان الأمر متعلق بإثبات ملكية لتم ذلك عن طريق المستندات
المحددة قانونياً للإثبات.
الوجه الثالث : إمكانية الإثبات بفواتير الكهرباء والماء :
لا تصلح اتفاقيات
الماء والكهرباء وفواتيرهما لا تصلح مطلقا لاثبات ملكية الارض التي يقوم عليها
البناء مثلما قضى الحكم محل تعليقنا،كما أن تلك الاتفاقيات والفواتير لاتصلح دليلا وحيداً لإثبات ملكية البناء القائم على
الارض، لان الوظيفة القانونية لاتفاقيات الماء والكهرباء والفواتير الخاصة بهما هو
إثبات تقديم خدمة الماء والكهرباء وترتيب التزاماتها على الجهة مقدمة الخدمة
والمستهلك وإثبات الوحدات التي استهلكها المستهلك وقيمة هذه الخدمات المستحقة
للجهات التي تقدم هذه الخدمات الجمهور وكذا إثبات قيام المستهلك بدفع قيمة استهلاك
تلك الخدمات فليست هذه الوثائق معدة أصلا لاثبات الملكية ولكن اتفاقيات الماء
والكهرباء ورخصة البناء تفيد ملكية البناء القائم على الأرض اذا كانت هناك وثائق
تدل على ملكية صاحب البناء القائم على الأرض إضافة إلى ان القانون المدني قد نص
على ان ملكية الشخص للأرض قرينة على ان البناء القائم عليها ملك أيضاً لمالك
الأرض، وكذا إذا كانت الأرض ملكا للدولة وكان لدى الشخص عقد إيجار من الدولة أو
الوقف فان البناء القائم على أرض الدولة أو الوقف يكون مملوكاً للشخص المستأجر
للأرض من الدولة أو الأوقاف ولذلك فان اتفاقيات الماء والكهرباء والفواتير ورخصة
البناء يتم الاستدلال بها مع غيرها في إثبات ملكية البناء القائم على أرض الغير
حيث تساند الاتفاقيات والفواتير ورخصة البناء قرينة ان البناء القائم على الارض
ملك للحائز الشرعي بموجب وثائق ملكيته للارض أو عقد تاجيره الأرض من الغير، ولذلك
فان المشتري او المرتهن في هذه الحالة يطلب من البائع او الراهن ان يسلمه رخصة
البناء واتفاقيات الماء والكهرباء، والله
اعلم.