الضبطية القضائية للحراس والمرافقين

 

الضبطية القضائية للحراس والمرافقين

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

حدد قانون الإجراءات الجزائية مأموري الضبط القضائي العموميين في حين تولت القوانين الخاصة تحديد مأموري الضبط الخاصين بضبط نوع معين من الجرائم المنصوص عليها في تلك القوانين مثل قوانين الضرائب وقوانين البيئة والصحة والمحاسبة ...ألخ، ولذلك يقرر القانون وجوب ضبط الجرائم بواسطة مأمور الضبط المختص قانوناً، فاذا تم الضبط عن طريق غيرهم فان إجراءات الضبط تكون باطلة يترتب عليها بطلان الحكم الذي بني عليها مثلما حصل في واقعة ضبط المخدرات التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/1/2013م في الطعن الجزائي رقم (44102) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن أربعة اشخاص اتهمتهم النيابة العامةبحيازة مادة مخدرة هي راتنج الحشيش وانهم حاولوا ادخال تلك المادة إلى دولة مجاورة لليمن وفي اثناء ذلك قام حارس السوق في المديرية الحدودية قام بالقبض على المتهمين وتفتيشهم حيث تم نقلهم إلى النيابة العامة التي قامت بالتحقيق ثم قامت بإحالتهم إلى المحكمة الجزائية بتهمة حيازة مادة مخدرة وهي أربعة كيلو غرام من مادة راتنج الحشيش المخدر بقصد الإتجار ،وقد ورد في قرار الاتهام أنه تم ضبط المذكورين من قبل عناصر الأمن، وبعد ان سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر القضية توصلت إلى الحكم على ثلاثة منهم بالحبس لمدة خمس وعشرين سنة وبراءة المتهم الرابع، فلم يقبل المتهمون الثلاثة المحكوم عليهم بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه، وقد قبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بالغاء ما قضى به الحكم الابتدائي بالنسبة للمتهمين الثلاثة، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي أن المتهمين قد اثاروا في طعنهم أنه لم يتم القبض عليهم وتفتيشهم من قبل عناصر الأمن المختصين وإنما من قبل الحارس الخاص بالسوق، والشعبة تجد أن المادتين (172 و 173) إجراءات قد قررت عدم جواز القبض على أي شخص إلا بأمر من النيابة أو المحكمة اذا توفرت دلائل قوية على اتهامه بإرتكاب الجريمة ،ولما كان الامر كذلك فإجراءات القبض والتفتيش مخالفة لأحكام قانون الإجراءات الجزائية يترتب على بطلانها شمولية البطلان لكل الاثار المباشرة حسب ما ورد في المواد (396 و 397 و 402) إجراءات، وحيث أن الحكم الابتدائي قد بني على محضر الضبط والتفتيش، وبما أن مدير عام المديرية قد نفى علمه بمحضر جمع الاستدلال أو توجيهه عليه أو حضوره واقعتي الضبط والتفتيش فانه لا يمكن تجزئة الدليل ،ولذلك فان طرح ذلك الدليل أولى من إعماله مادام أن القاعدة تقضي بأن الشك يفسر لمصلحة المتهم، أما الأقوال المنسوبة للمتهمين في محاضر جمع الاستدلالات فلم تطمئن المحكمة اليها لسببين أولهما أن المتهمين قد انكروا صدورها منهم في محاضر التحقيق الذي اجرته النيابة وكذا أمام المحكمة وثانيهما أن تكذيب مدير عام المديرية لمحضر القبض والتفتيش قد اضعفهما) فلم تقبل النيابة العامة بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبالرجوع إلى أوراق القضية فقد تبين للدائرة عدم تأثير الطعن، لان الحكم المطعون فيه قد تأسس على بطلان إجراءات القبض والتفتيش لعدم مراعاة أحكام قانون الإجراءات لان الثابت أن الذي قام بعملية القبض على المتهمين في سوق .... لم يكن من مأموري الضبط القضائي المنصوص عليهم  في المادة (84) إجراءات وإنما شخص لا يملك صفة الضبطية القضائية فليس من منتسبي الأمن وإنما مكلف بحراسة السوق من قبل عضو مجلس النواب ،ولان عملية القبض قد تمت من قبل شخص لا يملك صفة الضبطية وليس مخولا بذلك، كما أن عملية تفتيش المتهمين واكتشاف مادة الحشيش بحوزتهم لم تتم الا لاحقاً بعد اتمام عملية القبض ممن لا يملك صفة الضبط، ولان محضر الضبط الذي تم اعداده في ادارة الأمن تم بصورة معيبة ولم يستوعب البيانات والإجراءات التي اشترطها القانون من حيث سماع وإثبات أقوال الموجودين من ركاب السيارة بخصوص واقعة حيازة المتهمين لمادة الحشيش ومواجهة المتهمين وسؤالهم عما تم ضبطه بحوزتهم وأخذ اجاباتهم وتوقيعاتهم أو إثبات امتناعهم، كما لم يتم اخطار النيابة العامة فور ضبط الجريمةً مع أن الجريمة جسيمة بالمخالفة للمواد (98 و 99 و 100) إجراءات إضافة إلى أن مدير عام المديرية قد نفى توقيعه على محضر الضبط ونفى علمه بواقعتي الضبط والتفتيش مما ولد الشك لدى المحكمة في صحة الجريمة من اساسها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : التلازم بين القبض على المتهم وتفتيشه :

في غالب الاحيان يتم القبض على المتهم بعد تفتيشه حيث يسفر التفتيش عن وجود مواد ممنوعة فبعدئذ يتم القبض على المتهم، وفي بعض الاحيان يتم القبض على المتهم أولاً ثم يتم تفتيشه لاحقاً وذلك في الحالات التي يتم فيها الإبلاغ بالمتهم أو تقديم شكوى ضده.

الوجه الثاني : إناطة القبض والتفتيش بمأمور الضبط القضائي :

القبض والتفتيش من اخطر الإجراءات التي تمس الأنسان وتقيد حريته وتحدد مركزه القانوني والواقعي في التهمة، إضافة إلى أن هذه الإجراءات تستدعي أن يباشرها أشخاص مؤهلون تتوفر لديهم الدراية والخبرة والتخصص والأمانة، والفهم العميق لحالات القبض والتفتيش وشروط ذلك وضوابطه المنصوص عليها في القانون، وقد أفترض القانون أن مأمور الضبط القضائي هو الذي تتوفر لديه هذه الخبرات ولذلك حدد قانون الإجراءات مأموري الضبط القضائي في المادة (84) كما قرر في المادة (91) أنهم المكلفون بضبط المتهمين.

الوجه الثالث : الضبطية القضائية للحارس :

حددت المادة (84) إجراءات مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم، ومن هؤلاء (سادسًا : رؤساء الحرس والأقسام ونقط الشرطة ومن يندبون للقيام باعمال الضبط القضائي من غيرهم) ومن خلال ذلك يظهر ان رؤساء الحرس الذين يديرون ويشرفون على اعمال الحرس ويتابعون اعمالهم يندرجون ضمن مأمور الضبط القضائي، والمقصود بالحرس في هذا النص كل شخص تم تعيينه أو ندبه اوتكليفه للقيام برئاسة الحرس المكلفون بحراسة وحماية الشخصيات والمنشات والمقار والمحلات والطرق ووسائل النقل وغيرها.

الوجه الرابع : الضبطية القضائية للحراس التابعين لشركات الحراسة الأمنية الخاصة :

شركات الحراسة الخاصة هي شركات قانونية قامت الجهات المعنية قانوناً بالترخيص لها لمباشرة نشاطها في حراسة المنشأت الخاصة وفي بعض الاحيان المنشأت العامة، وبناءً على ذلك فان الحراس التابعين لشركات الحراسة الخاصة المشار اليها ينطبق عليهم مفهوم الحراس المشار اليه في الفقرة (سادسًا) من المادة (84) إجراءات السابق ذكرها في حدود المنشأت التي تم تكليفهم بحراستها.

الوجه الخامس : الضبطية القضائية لحرس الليل :

وهم طائفة من المواطنين يتم تكليفهم من السلطة المحلية لحراسة المنازل والسيارات في الشوارع في اثناء الليل، وهؤلاء ينطبق عليهم مفهوم الحراس المشار اليه في الفقرة (سادسًا) من المادة (84) إجراءات بل أن هناك من يذهب إلى أنهم هم المقصود بما ورد في تلك الفقرة (تنظيم الإجراءات الجزائية في القانون اليمني، لأستاذنا الدكتور محمد إبراهيم زيد، ص143).

الوجه السادس : الضبطية القضائية للمرافقين :

المرافقون مصطلح يطلق في اليمن على الأشخاص المكلفين بحماية وحراسة الشخصيات العامة كالوزراء والقضاة واعضاء مجلس النواب والشورى والقادة العسكريين والأمنيين، والواقع أن كل هؤلاء المرافقين لا يتمتعون بالضبطية القضائية إلا بعضهم وهم الحراس المكلفون من الادارة العامة لحراسة المنشأت والشخصيات سواء كانوا من الافراد التابعين لها أو من الاشخاص الذين تقوم بتكليفهم الادارة بذلك وتشرف عليهم ويتم اثبات اسمائهم لديها او تصدر تراخيص لهم ، وكذا يتمتع بصفة الضبطية المرافقون الذين يتم تكليفهم من قبل ادارات الأمن بالمحافظات والمديريات، لان هذه الجهات هي المعنية قانوناً بحفظ الأمن العام والسكينة العامة بما في ذلك حماية الشخصيات، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن حارس السوق التابع لعضو مجلس النواب والمكلف بحراسة السوق من قبله ليس مأموراً للضبط القضائي، لان مجلس النواب واعضاءه مختصون بالتشريع فهم السلطة التشريعية في حين أن حفظ الأمن اختصاص أصيل للسلطة التنفيذية، والله اعلم.